تقرير: هيثم الشريف.
منذ عقد او يزيد بدأت اعداد الخنازير البرية تزداد بشكل كبير في الضفة الغربية بفلسطين، إلى ان تفاقمت واصبحت تُعد بالآلاف بحسب المزارعين، فما ان يسدل الليل ستائره، حتى تبدأ العشرات منها، باستباحة أراضيهم خاصة في شمال الضفة الغربية، لتعث فيها فسادا وخرابا وتدميرا، حيث تُعد التربة الرطبة والمناطق التي يطلق عليها السبخات(اماكن تجمع المياه) بيئة جاذبة لتلك الخنازير، لتبدد بذلك آمال المزاراعين وتحولها الى حسرات.
المزارع فايز طنيب (55)عاما من محافظة طولكرم شمال الضفة الغربية، قال ان مزرعته (البالغ مساحتها 32 دونما) تتعرض منذ ما يزيد عن عامين، لمداهمات كثيرة ومكثفة من قبل قطعات الخنازيرالبرية المتوحشة، حيث اوضح قائلا” اسبوعيا تتعرض مزرعتي للتخريب، الامر الذي تسبب بخسارتي للكثير من المحاصيل الزراعية، كان آخرها خسارتي لمحصول الذرة بمساحة دونم كامل ، بفعل طحن وتكسير عروق واغصان المزروعات”.
وتبقى الخسارة المادية والاقتصادية التي تتسبب بها تلك الخنازير، لا تساوي شيئا وإن كانت كبيرة اذا ما قورنت بتهديد الامن الشخصي للمزارعين يقول المزارع الذي التقته السفير والذي اضاف” كثيرة هي المرات التي واجهت فيها الخنازير وجها لوجه، وفي كل مرة كنت الجأ لمخزن اعددته للإحتماء فيه كي لا تستفرد الخنازير بي، والتي قد تكون مستظلة بإحدى اشتال الخضرة أو الاشجار فتهاجمك على غفلة، وعديدة هي الحالات في محافظة طولكرم على سبيل المثال التي تعرض فيها المزارعين لجروح وعضات، لدرجة انها افضت الى القتل لحالة او اكثر في محافظات اخرى”.
المزارع فايز طنيب اتعبته كثرة مراسلة الجهات الرسمية بالخصوص كالمحافظة والبلدية والوزارات صاحبة الاختصاص وحتى الاجهزة الامنية كما يقول، لكنه في ذات الوقت برر عدم تحركها الفاعل” يبدو أن التقسيمات السياسية هي السبب وراء ما يعيق تعامل تلك الجهات مع هذه المشكلة وممارسة الدور المناط او المطلوب منها ، حيث ان اغلب المناطق الزراعية الفلسطينية تقع في المناطق المصنفة C الواقعة تحت السيطرة الامنية الاسرائيلية، ولذلك فإن عملهم على هذا الامر لا يحقق الحد الادنى للمزارعين، إذ يقتصر دور بعض تلك الجهات على ارشاد المزارعين حول سبل وآليات حماية المزروعات، رغم ان ازدياد اعداد تلك الخنازير بشكل مطرد اكبر من ان تحلها تلك السبل، فنحن لا نتحدث عن اعداد فردية وانما قطعان من الخنازير تشكل خطرا على مزارعنا ومحاصيلنا، ففي قرية بلعا شرق محافظة طولكرم على سبيل المثال، شاهدت بأم عيني قطعان بالمئات من تلك الخنازير، بكل الأحجام من الذكر والام حتى الصغار( كل واحدة خلفها 12 خلفها)، التي تبدأ بالتجول بعد هبوط الليل، واعتقد ان مرد ذلك وجود كميات كبيرة من الروث والزبل او الطيور النافقة، نظرا لاشتهار البلدة بإنتاج الدواجن واللحوم”.
فكان ان انتقلنا لبلدة بلعا التابعة لمحافظة طولكرم البالغ عدد سكانها 10 الآف مواطن، ويعمل 80% منهم في الزراعة، فكان ان سألنا رئيس بلديتها رشدي ابو خضره اذا ما كان اشتهار البلدة بإنتاج الدواجن سببا رئيسيا لازدياد هجمات الخنازير على مزارع البلدة” قد يكون ذلك من الاسباب التي زادت في حجم واعداد الخنازير التي تتغلغل في المزارع ليلا، مع ذلك فالخنازير حين تجوع لا تأكل فقط روث الدجاج او الطيور النافق فحسب بل يمتد ذلك لأكل اي شيء يحوي مواد قابلة للهضم كالخضار والصبر وحتى شروش الاشجار، بالتالي فإن طبيعة الجبال وعورتها وامكانية الزراعة فيها والاشجار الحرجية بشكل عام في بلعا، تُعد مكان وبيئة مناسبة للخنازير الباحثة عن الماء والغذاء، وهو ما يفضي للكثير من الدمار في المحاصيل الزراعية، علما بأن اعتداءات قطعان الخنازير لا تقتصر على تدمير المحاصيل، وانما تمتد لمهاجمة المزارعين كلما سنحت لها الفرصة، وهو الامر الذي دفع بالمزارعين للتسلح بالعصا او ما شابه، وعمل خطط حماية ودفاع عن النفس الى جانب اليقظة من قبلهم”.
آفة الخنازير البرية وتفاقم اعدادها، حدثنا الخبير الزراعي في جمعية التنمية الزراعية(الإغاثة الزراعية) المزارع صادق عودة، عن اسباب زيادتها وتكاثرها” الخنازير البرية قبل عام1967 كانت شبة معدومة في الضفة الغربية، بحيث لم يسجل اي مشاهدات لها ، غير انه ومع نهاية القرن الماضي قامت قوات الاحتلال بجلب اعداد من الخنازير البرية والثعابين بواسطة شاحنات، و تم تفريغها في الضفة الغربية (بحسب شهود عيان فلسطينيين)، فأصبحت الاحراش القريبة من المستعمرات الإسرئيلية، اضافة الى مياه الصرف الصحي التابعة للمستعمرات مكانا مناسبا لتكاثرها، كما ان إقامة جدار الفصل العنصري، كان سببا اضافيا لمنع عودة تلك الخنازير للجانب الاسرائيلي، ونتيجة للتكاثر الطبيعي لهذه الخنازير، وعدم وجود المفترسات لصغار الخنازير مثل الضباع، جعلها تزداد لتصبح من اكثر الآفات التي تهدد محاصيل المزارعين خاصة في شمال الضفة الغربية، نظرا لأن الاسمدة الطبيعة المضافة للأشجار، وما ينتج عنها من تكاثر للحشرات، يدفع الخنازير للحفر اسفل تلك الاشجار بحثا عن الديدان والحشرات، وهو ما ينتج عنه خلع لتلك المزروعات وتكسيرها وتدميرها “.
وحول المزروعات التي تحبذها الخنازير قال الخبير الزراعي” الخنازير تترك محاصيل مثل الكوسا والبامية، لكنها تحبذ الجوافة والذرة والقمح والتين والفقوس، وبسبب ذلك يمكن القول أنه وبحكم عملنا الميداني بمناطق ميثلون وسهل دير بلوط، فإن زراعة المحاصيل البعلية قد تراجعت فيها بنسبة 50% وخاصة الفقوس، اما من استمروا بزراعته من المزارعين في سهل دير بلوط(الذي يزرع به 70% من الفقوس الفلسطيني) فتتكاتف جهودهم من اجل عمل دوريات حراسة ليلية منهم لحماية مزروعاتهم، وتنفيذ حملات جماعية لمكافحة الخنازير بواسطة السموم، علما ان قيمة التعويضات التي تقدمها وزارة الزراعة للمزارعين جراء تدمير المحاصيل بفعل الخنازير تحت بند الكوارث، تبقى قليلة مقارنة بحجم الخسارة المادية التي يتكبدها المزارع “.
ويشير المزارع صادق عوده أن اصطياد تلك الخنازير عن طريق السموم ليس سهلا، ومن أنها وسيلة غير فاعلة دائما” الخنازير ذكية اذ انها ترسل احداها كضحية، فإذا اكلت الضحية او شربت السموم فماتت، لا تعود بقية الخنازير للأكل، فكثيرا ما وضعنا الإبر داخل البيض المسلوق او في اكواز الذرة او الشفرات، فكانت الخنازير حذرة ومتنبهه، لذلك وانطلاقا من ان السياج وحده غير كافي لحماية المحاصيل، لا بد من وضع سلاسل حجرية اسفل السياج كي لا تمر الخنازير من تحته، كما لا بد من التنويع في طرق المكافحة لان الخنازير عادة ما تقدم ضحية قبل ما تأكل اي مواد مشبوهة، بحيث يمكن استخدام الابر القوية والشفرات داخل اكواز الذرة او في البيض المسلوق او وضع مادة الجبص في الأعلاف او وضع الملح بين الاكل ثم وضع السموم في الماء لتشرب بعد العطش”.
كما اعطى عوده مثالا حيا للإجراءات التي اتبعها في قتل الخنازير”في مزرعتي الواقعة في عزون عتمه بمحافظة قلقليلة المحاذية لجدار الفصل العنصري(والتي كثيرا ما تعرضت للتخريب والتكسير لأغصان المزروعات فيها) ابتعت طريقة محكمة لقتل القطعان المهاجمة، فقبل عامين وضعت لهم في الليلة الأولى أمعاء الدجاج فأكلوها، وفي اليوم الثاني وضعتها في الجدار الاستنادي داخل كيس فأكلوها، وفي اليوم الثالث فعلت ذات الأمر، لكنني دسست لهم السم فيها في اليوم الرابع، وهو ما نتج عنه قتل16 خنزيرا في ليلة واحدة، ومن شدة غضبي وضعتهم عند بوابة جدار الفصل العنصري، وكتبت (خنازير الاحتلال امام بوابة الاحتلال) ، كما تمكنا قبل اسابيع فقط من اصطياد خنزير كبيرة الحجم ، بعد ان شرب الماء مرتين او ثلاث مرات ووضعنا السم في الماء”.
لكن ذلك لا يغني يختم صادق عوده الخبير الزراعي في جمعية التنمية الزراعية(الإغاثة الزراعية) عن دور السلطة الوطنية” على الوزارات المختصة تدريب كادر على استخدام السموم وتوفيرها بالقنوات الرسمية، لأنها سموم شديدة الفاعلية ولا يجوز لأي شخص استخدامها ، خاصة وانها اذا ما استخدمت بطريقة خاطئة، فمن الممكن ان تقتل الانسان، كذلك مطلوب زيادة الكادر المتخصص في اصطياد هذه الحيوانات، ففرقة مكونة من 14 شخص مدرب على اصطياد الخنازير عدد غير كافي “.
بدورها اقرت وزارة الزراعة على لسان مدير عام الإدارة العامة للغابات والمراعي والحياة البرية حسام طليب انه لا يوجد لدى السلطة سوى فرقة مكونة من 14 رجل أمن مخصصين للعمل على اصطياد هذه الخنازير” هناك حاجة لزيادة طاقم مكافحة الخنازير التابع للأجهزة الامنية، كما هناك حاجة ملحة لإدخال المزيد من الطلقات النارية (التي نحضرها من اسرائيل) الخاصة لمكافحة هذه الخنازير البرية من خلال الارتباط العسكري الفلسطيني، إذ اننا طلبنا 100 الف رصاصة خلال الفترات الماضية، غير ان كل ما وصلنا فقط 5 الآف رصاصة(علما ان هذا الرصاص خاص لاصطياد الخنازير، بحيث ان الرصاصة تدخل بشكل لولبي )”.
كما عرّج مدير عام الإدارة العامة للغابات والمراعي والحياة البرية على السموم وفعالتها” السموم والمبيدات ذات الفعالية لمكافحة الخنازير مثل LANNET وSOSTOP وSTRCNEN و METAMOX تمنع اسرائيل إدخالها لأراضي السلطة الفلسطينية منذ العام 2003 بذريعة تأثير هذه المبيدات على المياه الجوفية والتنوع الحيوي والحياة البرية، وبحجج عسكرية إسرائيلية غير معلنة أهمها دخول هذه المبيدات في إعداد وتصنيع مواد متفجرة، وبالتالي فإن وسائل المكافحة المتوفره أثبتت عدم فعاليتها في أغلب المحافظات لا تتجاوز فعاليتها نسبة الـ10%، خاصة مع الغطاء الذي تؤمنه المستوطنات والجدار للخنازير لعيشها قريبا منها، فاصطياد الخنازير غالبا ما يحتاج الى التنسيق مع الاسرائيليين”.
وحول ان كانت الوزارة تمتلك مسوحا شاملة لمساحات الاراضي المتضررة، او تقدير مالي لقيمة الاضرار، او حتى لاعداد الخنازير التقريبية، رد حسام طليب” آفة الخنازير البرية من اخطر الآفات التي بات يعاني منها المزارعين والمواطنين في الاراضي الفلسطينية منذ العام 2002، وخاصة في المناطق الجبلية والوسطى والاغوار، ورغم عدم توفر مسوح تفصيلية شاملة لمساحة او قيمة الاضرار التي تسببت فيها الخنازير البرية للمحاصيل الزراعية، إلا انه يمكننا القول اننا رصدنا ذلك في بعض المناطق، حيث يتكبد القطاع الزراعي في محافظة سلفيت على سبيل المثال، بخسائر تصل ما نسبته 60% من إجمالي منتجات الخضار المكشوفة بسبب اعتداءات الخنازير سنويا، فيما تصل الخسائر في المحاصيل الحقلية إلى ما نسبته 25% سنويا، فيما تتأثر محاصيل البستنة من (لوزيات وتفاحيات) بنسبة 10% ، اضف لذلك تخريب الخنازير البرية للجدران الاستنادية الحجرية (السلاسل الحجرية)، الامر الذي ادى لأن يهجر الكثيرين من المزارعين اراضيهم، ناهيك عما تسببته من اعتداءات متفرقة على بعض المواطنين ومهاجمتهم في كثير من المناطق، من بينها ما حدث في قرية الطيبة في محافظة جنين و قرية بيت ريما في رام الله، والتي تسببت بجروح غائرة وصلت حد 30 سم، بحيث سجلت هذه الحالات وغيرها من قبل وزارة الصحة”.
وقد ختم لسان حسام طليب مدير عام الإدارة العامة للغابات والمراعي والحياة البرية في وزارة الزراعة الفلسطينية، حديثه للسفير بتحميل اسرائيل جزءا كبيرا من مسؤولية في انتشار الخنازير البرية في الاراضي الفلسطينية” هي ظاهرة مفتعلة، إذ لا يخفى على احد نوايا إسرائيل المبيتة من اجل استهداف القطاع الزراعي، وذلك عبر اطلاق وتهريب الخنازير البرية إلى الأراضي الفلسطينية، علما ان جدار الفصل العنصري، فاقم المشكلة بحيث تم ابعاد اعداد كبيرة من الخنازير للأراضي الفلسطينية، ناهيك ان المساحات المفتوحة المحاذية للمستوطنات الاسرائيلية، باتت بيئة مناسبة بالنسبة للخنازير البرية، خاصة وان الحيوانات النافقة تلقى في المياه العادمة المجاورة لتلك المستوطنات، وهي احدى المشاكل التي تواجه مكافحة آفة الخنازير البرية عبر الوسائل الفاعلة”.