الطفلة عائدة ذات السبع سنوات تعاني من التهابات جلدية حادة، أجبرت أهلها على عزلها بعيداً الناس، وفي غرفة مظلمة، بعد أن أخبرهم طبيب قريتهم، الواقعة شرق مديرية تريم، بمحافظة حضرموت، بأن عليهم نقلها إلى مدينة المكلا، عاصمة المحافظة، وعرضها على أخصائي أمراض جلدية بإحدى المستشفيات الخاصة، والذي قد يكلفهم مئات الآلاف من الريالات، بينما أسرتها بالكاد تحصل على قوت يومها.
وبعد أن فقدت أسرتها الأمل في علاجها، وكابدت عائدة ظلام سجنها لثمانية أيام، حتى كادت أن تفقد بصر عينيها الصغيرتان، وسط جهل وغفلة وعجز أهلها؛ سمع والدها خبراً يتداوله أهالي قريته، عن افتتاح المخيم الطبي الخيري الثاني بقرية اللسك القريبة منهم، وبأن مجموعة كبيرة من الاستشاريين والأخصائيين سيكونوا حاضرين!
لم يتسنى لوالد الطفلة عائدة أن يتأكد من وجود استشاري أو أخصائي للأمراض الجلدية، فعاد بيته، وحمل ابنته من سجنها على عجالة، متوجهاً بها إلى المخيم الطبي الخيري، ليصل إلى المخيم وقلبة فاض بالدعاء إلى الله حتى يجد من ينقذ صغيرته مما ابتلاها.
في المخيم أخبره الشباب المتطوعون لتنظيم الوافدين بأن عليه تسجيل ابنته في كشف المعاينة للدكتور ناصر العبد التميمي، استشاري الأمراض الجلدية والتناسلية، وانتظار دوره الذي يأتي بعد 19 حالة، وبعد ساعات من الانتظار، وصل دور عائدة، التي أفترت الالتهابات الجلدية جسمها الصغير، وأضرت ظلمة سجنها بعينيها الصغيرتان، حتى أضحت لا تفهم ما يجري حولها، واستخدمت البكاء كأفضل وسيلة للتعبير عما في داخلها.
باشر الدكتور التميمي فحص عائدة، وسرعان ما شخص حالتها، وأعطها ما يلزم من العلاج والأدوية مجاناً، وأرشد والدها لما يلزم، معاتبه على الطريقة التي تم التعامل بها مع الطفلة المريضة، والتي قد أضر بجزء من بصرها، مما أوجب تدخل أخصائي العيون بالمخيم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بصر عائدة!.
ليست عائدة هي المثال الحي الوحيد على ما يقدمه المخيم من فائدة عمت جميع قرى المناطق الشرقية لمديرية تريم؛ ففي كل يوم من أيام المخيم الأربعة، تسجل مئات الحالات المشابهة، التي كانت تستوجب على أصحابها تكبد عناء السفر، واستنزفت ما لديهم من مال، على أمل الشفاء مما أصابهم مرض، وهو ما جل مؤسسة بن كردوس للتنمية، ورئيس مجلس إدارتها الشيخ عبيد صالح بن كردوس التميمي حريصون على إقامة المخيم الطبي الخيري كل عام، لخدمة أبناء تلك المناطق، وتقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم، عملاً بوصية رجل الخير والإحسان الفقيد الشيخ حسين صالح بن كردوس التميمي، ابن مديرية تريم، الذي يقام فيها المخيم كل عام، بالتزامن مع ذكرى وفاته.
كما أن إدارة المخيم الطبي الخيري أكدت أن المخيم هذا العام يواصل عمله تحت شعار “معاً.. لخدمة المجتمع”، بمشاركة 20 استشاري وأخصائي في مختلف التخصصات الطبية، وموفراً العديد من أجهزة الفحص الحديثة، والأشعة، إضافة لإقامة المحاضرات التوعوية المنتظمة للسكان، والتي تهدف لتعزيز الثقافة والوعي الصحي لديهم، لمواجهة الأمراض والأوبئة التي ظهرت حديثاً خلال الأزمة اليمنية الأخيرة، ومحاولة منع تلك الأمراض من الدخول للمناطق الشرقية لمديرية تريم، والتي يستهدفها المخيم، وذلك عبر التثقيف الصحي، ورفع الوعي البيئي.
يذكر بأن المخيم الطبي الخيري الثاني استهدف خلال اليومين الماضيين عدد 850 حالة.