*هيثم صوان :
يحرص التقرير العربي الموحد ومنذ صدور العدد الأول في عام 1980 على أن يعكس صورة موضوعية وعلمية لأوضاع الاقتصادات العربية لكن من أبرز الملاحظات على التقرير غلبة البيروقراطية على مؤسسات العمل العربي المشترك فـ ” التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2016 ” صدر مع بداية العام 2017 ! و يتناول تحليلاً للتطورات الاقتصادية التي شهدتها الدول العربية خلال عام 2015 ؟!
على العموم حوى التقرير مجموعة من المؤشرات الهامة والتي تصف الواقع العربي دون تجميل و تشير إلى الخلل البنيوي والهيكلي في الاقتصادات العربية ووصل عدد سكان المنطقة العربية 387 مليون نسمة نسبتهم 5.3 في المائة من سكان الكرة الأرضية و يعيشون على مساحة ( 13.3 مليون كم2 ) و 9.6 في المائة من مساحة العالم لكن مجموع صادراتنا العربية لم إلى الصادرات العالمية لم تتجاوز 5.1 في المائة ! ورغم التوصيات التي تخرج بها كل قمة عربية لتعزيز العمل العربي المشترك وتشجيع التجارة البينية إلا أن إجمالي الصادرات العربية البينية ( 108.1 مليار دولار أمريكي ) و نسبتها إلى إجمالي الصادرات العربية لا تتجاوز 13.0 في المائة .
ورغم الثروات الطائلة التي يمتلكها العالم العربي وخاصة القوى العاملة التي تقدر بحوالي 128.5 مليون نسمة لكن معدل البطالة يصل إلى 11.4 في المائة .
و قد أشار التقرير إلى أن إنتاج النفط الخام بلغ 23.7 مليون برميل يومي و نسبته إلى الإنتاج العالمي 30.4 في المائة و وصلت نسبة إنتاج الغاز الطبيعي المسوق إلى الإنتاج العالمي 16.4 في المائة (في عام 2014) لكن الوطن العربي مدين و بلغ حجم الدين العام الخارجي للدول العربية المقترضة 210.1 مليار دولار أمريكي و قيمة خدمة الدين العام الخارجي 16.6 مليار دولار أمريكي و تبلغ نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي 22.6 في المائة ويُعزى ارتفاع المديونية الخارجية العربية إلى لجوء عدة دول عربية إلى الاقتراض الخارجي لتمويل العجز المالي الذي ما زال ضمن مستويات مرتفعة وإلى تغيُّر أسعار صرف العملات الرئيسية المكونة لهذه المديونية مقابل الدولار الأمريكي .
واستشهد التقرير بالدراسات الدولية التي أشارت إلى تدني مستويات قطاع التعليم في الدول العربية مقارنة بالدول النامية الأخرى و أكد أن جميع الدول العربية تحتاج إلى اتخاذ إجراءات فعَّالة لإصلاح أنظمتها التعليمية بما يكفل رفع مستوى تحصيل الطلبة وخاصة في الرياضيات والعلوم والتقنيات الحديثة واعتبر التقرير إنفاق الدول العربية على التعليم مقبولا ووصف أداء الأنظمة التعليمية بالمتواضع وطالب الدول العربية أن تُولي اهتماما أكبر لكفاءة الإنفاق على قطاع التعليم وهو ما يتطلب اهتماماً أكبر بتعظيم العائد الاقتصادي المترتب على تخصيص تلك الموارد المُعتبرة لقطاع التعليم.
وتصل نسبة مساهمة الناتج الزراعي العربي في الناتج المحلي الإجمالي حوالي 5.8 في المائة عام 2015 فقط رغم أن الوطن العربي يمتلك مساحات شاسعة من الآراض الصالحة للزراعة ولكنها متروكة دون استغلال وبحسب إحصاء عام 2014 فقد بلغت نحو 16.5 في المائة من المساحة الزراعية الكلية المستغلة ؟!
ويشير التقرير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي العربي بلغ في العام 2015 حوالي 2429.1 مليار دولار مقارنةً مع 2727.4 مليار دولار عام 2014 متراجعاً بنسبة 10.9 في المائة ويُعزى ذلك إلى الانخفاض الكبير الذي شهدته أسعار النفط العالمية و متوسط نصيب الفرد من االناتج بالأسعار الجارية( 6872 ) دولار أمريكي .
و قد انخفض ناتج الصناعات الاستخراجية العربية من 942.6 مليار دولار عام 2014 إلى حوالي 548.5 مليار دولار عام 2015 بنسبة بلغت 41.8 في المائة وقد أدى هذا التراجع إلى تأثر معظم المؤشرات الاقتصادية العربية وتبرز هذه التطورات خصائص ومشكلات الاقتصاد العربي وغلبة الطابع الريعي على تكوينه وأدائه كما تأثرت أوضاع المالية العامة في الدول العربية و فقدت نصف قيمتها تقريباً خلال عام 2015 و سجلت الموازنة العامة المُجمعة للدول العربية عجزاً بحوالي 238.6 مليار دولار في عام 2015 ما يمثل حوالي 9.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة الدول العربية هذا مقابل فائض بحوالي 41مليار دولار تم تحقيقه في عام 2014 بما نسبته 1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي .
وقد سجل موقف الموازنة العامة المجمعة للدول العربية تحولاً جوهرياً في عام 2015 مقارنة بفوائض استمرت الدول العربية كمجموعة في تحقيقها منذ عام 2010 حيث ارتفع الدين العام القائم (الداخلي والخارجي) في الدول العربية بحوالي 2.5 في المائة ليصل إلى حوالي 636.1 مليار دولار في عام 2015 ، مقارنة بحوالي 620.6 مليار دولار في عام 2014 وبذلك ارتفعت نسبة الدين العام للدول العربية المقترضة إلي الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول لتبلغ حوالي 58.9 في المائة في عام 2015 مقابل 53.9 في المائة في عام 2014 .
كما أن الاسواق المالية العربية لم تكن أسعد حظاً خلال عام 2015 فقد جاء أداءها سلبياً بشكل عام وذلك بالمقارنة مع عام 2014 حيث انخفضت القيمة السوقية للبورصات العربية بأكثر من 138 مليار دولار كما سجلت أحجام التداول تراجعاً ملموساً تجاوزت نسبته 31.0 في المائة وعلى صعيد الاستثمار الاجنبي في البورصات العربية تراجعت قيمة التعاملات الخاصة بالمستثمرين الاجانب بأكثر من 70.0 في المائة .
يعتبر التقرير مرجع للمسؤولين والمحللين لأحوال الاقتصادات العربية ويستحق القراءة المتأنية والخروج برؤيا واضحة للنهوض بالواقع العربي .
*كاتب واعلامي