شهدت الحرب اليمنية فى الأسابيع الماضية تطورات لافتة، لعلٌَ أبرزها تدهور جبهات الحوثى شرق اليمن ليظهر مع تلك الخسائر تصعيد لافت للتهديدات الإقليمية على الملاحة البحرية الدولية، ومؤشرات لا تخطئها العين على دور إيرانى واضح. يبدأ من ملامح التدخل فى دوامة صراع الأجنحة فى صنعاء ولا ينتهى بالتحرك المعلن للخارجية الإيرانية فى دول عدة هذا الأسبوع، الأمر الذى قد يوسع فجوة الخلافات الإقليمية وينزلق نحو صراع قادم أشد ضراوة على ما يبدو. حيث يُلاحظ ان إيقاع الأحداث الجارية فى هذه الزاوية القصية من خريطة العرب الملتهبة، يتصاعد بشكل لافت. ويبقى الدور الإيرانى فى دعم الميليشيات الحوثية التى انقلبت على مؤسسات الحكم فى اليمن ليس خافيا، ولكنه دوما لا يحتل صدارة القلق العربى الواسع ولا صدارة الخوف الدولى العام.
ورغم قرارات الأمم المتحدة التى تدين الانقلاب وضد حركة الحوثى، إلا أن الإشارة إلى الدور الإيرانى بقى خجولا للغاية، ويحكمه تقاطع مصالح عديدة وقصور واضح فى الرؤية.
وخلال السنوات الثلاث الأولى حرصت إيران على دعم الميليشيا الحوثية دون إظهار أى نوع من الإعلان الواضح، بل على العكس من ذلك دوما ما أنكرت فى البدء تورطها بالانقلاب، وهو أمر تغير لاحقا. حيث صار هناك تباهٍ إيرانى فى دعم الانقلاب والسيطرة على صنعاء كرابع عاصمة عربية حسب القيادة الإيرانية بعد بيروت وبغداد و دمشق.
وتجلى أكبر خرق لقواعد القانون الدولى عندما قام نظام طهران بتعيين سفير لدى جماعة متمردة، هو ضابط الحرس الثورى الإيرانى حسن إيرلو الذى وصل إلى صنعاء فى أكتوبر 2020 ، وأثار وصوله لغطا واسعا، واحتجاجا يمنيا وعربيا لدى المنظمة الدولية، دون تجاوب فاعل من مجتمع دولى منشغل عن خطر حقيقى. ومازاد من حدة اللغط خلفية الرجل القادم من الحرس الثورى ، وهو أمر معلن، ففى 25 فبراير 2020، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية، أن حسن إيرلو عضو فى الحرس الثورى الإيرانى ومرتبط بحزب الله اللبنانى. وقالت مورغان أورتاغوش المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فى تغريدة إن النظام الإيرانى قام بتهريب عضو الحرس الثورى الإيرانى المرتبط بحزب الله اللبنانى إلى اليمن تحت غطاء السفير لدى الحوثيين. وغادر الرجل صنعاء بعد عام وشهر واحد فقط من قدومه ولكن على نقالة الموت هذه المرة ليثير رحيله لغطا اشد مما احدثه قدومه وبشكل أكثر غرابة، فقد أُجلى منتصف ديسمبر بطائرة طبية بناء على وساطات إقليمية. ثم فى 21 ديسمبر 2021 أعلنت الخارجية الإيرانية، أن مبعوثها لدى ميليشيات الحوثى اليمنية قد (استشهد).
وذلك بعد عام بقى فيه الرجل بصنعاء حريصا على أن يظهر فيها وسط قيادات الميليشيا كمشرف على سير العمليات وليس كسفير، وهى رسالة إيرانية معلنة لتضع طهران نفسها كجزء من دائرة التحكم فى هذه الحرب المستعرة منذ إعلان الانقلاب في21 سبتمبر 2014، ومع تغيرات المشهد والجغرافيا العسكرية فى الجبهة الشرقية من اليمن خلال الأسبوعين الماضيين، خاصة فى شبوة والتقدم نحو البيضاء ومأرب تحاول أذرع إيران خلط أوراق عدة أبرزها عملية اختطاف السفينة روابى فى الممر المائى الدولى للبحر الأحمر. السفينة الرافعة علم الإمارات العربية المتحدة تحوى معدات مستشفى ميدانى متجه إلى السعودية، وأعلن الحوثى أنها غنيمة حرب.
واللافت فى الأمر أن كل تفاصيل العملية من استعداد بحرى ورصد وملاحقة احتاج إمكانات عالية لقوات بحرية ليست فى مقدرة ميليشيا الحوثى، بقدر ماهى رسالة إيرانية أخرى لضرب عصافير مختلفة على شجرة الحرب اليابسة فى اليمن الأخضر !، حيث تريد إيران تسخين الجليد المحاصر لها فى محادثات فيينا بشأن الملف النووى من جهة، وتقول للعالم هناك إن بعض هذا الجليد الأوروبى يمكن أن يذوب بسبب سحب البركان اليمنى، ومن جهة تذكر دول المنطقة أن هذا الممر الدولى يمكن تهديده من الحرس الثورى الإيرانى، ولكن تحت العمامة اليمنية هذه المرة، ومن جهة ثالثة تخفف من فرح اليمنيين فى انتصارات عمالقتهم فى شبوة شرق اليمن، وتذكر الجميع أن ميليشيات الجبال صارت لديها قوات بحرية! وهو إعلان للتباهى أكثر منه صورة لواقع متداع.
والمتابع للإعلام الإيرانى عقب موت أو مقتل حسن ايرلو يجد هذا الخطاب والتأكيد على أنها تسيطر على القرار الحوثى، وحسب خطاب لرضا قاسميان نائب محافظة أردبيل فى مراسم دفن حسن ايرلو يقول إن الأذرع التى أنشأتها إيران فى لبنان واليمن وسوريا هى لمنع الاعتداء على إيران. وهناك من يطرح حول مخطط رفع عدد الخبراء والمقاتلين التابعين لإيران وحزب الله فى اليمن، الذى يراد نقلهم من سوريا مثلا إلى اليمن لإنقاذ تدهور جبهات ميليشيا الحوثى.
كل ذلك بقدر ما يبرز خطورة الوضع الذى ينتظر الأمن الإقليمى قبل الداخل اليمنى، بقدر ما يظهر تدهور الخطاب الإيرانى، الذى كانت أبرز سمات قوته بقاء تدخله الناعم، واللعب على شعار المقاومة، وكسب كل الأطراف وتفعيل القوى الناعمة وليس الاصطفاف الطائفى الفج الذى يبقى مرفوضا بالجملة فى الساحة العربية عموما، والساحة اليمنية على وجه الخصوص.
وأمام هذه التطورات المتسارعة ليس أمام اليمنيين غير إعادة ترتيب أوراق المواجهة لتعود القضية اليمنية إلى مسار انتصارها الذى يجب أن ينتهى بعودة الدولة وبسلام يحفظ اليمن واستقراره، كون ذلك هو الضامن الوحيد لاستقرار المنطقة كلها. وليس أمام العالم إلا تحمل مسئولياته القانونية والأخلاقية تجاه اليمن فى تنفيذ القرارات الدولية وإنهاء ازدواجية المواقف، حتى ينتهى التشظى الذى صار يهدد الأمن الإقليمى والدولى وليس اليمن فقط.
الكاتب سفير اليمن في المملكه المغربيه
نقلا عن جريده الاهرام المصريه