منذ نحو عامين ونصف، وتحديدًا منذ سيطرة مليشيا صالح والحوثيين الانقلابية على العاصمة صنعاء، ومؤسسات الدولة في سبتمبر 2014، وسعار الحرب التي جنْ جنونها في هذه الزاوية المنسية من الكرة الأرضية.
انهالت خلال هذه الفترة على البلاد جملة من الكوارث والدمار والأوبئة على رأسها وباء الكوليرا، وبالتالي جعلت حرب المليشيا المواطن اليمني في مواجهة القتل والمرض والجوع وجهًا لوجه.
وفي الوقت الذي تعب فيه اليمنيون من حمل آمالهم طويلًا في انفراج الوضع، تصر القوى الانقلابية على المقامرة بمستقبل البلاد، من خلال ادعاء صمود مبتذل اضحى محطًا للسخرية، محولة البلاد، إلى فريسة للحرب وفرصة لثرائها، دون الاكتراث للوطن الضحية الذي شتت مطامع هذه المليشيا شمله في كل اتجاه.
وإذ تحاول المليشيا جاهدة ممارسة لعبة التماهي مع الموت البطيء وتسويق لعبة «الصواريخ البالستية»، لكي يظل الرأي العام مخدرًا بالنصر الوهمي، والاسترخاء حد الغرق في هذا التوازن الحربي الهزيل والوهمي، تتجاهل انهيار الأوضاع من كل النواحي.
ولا أدل على هذه الانهيارات المتواصلة منذ سيطرة الانقلابيين على صنعاء، من التردي الاقتصادي، الذي وصل بسبب عبث مليشيا الانقلاب، حد توقيف رواتب موظفي الدولة منذ زهاء العام، في واقعة ربما لم تشهدها دولة على مدى التأريخ القديم والحديث.
وفيما بات الاقتصاد اليمني هو الخاسر الأكبر من هذه الحرب فقد انعكس التردي الاقتصادي في أزمة السيولة والعجز عن دفع الأجور، وتوقف التحويلات المصرفية إلى الخارج وظهور مؤشرات المجاعة وانعدام الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين كالكهرباء والمياه والتعليم والصحة، بالإضافة إلى تراجع حركة الملاحة البحرية والجوية.
في المقابل ارتفعت نسبة البطالة وتفاقم انعدام الأمن الغذائي.
ويشهد اليمن أزمة إنسانية حادة، فنحو (20) مليون شخص في حاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة، بحسب تقارير منظمات الأمم المتحدة.
كما عطلت الحرب مظاهر الحياة في المدن اليمنية، وقذفت بملايين اليمنيين إلى قاع الفقر، وسحقت الطبقة المتوسطة وشردت نحو ثلاثة ملايين يمني، وتوقفت الأعمال ومصادر الدخل وسكتت أصوات الآلات في المصانع مقابل ارتفاع أصوات الرصاص وازدهار تجارة السوق السوداء.
كما أفضت الحرب إلى توقف الإيرادات النفطية والرسوم الجمركية والضريبية، ما وضع المالية العامة والقطاع الحكومي للدولة الفقيرة أصلًا، على حافة الانهيار، وتراجعت الاحتياطيات الخارجية من 4.7 مليارات دولار في ديسمبر 2014 إلى 987 مليون دولار (شاملة ودائع البنوك) في سبتمبر 2016.
ووفقا لأحدث تقرير صادر عن البنك الدولي فأن عدد الفقراء في اليمن زاد من 12 مليونا قبل الحرب إلى أكثر من 20 مليونًا مع بداية عام 2016، فيما اصبح نحو 21 مليون يمني يعشون حاليا تحت خط الفقر، وأن نحو80% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بحسب الإحصاءات الأخيرة الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وفيما تعاني آلاف الأسر اليمنية وضعًا معيشيًا صعبًا، جراء توقف صرف الرواتب، خصوصًا في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، عمل الانقلابيون على تدمير كل ما يمت إلى الاقتصاد من خلال انشاء السوق السوداء، ما آدى إلى انهيار أغلب المؤسسات الاقتصادية للدولة.
كما أدى استنزاف الحوثيين موارد البلاد وتسخيرها للمجهود الحربي، إلى تهاوي احتياطي النقد الأجنبي إلى 987 مليون دولار (شاملة ودائع البنوك) في سبتمبر الماضي مقابل 4.7 مليارات دولار في ديسمبر 2014.
بحيث بات بإمكانهم تمويل كافة أنشطتهم من خلال هذه السوق التي تدر عليهم أرباحًا طائلة خاصة بعد قرار سحب البنك المركزي من تحت سيطرتهم.
بالإضافة الى ممارسات الجبايات والإتاوات والضرائب المضاعفة غير القانونية وابتزاز التجار من خلال عرقلة أعمالهم كما يحدث لتجار الوقود من خارج الجماعة، الذين يتم احتجاز سفنهم، ولا يتم الإفراج عنها إلا بمقابل مادي كبير يصل إلى ملايين الريالات.
وكان الريال اليمني سجل منذ يناير الماضي، تراجعًا تاريخيًا وصل إلى 370 ريالًا للدولار الواحد في العاصمة صنعاء 365 ريالًا للدولار في العاصمة المؤقتة عدن، بالمقارنة مع سعر الصرف الرسمي والذي يبلغ 250 ريالًا للدولار.
وكانت الحكومة اليمنية اكدت غير مرة أنها تعمل على وقف انهيار العملة المحلية من خلال إجراءات مؤقتة بالتنسيق مع الصرافين والتعهد بضخ عملة صعبة للسوق، إلى جانب مساع خارجية تتمثل في طلب ودائع نقدية من دول الخليج وعلى رأسها السعودية لتعزيز موقف احتياطي النقد الأجنبي.
لكن الحكومة اليمنية أكدت أنها لا يمكن لها مواجهة الانهيار الاقتصادي والمالي في ظل الحرب ومعالجة الأزمات المعيشية بدون استئناف المانحين دعمهم واستكمال تنفيذ المشاريع المتوقفة في المناطق المستقرة أمنياً ، وطلبت الحكومة، في منتصف أكتوبر الأول 2016، من السعودية ودول التحالف تقديم دعم مباشر في شكل منح مالية بعد نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى العاصمة المؤقتة عدن
وأعلن الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، في الـ19 من فبراير الفائت، عن موافقة الحكومة السعودية على وضع ملياري دولار وديعة نقدية في البنك المركزي اليمني لدعم العملة المحلية، ولاحقًا أعلن عن استعداد السعودية تقديم مبلغ 8 مليارات دولار لدعم خطة الاعمار، لكن مرت 5 أشهر ولا جديد.