سبتمبر نت
اللواء الركن محمد أحمد الحبيشي، قائد المنطقة العسكرية الثالثة، قائد عسكري مقتدر، تقلد العديد من المناصب العسكرية القيادية منذ بداية مراحل حياته العملية وحتى الآن.
كما اتسم أداؤه القيادي بالكفاءة التامة والاحترافية العالية، والعمل الدؤوب المثمر، وهو ما جعل القيادة السياسية ممثلة بفخامة رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي تمنحه الثقة الكاملة بقيادة المنطقة العسكرية الثالثة في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها البلاد، والمهام الكبيرة التي يجب أن يضطلع بها قائد المنطقة الثالثة.
اللواء الحبيشي شهد منعطفات عدة مرت بها البلاد ،وكان شاهدا على أحداثها، معاصرا لوقائعها، مشاركا فاعلا في انتقالاتها، ما أكسبه خبرة واسعة في قراءة الأحداث، وبناء المؤشرات الموضوعية لإدراك مساراتها وتأثيراتها على المستوى القريب والمتوسط والبعيد.
في الذكرى ال57لثورة ال26من سبتمبر المجيدة التقت صحيفة 26 سبتمبر باللواء الركن محمد أحمد الحبيشي، للحديث معه حول أحداث الثورة ووقائعها وتجلياتها ودلالات أهدافها ومحاولات الانقضاض عليها ودور الجيش الوطني في حماية مكتسباتها وصون قيمها ومبادئها، وحول مشروع الإمامة وعودتها مجددا بعد إزاحتها من السلطة من قبل الثوار الأحرار.
ما دور الجيش الوطني في حماية مكتسبات الثورة اليمنية 26 سبتمبر؟
للجيش الوطني دور بارز ومهم في ذلك، وهو يقوم بواجبه في مواجهة ميلشيا الحوثي المتمردة المدعومة من إيران في كل ربوع الوطن باستبسال تام وروح معنوية منقطعة النظير وإرادة قوية لا تلين للصعاب والعقبات والأزمات والمؤامرات وقساوة الظروف والبيئات، ينتشر الجيش الوطني من الساحل الغربي إلى آخر نقطة في حضرموت، إلى منفذ الوديعة، كما هو متواجد في الجبهات المشتعلة بمحافظة الجوف، التي تبعد من منفذ الوديعة عشرة كيلو مترات، وهو يقوم بواجباته على أكمل وجه في مقارعة الانقلابيين الاماميين الرجعيين، الذين ظهروا مجددا بالنسخة الامامية الكهنوتية القديمة التي تحاول جاهدة وبكل الطرق والأساليب استعادة الملكية الرجعية البائدة وتدمير مؤسسات الدولة ونظامها وكل مظاهرها ومنع بناء الدولة الاتحادية الجديدة التي توافق عليها كل اليمنيين بمختلف تشكيلاتهم في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، في مخالفة واضحة وتحد صارخ لإرادة وإجماع اليمنيين .
هل يعني أنهم يسعون إلى استعادة مشروعهم الرجعي الكهنوتي؟
هؤلاء الانقلابيون ليسوا امتدادا للإمامة الكهنوتية وحسب، بل زادوا عليها بشاعة وغلوا وتطرفا وإجراما، فقد بالغوا في التحول الفكري والثقافي الطائفي العنصري، وسعوا إلى طمس الهوية اليمنية، من خلال إضعاف التعليم العام، واستبداله بتلقين مناهج طائفية أسهمت في تمزيق النسيج الاجتماعي، ونشرت ثقافة العنف والكراهية والاقتتال، وعملوا على تجريف التاريخ وطمس المعالم الثقافية والحضارية اليمنية الخالدة، وقاموا بملشنة الوظيفة العامة، واستقدام ثقافات دخيلة لا تتسق مع ثقافة المجتمع اليمني، وغيرها من الممارسات السيئة وغير المقبولة.
ما الذي تحقق من أهداف ثورة سبتمبر؟ وما الذي لم يتحقق منها؟ وما الأسباب؟
تحققت أشياء كثيرة من أهداف ومكتسبات ثورة 26سبتمبر، وبدأ النظام الجمهوري يصنع مرحلة جديدة ومضيئة من مراحل تاريخ اليمن الحديث، لكن الخلايا الإمامية كانت تنخر في العظم داخل الثوار ابتداء من صلح حرض وتقاسم السلطة بين الإمامة والجمهوريين، حينها كان غالبية الجمهوريين لا يمتلكون الوعي السياسي الكامل ولا الثقافة والتعليم الكافيين لإدارة المشهد بجدارة وكشف مخططات الإماميين وألاعيبهم، في حين كان الإماميون متعلمين ويمتلكون دهاء ومكرا سياسيا كبيرا بحكم امتلاكهم لأدوات السلطة والنفوذ قبل اندلاع الثورة وسقوط الإمامة، وهو ما مكن الاماميون من استغلال الوضع لإعادة التموضع ووضع المخططات الرامية إلى شق الصف الجمهوري والانقلاب عليه بطريقة ناعمة لا يدركها الجمهوريون.
ومن أمثال ذلك أحمد الشامي الذي كان وزيرا للخارجية الملكية، وتحول بعدها وزيرا لخارجية الجمهورية، لعب الشامي دورا كبيرا في نخر مفاصل الدولة، واستطاع أن يتوغل في كل مفاصلها من خلال زرع أبناء سلالته وعملائهم وأدواتهم في المواقع المفصلية التابعة للدولة وتسخير كل مقدرات الدولة وإمكانياتها لصالح مشروع القضاء على الجمهورية، وحدث كل هذا في الوقت الذي كان فيه الجمهوريون قادة ووزراء وأصحاب قرار لكنهم لم يدركوا ما الذي يدور حولهم، وهذه الكبوة التي نعيشها اليوم بكل تأثيراتها وثقلها، هي كبوة خيانة في مواقع القرار بالسلطة السابقة، فقد مورست الأخطاء الإدارية من كل الأطراف، وبالتالي الأخطاء والاختلالات كانت موجودة، وبإمكاننا تجاوزها، فالشعب اليمني العظيم لن يقبل بفرض مشاريع صغيرة واستئثار فئة دون غيرها بالحكم والسلطة والاستئثار بمقدرات وموارد الدولة، ولا تظن أن فئة معينة قادرة، حكم البلد بأكمله، من صعدة إلى حضرموت ومن الحديدة إلى تعز . الشعب اليمني مع الوحدة والتغيير ومع شرعية السلطة وهو الحامي للمكتسبات الوطنية، مهما كاد المغرضون الذين لا يعون قيمة شرعية السلطة المتمثلة برئيس الجمهورية وحكومته المشير عبدربه منصور هادي، ومن يظن أنه قادر على التخلص منها ببساطة ويسر فهو واهم وغير مدرك تماما لتاريخ اليمن وحاضره، فالدولة هي من ستبقى للأبد ومن سيلتف الناس حولها لضمان أمنهم واستقرارهم وصون كرامتهم وممتلكاتهم وتحقيق آمالهم وطموحاتهم، والمشاريع الصغيرة مصيرها الزوال مهما كانت صولتها وجولتها ولن يتم مطلقاً الانقاض على سلطة الدولة واستعاضتها بمشاريع كهنوتية تخدم فئة معينة وتستعبد بقية الشعب.
من جانب آخر نحن بحاجة لوقت أطول وجهد كبير وجبار لإحداث التغيير، لأن ركام الامامة ومخلفاتها كثيرة ومعقدة ومتشعبة، وكما ترى فإننا لا نزال نعيش المعركة نفسها بعد مضي 57عاما من ثورة 26 سبتمبر المجيدة، محاولين تغيير الركام الهائل من الظلم والظلام والجهل الذي خيم على اليمنيين نتيجة الإمامة وأدواتها المتعددة المتخفية بأقنعة مختلفة لإبقاء الوضع في صالح الإمامة، لذلك يجب أن تكون معركتنا معهم شاملة، تتعدى الجانب العسكري والسياسي إلى الجوانب الثقافية والفكرية والعلمية والإدارية والدبلوماسية وغيرها، حتى تتحقق أهداف الثورة السبتمبرية، وحتى نجني ثمار التغيير، دون أن تكون هناك ثغرة ينفذ منها الإماميون لتقويض النظام الجمهوري مجددا.
ما يحدث الآن استكمال لتحقيق أهداف وصون مكتسبات ثورة سبتمبر.. كيف ترى ذلك ؟
نعم بالفعل ما يحدث الآن هو استكمال لثورة 26 سبتمبر واجتثاث للفكر والفعل الخفي لأدوات الكهنوت والذي كان غير ظاهر على السطح، لأن الناس فهموا واستوعبوا الدرس من خلال الأحداث التي مرت من انقلاب 21 سبتمبر 2014 وأصبحوا واعين ومدركين تماما لما كان يجري في الخفاء، وبإذن الله سيتم اجتثاث هذا الفكر من جذوره طال الزمن أو قصر، فقد كانت سبتمبر ثورة كبرى حقيقية, وهي أساس لدولة النظام والقانون, وبما أن القانون والنظام فوق الجميع, فمن خلالهما سيجتمع كل أطياف الشعب, ويلم شعثه ويجمع شمل، ويوضع البلسم على الجروح العميقة, ويتم معالجة جذور المشكلات القديمة الجديدة، فإلى ما قبل ثورة 26سبتمبر كان البلد يعيش موتا كبيرا، وهو الآن يناضل من أجل استعادة الحياة الكريمة الآمنة، وتظل المعركة مستمرة، معركة البلد وثورة 26 سبتمبر لا زالت مستمرة حتى الآن كون الركام هائلاً جداً، والتركة ثقيلة، والمشكلات معقدة ومتداخلة، وسيظل الشعب اليمني العظيم سندا للجيش ولقيادته السياسية في استعادة الدولة، والقضاء على الكهنوت والرجعية، نظرا لما عاناه ويعانيه من آلام وويلات تسببت بها الامامة ومخلفاتها.
نصف قرن مر على ثورة سبتمبر إلا أن الجميع اكتشف أن الإمامة وافكارها المتخلفة والرجعية لاتزال راسبة عند البعض، ما الذي حدث؟
ما حدث هو سيطرة الإمامة على مراكز القرار والنفوذ في الدولة كما أشرنا إلى ذلك سابقا، والجميع يدرك أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح كانت بطانته تتمثل في طاقم إمامي هم من يقومون بإدارة شئون الدولة بشكل خفي ولا يتصدرون المشهد، وذلك واضح للجميع والدليل على ذلك ما فعلوه بصالح في نهاية المطاف وهو الذي رباهم وأوجدهم وأبرزهم بعد أن كانوا لا يمثلون شيئا ولا قيمة لهم، وأتاح لهم الكثير من الفرص وأوجدهم في مواقع النفوذ، ووضعهم في كافة المناصب القيادية، إلى درجة استحواذهم وسيطرتهم على أهم أجهزة الدولة وأكثرها حساسية وأهمية بما في ذلك جهاز الأمن القومي و جهاز الأمن السياسي ومفاصل الدولة المرتبطة بالجوانب المالية.
ولأجل ذلك تأكد للجميع أنهم لم يدخلوا صنعاء بحرب ولا بقوة ولا بمواجهة، لكنهم أسقطوها من الداخل، وأخرجوا كل معداتهم وآلياتهم ومؤنهم من المخازن والبيوت والإدارات من داخل مدينة صنعاء، وفي عشية وضحاها يسيطرون على كل إدارات الدولة ووزاراتها بجميع مؤسساتها وحتى المؤسسات الخاصة والقطاع الخاص، كما هو الحال في شركة التبغ والكبريت الشركة الوطنية العملاقة الرافدة للاقتصاد الوطني، تم تحويلها إلى قطاع خاص تسيطر عليه هذه الفئة خلال الفترة التي سبقت الانقلاب لأنهم ظلوا ينخرون في هذه المفاصل في الخفاء والتي يرونها ستسهم في رفد مشاريعهم ماليا، وقد أدرك البعض ذلك في حينها لكنهم لا يجرأون على الكلام أو تصحيح المسار، لأن مصدر القرار بيد أشخاص مطوقين على الرئيس السابق هم من يصنعون القرار ويديرون كافة الشئون ويتحكمون بالأمور، حتى أن المقربين من الرئيس السابق ومناصريه ومستشاريه لم يكن بمقدورهم تجاوز هذا الطوق.
كيف للشعب وللجيش الوطني أن يتعامل مع هذه الظاهرة الإمامية المتطرفة؟
من خلال الأحداث التي مرت وتمر أو ستأتي مستقبلا يتم التعامل وفقا للوقائع والأحداث ،و يجب أن يتم التعامل وفقا لقاعدة لكل حدث حديث، وعلى الجميع دون استثناء ومن مواقعهم وفقا لقدراتهم وإمكانياتهم واختصاصاتهم أن يتعاملوا مع كل حدث يطرأ، فالكل مسئول والمسألة تكاملية وعلى الجميع إدراك ما يدور حولهم والاستيعاب لكل ما يعتمل في السر وفي العلن، حتى يتمكنوا من تأدية أدوارهم ومسئولياتهم بكل كفاءة واقتدار، وبما يتناسب مع طبيعة الحدث وحيثياته حتى يحدثوا تأثيرا واسعا وحقيقيا وملموسا في نصرة قضاياهم الوطنية ومعالجة مشكلاتهم الجمعية.
بعد 57 عاماً من مرور الثورة اليمنية الأم.. كيف ترى وعي جيل اليوم بأهداف تلك الثورة؟
الجيل الآن استوعب الدرس، لكن بالمقابل سنعاني لسنين مما يحصل للأطفال وأبناء المدارس في المحافظات المكتظة بالسكان في صنعاء وعمران وإب وذمار والحديدة وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا، هؤلاء إلى الآن يتعرضون لعملية غسيل أدمغة من خلال بث أفكارهم ومعتقداتهم الطائفية العقائدية التحريضية، وهذه القنبلة الموقتة سنعاني منها لسنين، ولابد من وعي مجتمعي وفكري وثقافي للخروج من هذه المشكلة، وهو ما يتطلب جهود ا جبارة لمحو هذا الغسيل الذي أحدثته ميلشيا الحوثي الانقلابية الإمامية الرجعية.
كيف ترون التالي من مستقبل البلد؟
القادم لن يكون أسوأ من الماضي، ففي صنعاء سلطة مارقة لا معنى لها، فالسيطرة السلالية على مقدرات البلد من الضرائب والجمارك والموارد المختلفة والوظائف العامة، ومصادرة الحريات الشخصية والاجتماعية والتجارية والاعلامية ستكون السبب الأكبر لزوالهم، لأنها جوانب متعلقة بحياة الناس وسبل عيشهم الأساسي، وسيأتي النصر والخلاص طال الزمن أو قصر.