ما نشهده حاليًا في صنعاء هو الفصل ما قبل الأخير من عملية إنفضاض التحالف الذي قام في مرحلة معيّنة بين الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح من جهة والحوثيين “أنصار الله” من جهة أخرى.
كيف سيكون الفصل الأخير الذي بدأت ترتسم معالمه في الرابع والعشرين من أغسطس الماضي؟!
يومذاك منع الحوثيون تحت التهديد، علي عبدالله صالح من القاء الكلمة التي كان يريد إلقاءها في المهرجان الذي أقامه “المؤتمر الشعبي العام” في ميدان السبعين في صنعاء.
كان لا بدّ من وساطة خارجية كي يسمح “أنصار الله” للرئيس السابق الذي أراد الإحتفال بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس حزبه.. بالكلام.
إقتصر كلامه على خطاب قصير.. لا طعم له ولا لون.. خضع نصّه للرقابة الحوثية المسبقة.
إنصرف بعد ذلك الرئيس السابق إلى منزله.. فيما إنصرف الجمهور، كلّ من حيث أتى.. خصوصاً إلى المناطق المحيطة بصنعاء التي يردّد معظم وجهائها عبارة “نخزّن مع علي عبدالله صالح ونقاتل مع الحوثي”. أي أنّهم يشاركون الرئيس السابق في جلسة القات.. وهذا ما يسمّى “التخزين”.. فيما يقفون مع الحوثي ويقاتلون معه عندما يأتي وقت الجدّ.
يختزل المشهد الحالي مقطع من رسالة لصالح الصمّاد رئيس المجلس السياسي الأعلى الذي قام بين “أنصار الله” و”المؤتمر” في مرحلة ما بعد إستيلاء “أنصار الله” على العاصمة في الواحد والعشرين من سبتمبر 2014.
يسأل الصمّاد جماعة “المؤتمر الشعبي العام” الذين هددوا بفض الشراكة بين الجانبين: “أي شراكة صورية تتحدثون عنها وأنتم المعطلون لدور المجلس السياسي الأعلى والحكومة. نحن أيضا لا يشرفنا البقاء في مسؤولية صورية تعجز عن إصلاح أبسط الإصلاحات”.
لا يكشف ما ورد على لسان الصمّاد مباشراً ورغبة في الإنتهاء من التحالف القائم فحسب.. بل يكشف أيضا جهلا باللغة العربية وبماذا تعني الكلمات. ماذا تعني عبارة “أصلاح أبسط الإصلاحات”؟
في كلّ الأحوال تظهر رسالة الصمّاد التي جاءت ردّاً على رسالة صادرة عن عارف الزوكا الأمين العام لحزب “المؤتمر” رغبة في الإستيلاء على كلّ مؤسسات الدولة. يكفي للتأكد من ذلك شكوى المسؤول الحوثي من عدم إستيعاب عناصر “اللجان الشعبية” في المؤسسات الحكومية ووزارات الدولة “مكافأة” على ما قامت به هذه العناصر “من حماية لمؤسسات الدولة”.
أين توجد دولة في العالم تستوعب فيها المؤسسات الرسمية والوزارات عناصر تنتمي إلى ميليشيا مذهبية بديلا من العناصر التي تتمتع بكفاءات معيّنة وإختصاصات في ميادين محدّدة ترفع من مستوى الدولة ومؤسساتها وتساعد في تحسين أداء الحكومة والقطاع العام. ما يريده الحوثيون من دمج للميليشيا التابعة لهم بالدولة القضاء نهائيا على ما بقي من مؤسسات في اليمن لا أكثر.
ما فشل الإخوان المسلمون في تحقيقه في العام 2011 أي الإنتهاء من علي عبدالله صالح.. سينجح فيه الحوثيون الذين لديهم حساب قديم يريدون تصفيته مع الرجل الذي كان وراء وجودهم.. بل أنّه من إرتكبهم في مرحلة البحث عن توازنات جديدة في البلد نتيجة إنهيار الحزب الإشتراكي بعد حرب الإنفصال صيف العام 1994.
كان علي عبدالله صالح وراء توجيه الحوثيين نحو إيران وربطها بهم على كلّ الصعد بما في ذلك المجال المذهبي… إلى أن إكتشف في العام 2003 أنّهم صاروا في حضنها.
حدث ذلك عندما أطلقوا “الصيحة” في وجهه.. بعد صلاة الجمعة في المسجد الرئيسي في صعدة وقف شاب وصاح :”الموت لامريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام”.
أدرك الرئيس اليمني الذي كان في عزّ جبروته في تلك المرحلة.. خصوصا بعد توقيعه إتفاق ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية أن من كانوا يسمّون “الشباب المؤمن”.. المعبئين لمواجهة تمدّد الإخوان المسلمين ومدارسهم في الشمال اليمني، لم يعودوا في جيبه.
منذ ذلك اليوم من العام 2003 لم يتوقفّ الصراع بين علي عبدالله صالح والحوثيين الذين صاروا “أنصار الله” بعدما كانوا “الشباب المؤمن”. خلافا لكلّ ما قيل ويقال عن إمتلاك الحوثيين مشروعا سياسياً أو ما شابه ذلك..يشير الواقع إلى أنّهم ليسوا سوى أداة إيرانية ولا شيء آخر.. إضافة إلى ذلك لديهم إرتباط وثيق جدّاً مع “حزب الله” في لبنان. والحزب ليس في نهاية المطاف سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.
في الواقع ليس ما يدور حالياً في صنعاء سوى تتمة لأحداث 2011 حين سعى الإخوان المسلمون ممثلين بحزب “التجمّع اليمني للإصلاح” إلى التخلّص من علي عبدالله صالح والحلول مكانه. لم يدركوا معنى إستغلال “الربيع العربي” وخطف ثورة شباب يمني صادق كان يبحث فعلا عن التغيير وقتذاك.
ما لم يدركه الإخوان المسلمون على وجه الخصوص أن نقل الصراع إلى داخل أسوار صنعاء سيكون على حسابهم وأن المستفيد منه في المدى الطويل هو الحوثيون الذين تحركّهم السياسة الايرانية.
حصل ما حصل وقام التحالف بين عبد الملك الحوثي وعلي عبدالله صالح. ولد هذا التحالف ميتاً. أراد الرئيس السابق إستخدام أسلوب المناورة الذي سمح له بأن يحكم اليمن من العام 1978 الى العام 2011.
لم يكن الإنقضاض التدريجي لجماعة “أنصار الله” على الرئيس علي عبدالله صالح مفاجأة سوى للذين لا يعرفون شيئاً عن الدهاء الإيراني. في مرحلة معيّنة.. هادن الحوثيون الرئيس الإنتقالي عبد ربّه منصور هادي الذي أعاد هيكلة الجيش بعد توليه السلطة في الربع الاوّل من العام 2012. لم يتصدّ الجيش اليمني لجماعة “انصار الله” عندما إجتاحوا محافظة عمران معقل آل الأحمر زعماء حاشد.
دفع عبد ربّه ثمنا باهظا لهذا الخطأ الذي ينمّ عن جهل بالسياسة واليمن واليمنيين اكثر من أيّ شيء آخر. لم يصل الحوثيون إلى صنعاء، إلّا بعدما فتحت لهم المعسكرات المحيطة بها أبواب العاصمة على مصراعيها في الواحد والعشرين من سبتمبر 2014.
يسيطر الحوثيون الآن على كلّ هذه المعسكرات التي كان قسم منها مواليًا للرئيس علي عبدالله صالح. كان آخر هذه المعسكرات معسكر الضبوة الذي يشرف على سنحان وهي مسقط رأس علي عبدالله صالح.