ليس الهجوم الذي شنّه الحوثيون (انصار الله) على وزارة الخارجية اليمنية، في صنعاء، قبل أيّام وسيطرتهم على الوزارة وما فيها سوى دليل آخر على الرغبة في الانتهاء من الحلف القديم – الجديد القائم بينهم من جهة، والرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزب “المؤتمر الشعبي العام” من جهة اخرى.
انتهى التحالف عمليا، قبل نحو شهر ونصف شهر تقريبا، في أواخر آب – أغسطس الماضي، بعدما ادّى الغرض المطلوب منه وصار علي عبدالله صالح في وضع الرهينة لدى الحوثيين الذين استفاقوا على حسابات قديمة يريدون تصفيتها معه. يحصل ذلك على الرغم من واقع يتمثّل في انّ علي عبدالله صالح هو الشخص الذي لعب دورا أساسيا في وجودهم كحركة سياسية، عبر تنظيم “الشباب المؤمن” بداية.
يعتبر “انصار الله” ان لا شريك لهم في السلطة، حتّى في سلطة انقلابية اقاموها بعد اجتياحهم صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. يرون ان من واجبهم استكمال ما بدأوه في تموز – يوليو 2014 عندما اجتاحوا محافظة عمران وطردوا زعماء حاشد، أي آل الاحمر، منها. انتقلوا بعد ذلك الى تدمير اللواء 310 الذي كان يحمي صنعاء وقتل قائده العميد حميد القشيبي، المحسوب على الاخوان المسلمين، والى وضع اليد على العاصمة من دون مقاومة تذكر. فعلوا ذلك بعدما اطمأنوا الى انّ الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي لن يتصدّى لهم، بل سيعقد معهم اتفاقا سمّي “اتفاق السلم والشراكة”. كما كان متوقّعا نكث “انصار الله” بالاتفاق الموقّع برعاية الامم المتحدة. كان ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن، وقتذاك، جمال بنعمر. لم يستطع بنعمر القيام باي خطوة من أي نوع لمنع الحوثيين من احتجاز الرئيس الانتقالي الذي استطاع لاحقا الفرار من صنعاء والانتقال الى عدن ثمّ الى خارج اليمن في شباط – فبراير من العام 2015.
بعد ثلاث سنوات على وضع الحوثيين يدهم على صنعاء وانهائهم الشراكة مع علي عبدالله صالح، ثمّة سؤال يطرح نفسه بإلحاح. ماذا يريد “انصار الله”؟ هل يندرج ما يقومون به في سياق رغبتهم في إقامة منطقة تابعة لهم عاصمتها صنعاء وتضمّ بضع محافظات يمنية تقع في الشمال؟ ام انّهم يعدون نفسهم للتفاوض في وقت ظهرت بوادر تشير الى ان هناك حلولا ترتسم في الأفق بغطاء أميركي – روسي؟
ما لا خلاف في شأنه ان الحوثيين يرفضون، من منطلق انّهم ورقة إيرانية، ان يكون علي عبدالله صالح شريكا لهم، لا في الحرب ولا في السلم ولا في حال اللاحرب واللاسلم السائدة حاليا والتي تشهد جمودا على الجبهات.
ثمّة إشارات الى انّ “انصار الله”، مثلهم مثل “حزب الله” في لبنان يريدون اثبات ان ايران تمتلك أوراقا في المنطقة وانّ هذه الاوراق صالحة للاستخدام في حال ممارسة أيّ ضغوط على ايران في المستقبل.
جاء استكمال وضع “انصار الله” يدهم على صنعاء وتضييق الخناق اكثر على علي عبدالله صالح في وقت تبدو إدارة دونالد ترامب على قاب قوسين من اتخاذ موقف من موقف من الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني. ما ينطبق على الحوثيين ينطبق أيضا على “حزب الله” الذي اختار الأمين العام فيه السيّد حسن نصرالله استباق الموقف الاميركي من ايران بخطاب ناري تضمّن كلّ أنواع التهديدات لواشنطن شاملا المملكة العربية السعودية التي لم يعد سرّا اتخاذها موقفا واضحا لا لبس فيه من المشروع التوسّعي الايراني. ليس التضييق على علي عبدالله صالح نقطة قوّة لدى الحوثيين بمقدار ما انّه دليل على حال من الضعف. تعود حال الضعف اساسا أساسا الى عدم امتلاكهم ايّ مشروع سياسي او اقتصادي او حضاري باستثناء انّهم قادرون على تجنيد الأطفال ورجال القبائل في خدمة عملية تدمير منظمة لصنعاء والمناطق المحيطة بها وما بقي من مؤسسات الدولة اليمنية ومنع أي حلّ سياسي يخرج البلد الفقير من ازمته.
عندما سيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية، قبل نحو ثلاث سنوات، لم يتردّد المسؤولون الايرانيون في الإعلان بكلّ صراحة ووقاحة، ليس بعدها وقاحة، ان “الجمهورية الإسلامية” باتت تسيطر على اربع عواصم عربية هي دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء.
لم يعد العراق في الجيب كما كان متوقّعا، خصوصا ان البلد يمرّ حاليا في مرحلة انتقالية عائدة أساسا الى ان ليس لدى ايران ما تصدره اليه سوى اثارة الغرائز المذهبية والميليشيات المعتدية على مؤسسات الدولة او ما بقي منها. لعلّ الاستفتاء الكردي وذيوله خير اثبات على ان العراق مقبل، ومعه المنطقة كلّها على تحولات كبيرة لم تكن يوما في الحسبان.
لم تعد سوريا في الجيب الايرانية على الرغم من انّ بشّار الأسد لا يزال مقيما في دمشق. لم يعد سرّا روسيا، التي تدخلت عسكريا في مثل هذه الايّام من العام 2015، لعبت الدور الابرز في بقاء الأسد الابن في دمشق وفي منع سقوط الساحل السوري في يد المعارضة. تبيّن ان ايران تستطيع ان تهدّم، لكنّها لا تستطيع ان تبني في أي مكان تتدخل فيه مباشرة او عبر ادواتها، أي الميليشيات المذهبية التي في امرتها.
احدى هذه الميليشيات، المسماة “حزب الله”، غزت بيروت في ايّار – مايو من العام 2008 وهناك ميليشيا أخرى هي “انصار الله” غزت صنعاء في أيلول – سبتمبر 2014. هناك ميليشيات عدّة تابعة لإيران نفّذت عمليات تطهير ذات طابع مذهبي في كلّ انحاء العراق اوسوريا. ثمّ ماذا؟ هل يمكن للبناء على التدمير ان يكون سياسة؟
تختزل التجربة الحوثية في اليمن العجز الايراني عن القيام على ايّ خطوة ذات طابع إيجابي اكان في الداخل الايراني او في المناطق المحيطة لإيران. حسنا، سيطر “انصار الله” كلّيا على صنعاء وجعلوا من علي عبدالله صالح رهينة لديهم بعدما تعاونوا معه واستفادوا منه طوال فترة. ماذا سيفعلون بهذا الانتصار الجديد الذي لا يعني شيئا بالنسبة الى اهل صنعاء والمناطق المحيطة بها غير مزيد من البؤس والفقر وتشديد للحصار؟
في النهاية ما الذي يمكن ان تفعله ايران بما تعتقد انّه أوراق في جيبها في حال كانت هناك رغبة أميركية حقيقية في زيادة العقوبات عليها. هل الحل بجعل بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء تدفع ثمن سياسة ايرانية لا افق لها؟
قد تكون مشكلة ايران في انّها لا تدري ان اعلان الانتصار الذي يلي كلّ ما تقوم ميليشياتها به يصبّ بطريقة او باخرى في خدمة إسرائيل. ليست السعودية من تواطأ مع إسرائيل في عملية التدمير الممنهجة للمدن العربية الواحدة تلو الأخرى. من لعب الدور الأساسي في ذلك هو الميليشيات المذهبية الايرانية التي باتت منتشرة في كلّ انحاء المنطقة والتي تحوّلت الى جزء لا يتجزّأ من عملية تطويق للدول العربية وزرع الغام داخلية بهدف تفتيتها تحت شعار “المقاومة” و”الممانعة”.