كانت الساعة الثانية فجرًا، كنا في منتصف البحر؛ عندما بدأ رجل التهريب برمي النساء غصبا من القارب، وطلب منا النزول ففعلنا. بعضنا كان يجهل السباحة، أما الآخرون فقد نجوا بأنفسهم كونهم يجيدونها.
هذه كلمات شاب أثيوبي ناجٍ من الغرق قبالة شواطئ اليمن، بعد أيام من وصوله محافظة مأرب شرقي البلاد، الأسبوع الماضي، نقلًا عن وكالة “إرم نيوز”.
الإثيوبي “معاذ جمال”20عامًا، يروي حكايته بعد أن لفظه البحر حيا، والتي بدأت بدفع 4 آلاف بَر أثيوبي (170 دولار أمريكي)، للرجل المسؤول عن عملية التهريب، من ميناء “بوصاصو” الصومالي.
“جمال” واحد من 160 مهاجرًا جميعهم من الجنسية الأثيوبية كانوا على متن قارب حملهم إلى اليمن، ومعظمهم من إقليم “أوروميا” ذي الكثافة السكانية الكبيرة، والغالبية المسلمة.
في تفاصيل الحكاية يقول، “على متن قاربنا كان يوجد 6 مهرّبين، جاءهم خبر بوجود سيارات تتبع السلطات الأمنية في اليمن، الأمر الذي جعلهم يعودون أدراجهم قليلا”.
ويضيف “بدأ المهرّبون بإلقاء 6 نساء كانوا معنا في البحر، وأجبروا بقية الركاب على القفز”.
جمال الذي نجا بعد أن وصل بصعوبة، يقول إن الناجين لدى وصولهم إلى الشاطئ، دفنوا الجثث التي وصلت وغطوها بالرمال لإخفائها، ثم تابعوا طريقهم إلى المجهول.
ويستعد الشاب الإثيوبي بعد نجاته، لرحلة تهريب جديدة إلى السعودية، يسوقه حلم جمع المال وتحويله إلى أسرته التي تنتظره، كما يفعل كثيرون مثله.
ازدحام ومعاناة
على متن قارب التهريب يركب 160 مهاجرًا، ربما ينقص عددهم أو يزيد بحسب الحجم، ومعظم هؤلاء لا يعرفون وجهتهم، أما بعضهم فتكون رحلتهم الثانية أو الثالثة، لكن في حالات نادرة.
يجلس المهاجرون القرفصاء بأمر من المهربين، حتى يتسع لأكبر عدد منهم، ولا يحملون أمتعة أو مياهًا كافية، حفاظاً على وزن القارب، ويتم توزيع المياه عليهم في فترات معينة طول فترة الرحلة التي تصل بين 18 إلى 24 ساعة، حسب شهادات مهاجرين.
معز عبدالقادر ناجٍ أثيوبي آخر، يتحدث لوكالة الأناضول التركية بعد وصوله إلى مأرب اليمنية، في رحلة محفوفة بالخطر.
ويقول بعد أن أشار بيده إلى جرح شق قدمه اليسرى، “نجوت من الغرق لكنني مرضت وتعبت، وتفطرت قدمي بسبب الجلوس في القارب، والسباحة لمسافة طويلة”.
“أخذت قارورة ماء كبيرة فارغة بعد أن أُجبرنا على القفز في البحر، كي تُعينني على السباحة، كانت المسافة إلى الشاطئ لا تزال بعيدة جدًا”، هكذا كانت خطة “معزّ” للنجاة بنفسه.
الشاب الأفريقي البالغ من العمر 15 عامًا حطّ في اليمن ليعمل فيها فترة وجيزة، ويجمع المال لتغطية تكاليف رحلته، قبل إكمال الطريق إلى السعودية، للقاء أخيه الذي يعمل هناك.
أعمال متعددة
معز ومعاذ ومئات المهاجرين الأفارقة غيرهم، يعيشون في منطقة “الحصون” شرقي مدينة مأرب مركز المحافظة، ينتظرون كل صباح حاجة أرباب العمل لأشخاص يعملون معهم.
إلى هذه المنطقة يأتي محتاجو العمالة، فيختارون العدد المناسب من العمال ثم يحملونهم إلى مواقع العمل، التي عادة ما تكون مزارع أو أعمال بناء.
بعض المهاجرين الأفارقة يعمل لقاء أجرة يومية قد تصل ألفي ريال يمني (قرابة 6 دولارات)، وبعضهم يعمل بمعاشٍ شهري، خاصة أولئك الذين يعملون في المزارع.
شاب إثيوبي يُدعى خالد نقاش استقر مؤخرًا في اليمن، ساعدته معرفته باللغة العربية على إيجاد فرصة عمل في الزراعة، ومنذ أكثر من عام يتنقل بين مزرعة وأخرى.
ويروي نقاش حكاية رحلته من بلاده إلى اليمن، فيقول إنه كان “يجلس القرفصاء 17 ساعة متتالية على متن القارب، ولا يعلم إلى أي مدينة يمنية سينتهي به المطاف”.
يتنفس الصعداء ويستدرك قوله، “وصلت أخيرا”.
“وصولي كان سريعًا، والقارب الذي ركبته جديد. هناك أناس يقضون أكثر من يوم في البحر”، يضيف نقاش الذي يعتبر نفسه محظوظًا، على الرغم من لحظات الخوف التي عاشها.
خالد الذي يجهل سنّه، ليس الوحيد من أفراد أسرته الذين قرروا الهجرة إلى اليمن، فقد سبقه أخوه “محمد”، الذي أخبره عن اليمن والسعودية، وتعلّم منه إلى أين يذهب وماذا يفعل.
يضيف الأثيوبي، “أخي محمد عمل في السعودية لفترة طويلة بعد أن وصلها عبر اليمن، لكن تم القبض عليه وترحيله، هو من أخبرني بكيفية الوصول لحدود المملكة، والدخول إليها”.
ويعمل خالد حاليا في مزرعة بمديرية “الوادي” بمحافظة مأرب، التي تعدّ محطة عبور لمئات الأفارقة، وهؤلاء يجلبهم المهربون من سواحل شبوة اليمنية، ثم يغادر بعضهم إلى السعودية عبر رحلة تهريب أخرى محفوفة بالمخاطر.
تضليل واتجار بالبشر
المسؤول الإعلامي بمنظمة الهجرة الدولية سبا المعلمي، يقول إن المهاجرين الأفارقة يُضللون قبل ذهابهم إلى اليمن، ويسمعون “وعودًا مغرية بالثراء السريع وفرص العمل المتوفرة”.
ويضيف المعلمي، “يتم استغلال المهاجرين بطريقة بشعة تصل حد الاتجار بالبشر، ويتم احتجاز بعضهم من قبل عصابات بعد وصولهم شواطئ اليمن”.
ويتابع، “هؤلاء لا يتم إطلاق سراحهم إلا بعد دفع أموال لهذه العصابات”.
وعن تجربته الشخصية يؤكد المعلمي، “أنقذت في فترات سابقة عددًا من هؤلاء المهاجرين الذين وقعوا ضحية الاتجار بالبشر، وتم حبسهم في حظائر تابعة لعصابات متخصصة (لم يذكرها)”.
وسرد جملة مخاطر يتعرض لها المهاجرون، فهُم يجهلون السباحة وأخطارها، كونهم قادمين من بلاد لا بحر فيها، ولدى وصولهم يتعرضون لعمليات اتجار بالبشر واستغلال”.
ويصطدم المهاجرون بالواقع الأمني والمعيشي الذي تشهده اليمن، مما يدفع البعض إلى العودة لبلاده، عبر رحلات تنظمها المنظمة الدولية للهجرة (حكومية) بين الحين والآخر للراغبين بالرجوع إلى بلادهم “بطريقة كريمة”، مع توفير رعاية طبية لهم.
وقالت المنظمة الدولية في بيانات سابقة، إن حوالي 55 ألف مهاجر غادروا القرن الأفريقي قاصدين اليمن منذ بداية العام، بهدف إيجاد فرص أفضل في دول الخليج.
وأثيوبيا التي يعاني سكانها أوضاعا معيشية صعبة بسبب موجة الجفاف التي تضرب البلاد، عاد إليها أكثر من 6 آلاف إثيوبي طوعًا بمساعدة المنظمة الدولية للهجرة منذ بدء الصراع باليمن في إبريل الماضي.