الوليمة الضبعية
الإهداء : إلى الخروف المسكين ، الذي أُكل واقفا
تداولت شبكة التواصل الإجتماعي في الآونة الأخيرة ، صورة وليمة ، تبرز خروفا منتصبا وسط حقول من الأرز ، والأيادي تتناهش قطع لحم الخروف البائس – المحزون ، وآثار الأصابع المغموسة بالدسم تداعب حبات الأرز ، كي تمسح بقايا اللحم العالق ، لتعيد الكرّة في لعبة انتزاع اللحم بالطريقة الضبعية الموحشة .
العيون تبرق بالمشهد الخرافي – الصحراوي ، يسيل اللعاب الحيواني الغريزي ، من علية القوم المحيطين بالخروف المحاصر بالأصابع الدراكولية.
هل حقا تدار السياسة في اليمن بهذه الطريقة – الضبعية ؟
وجوه مألوفة استنزفت حتى النخاع ، ساسة لا يتقنون من السياسة سوى النهش والبطش ! هل الصور التي وزعت مفبركة ومزورة ، بغرض الشماتة والتشنيع وتصفية الحسابات ، والمماحكات السياسية ؟
وقد سبق أن نشرت صور مماثلة لقيادات دينية ، أقامت احتفالات باذخة – سفيهة المشهد ، تستفز فقراء الكوليرا والجوع المزمن .
رجال أعمال ، وزراء ، دبلوماسيون ، كان لهم نصيب من هذه الولائم الإستفزازية .
كانت الممثلة الفرنسية المثيرة بريجيت باردو ، تدافع عن حقوق الحيوانات المظلومة ، ولكن كما يبدو عجزت عن تحقيق طموحها ، بعد أن فشلت المنظمات الدولية في الدفاع عن حقوق الإنسان .
هذا العرس الملكي الفاخر ، المثير للجدل ، ما الذي يجعله يتكرر بين الفينة والأخرى ، كمشهد أسطوري لا يدلل إلا على بؤس أصحابها ، وافتقارهم للحصافة والحكمة وموازنة الأمور ؟
هل هي عقدة اللصوصية ، أم ربما قبح العريس والعروس ، وتعويض ذلك عبر الكباش والخراف والماعز والضأن والأبقار والثيران والجمال ، كانعكاس للسلوك البدوي – القبيلي ؟
سيجموند فرويد ، رحل منذ زمن بعيد ، ولم يتطرق لهذه الظاهرة – المعجزة . هل فات الوقت لظهور فرويد يماني يفسر أحلام الضباع ؟
يا إلهي .. لا مفر أمامنا من الهروب ، أين نختفي كي لا تنهشنا الضباع ، أين المفر ؟
في حوار عابر مع صديقي المصري الجديد الدكتور إنمار ، تطرقت إلى موضوع تنوع الشعوب في الإستمتاع بالطعام ، وقلت له مداعبا :
أن الشعب المصري أكول بطبعه .
فكانت إجابته لي صاعقا ، حين ذكر لي :
المندي ، المظبي ، الضبعي .. بتلك الروح المصرية الساخرة .
جوار سكني في حي المهندسين بالقاهرة ، يوجد مطعم ( المجرشي ) للمأكولات السعودية والخليجية ، تجد الزبائن يفترشون الأرض ، وكأنهم في صحراء الربع الخالي ، يعيثون بالطعام في كل زاوية من المكان .
سآوي إلى كهف ، كي أتقن تفادي القنص ، والتدرب على حيل الثعالب ، قبل أن تصطادني جموع الحفلات والمآدب والأعراس والولائم الضبعية !
حامد السقاف
القاهرة – تموز ٢٠١٧ م