منذ ان اندلعت أولى شرارات ثورة 14أكتوبر من على قمم جبال ردفان الأبية كان للمرأة اليمنية دور بطولي في نصرة الثورة ودعمها جنباً إلى جنب مع أخيها الفدائي، وفي مختلف جبهات النضال الوطني التحرري تعددت وتنوعت إسهامات المرأة النضالية بين ماهو نضال عفوي تحكمه الظروف كما هو الحال في جبهات القتال.
صلبة، قوية، شامخة، بشموخ جبال عيبان وردفان، عظيمة هي المرأة اليمنية بعظمة تاريخ اليمن.. أظهرت شجاعة ليست بغريبة على حفيدة بلقيس اليمن.. صورت أنموذجاً بارزاً وبارعاً في التضحية والفداء والمقاومة ضد مستعمر غاشم، مشكلة بذلك أروع الملاحم البطولية، فكانت الند للند مع أخيها الرجل في الشجاعة والإقدام من أجل الحرية والسيادة والاستقلال ضد مستعمر جاء لينهب ويدمر ويذل ويقتل أبناء اليمن السعيد.
في الريف مثل ردفان والضالع والشعيب ويافع وبين ماهو عمل منظم كما كان الحال في مستعمرة عدن.
ففي حين كانت المرأة في ردفان تحمل السلاح وتقاتل إلى جانب أخيها الرجل كما تقوم بنقل المؤن والذخائر وإخفاء المناضلين المطاردين من قبل الاستعمار وهو ما كان يجري أيضا في جبهات ريفية أخرى فإن نضال المرأة في عدن قد أخذت شكلاً منظماً وأكثر تأثيراً حيث كانت تساهم في المسيرات وإيواء الفدائيين وتوزيع المنشورات المحرضة ضد الاستعمار كما أن بعضهن كن على دراية وحسن تدريب في حمل واستخدام الأسلحة والمتفجرات وتنفيذ العمليات الفدائية البطولية من خلال الدورات التي كانت قيادة الجبهة القومية تنظمها لهن في كيفية استخدام السلاح.
امرأة صهرتها الحياة
تمثل المناضلة الراحلة دعرة بنت سعيد ثابت الاعضب نموذجاً مشرفاً للمرأة اليمنية الباسلة والتي كانت لها مواقف بطولية مشرفة منذ الانطلاقة الأولى للثورة في جبل البدوي بردفان وحتى رحيل المستعمر حيث عرفت كمناضلة شجاعة ومقدامة تمتلك القدرة والجسارة على تنفيذ اخطر العمليات الفدائية وهو ما جعل منها وطنية وقومية تتناقل أخبارها وسائل الإعلام المحلية والعربية.
كصلابة تلك الجبال التي ولدت بين أكتافها كانت الشابة (مريم) والتي عرفت فيما بعد(بدعرة) صلبة وطاهرة كطهارة تلك الأرض التي تنتمي إليها كان قلبها نقياً خالياً من كل شيء إلا من شعور الانتماء لوطنها وأرضها وكذا شعور البغض والكراهية لمستعمر غاصب فتحت عينيها فوجدته يعيث في الأرض فساداً وجوراً وظلماً.
ثائرة متمردة
المناضلة اليمنية دعرة سعيد عباد العضب قد قطعت على نفسها عهداً بتصفية النظام الكهنوقراطي في شمال الوطن والنظام الانجلو سلاطيني في جنوبه مقتدية بنسيبة بنت كعب الأنصارية وأم عمار في عهد الإسلام والمناضلات روزا وجميلة وانجيلا وجان دارك اللائي سعين لتحرير شعوبهن من نفس ذلك الاستعمار العالمي.
ولدت المناضلة دعرة في العام 1928م بمنطقة شعب الديوان بمديرية ردفان لحج وسميت مريم وهي تنتمي لأسرة معدمة ولها من الأخوة شقيقان وشقيقتان وكانت هي بكر والديها، وبوفاة والدها في عام 57م كان على دعرة ان تتحمل مسؤولية رعاية والدتها وإخوانها ما جعلها تخرج للحياة الصعبة القاسية فعملت في الأرض وتجارة الفحم على أمل ان يساعدها كل هذا في توفير أدنى مستويات المعيشة لأسرتها.
وفي ظل هذه النشأة الصعبة والواقع المفعم بالمرارة تكونت شخصية هذه المرأة كامرأة فولاذية صهرتها الحياة وصنعت منها المعيشة القاسية ثائرة متمردة ضد واقعها وظروفها وضد العدو الجاثم على صدر وطنها.
رفض الواقع المر
لذلك كله كانت دعرة تنمو ومعها ينمو شعور ورغبة كبيران بضرورة المقاومة والرفض لهذا الواقع المر المفروض عليها وعلى شعبها ووطنها..
ومن هنا جاء قرارها الصعب الذي لم يكن أمامها بد من اختياره ففعلت كما وصفتها إحدى الصحف المصرية في ستينيات القرن الماضي بأن ضربت بتقاليد بلدها عرض الحائط تخلصت من الحجاب الذي كان يخفي وجهها.. حلقت شعرها “زيرو” وارتدت ملابس الرجال، ووضعت في وسطها الخنجر وعلقت على كتفها البندقية وقبل أن تخرج من باب بيتها في ردفان سألتها أمها إلى أين..؟
فأجابت وهي تصوب طلقة من الفضاء سأنضم إلى الثوار سأحارب الانجليز, ولم تكتف بهذا بل إنها كانت دائماً ما تردد بان بالها لن يهدأ حتى ترى كل وطنها العربي متحرراً من رجس المستعمر الأجنبي.
كانت بداية العلاقة الحميمية بين دعرة وسلاحها في العام 1940م حينما شاركت في انتفاضة الحمراء خفية عن أبيها الذي ما ان اكتشف شجاعتها ومهارتها في استخدام السلاح وحجتها القوية بضرورة الثورة والمقاومة حتى كان أول الواقفين الى جوارها والمساندين لها إذ اشترى لها سلاحاً من نوع (فرنساوي) ثم جاءت مشاركتها المشرفة في انتفاضة عام 1956م التي أسقطت فيها طائرة هيلوكبتر تابعة للقوات البريطانية في الحبيلين وهي الانتفاضة التي اعتقلت على إثرها دعرة وتمكنت من الهروب من المعتقل فيما بعد بفترة قصيرة.
أخطر إرهابية
دعرة سعيد بنت ثابت إحدى المناضلات البارزات عضو قيادة جيش التحرير في منطقة ردفان, خاضت البطلة المناضلة معارك كثيرة ضد الاستعمار منذ انتفاضات القبائل عام 1956م وعام 1957م, واشتركت في معارك كثيرة ضد الاستعمار واشتركت في معارك صرواح الشهيرة, ومكثت تشارك ببسالة وشجاعة انتحارية في جميع المعارك التي خاضها الرجال البواسل فوق جبال اليمن دفاعاً عن الجمهورية والثورة اليمنية ودهش الكثيرون من أبناء الشمال وهم يجدون بجانبهم فتاة من الجنوب تناضل نضال الأبطال, وحازت بطلتنا المناضلة تقدير المقاتلين جميعاً ولما قضي على التسلل الرجعي الاستعماري نقلت المناضلة البطلة مع كتيبتها إلى منطقة “المحابشة” وبقيت هناك ستة أشهر متوالية ترتدي ملابس الرجال وتخوض أعنف المعارك, وقد سجلت هناك بطولات خارقة تردد على لسان كل عربي عرف المناضلة الجنوبية البطلة دعرة.
وعندما اشتعلت الثورة فوق جبال ردفان كانت المناضلة تقف في الصفوف الأولى جنبا إلى جنب مع الشهيد البطل راجح بن غالب لبوزة والمسؤول عن منطقة ردفان, وأول شهيد يسقط على طريق الحرية والكرامة.
اشتركت المناضلة البطلة في أكثر المعارك التي دارت بين القوات البريطانية, وقوات جيش التحرير, كانت تضع الألغام في طريق السيارات البريطانية وتتربص بدوريات تنقض عليهم بالرصاص والقنابل اليدوية, وكانت المناضلة البطلة مفخرة المرأة العربية في الجنوب, فانضمت الكثيرات منهن الى صفوف المناضلين ليحاربن الاستعمار جنبا الى جنب مع المقاتل في الجنوب الذي وهب حياته من أجل المبادئ والأهداف الكبيرة الشاملة, وأبدت الكثيرات منهن بطولات خارقة, واستشهدت في المعركة المناضلة “هند بنت أحمد” أول شهيدة تسقط في معركة التحرير الشاملة,ولحقتها في الاستشهاد المناضلة البطلة “بنت الحاج عبد الكريم”ولقد رصدت قيادة الشرق الأوسط البريطانية مائة ألف شلن لمن يقبض على المناضلة الفدائية دعرة سعيد بنت ثابت.. لماذا؟!
لأنها أصبحت في نظرهم أخطر إرهابية ولأنها أيضا قد أصبحت أسطورة بطولية تناقلتها الألسنة فوق أرض الجنوب, حتى المعسكرات البريطانية نفسها بدأ جنودها وضباطها يرددون قصص بطولاتها وشجاعتها النادرة.
توزع الموت
في إحدى الليالي خرجت مع مجموعة من الفدائيين ليقوموا بهجوم مفاجئ على مقر القيادة البريطانية (الثمير) ودامت المعركة أكثر من ساعتين قتلت خلالها الكثير من الجنود البريطانيين, واشتعلت النيران في مخازن الذخيرة وأحرقت مصفحتين, وأثناء تأهب الفدائيين للانسحاب أصيبت في ساقها, واستمرت ولكنها أصيبت مرة أخرى في ساقها فسقطت البطلة على الأرض ولم تقو على الحركة, ثم واصلت وهي جريحة راقدة خلف صخرة, أطلقت النار على الانجليز لتحمي انسحاب الفدائيين, ولما نفذ رصاصها حطمت بندقيتها فوق الصخرة حتى لا يأخذها الانجليز سليمة وأسرت المناضلة, ونقلت إلى سجن عدن وبعدها أذاع راديو لندن وعدن أكثر من مرة نبأ القبض على الإرهابية دعرة ولصقت منشورات داخل المعسكرات تزف هذا النبأ إلى الجنود والضباط الإنجليز واستجوبها الانجليز وحاول ضباط المخابرات البريطانية معرفة الطريقة التي يتسلح بها جيش التحرير, ومستوى التدريب على حرب العصابات التي حصلوا عليها, والجبهة التي تقوم بمساعدة المناضلين, ولكن البطلة أصرت على الصمت ومرت أيام وبعدها عثرت السلطات على خمسة من حراس السجن مذبوحين وزنزانة البطلة خالية منها, وعادت البطلة المناضلة إلى جبهة القتال في ردفان توزع الموت على جنوب الاستعمار وعلى أعوانه.
حادثة الحمراء
نص البرقية المرسلة من ” روبين يان ” مدير المخابرات في حكومة الاتحاد الفيدرالي إلى ” جد فري مينل ” أو كما يسميه أهالي المنطقة (ميلان) الضابط السياسي بمنطقة ردفان وقد جاءت البرقية على إثر الضرب من جبل تعز الذي يقع فوق قرية “الثمير” والذي صدر منه الضرب في اليوم السابق وكان المتسبب في ذلك دعرة سعيد عباد العضب وعندما تحركت قوة من الأمن بناءً على طلب(ميلان) اعترضها مجموعة من أبناء المنطقة المنخرطين تحت قوة الأمن المحلي لردفان وهم عبد الله عبد الكريم جابر وفضل صائل عبد الرحمن ومحمد محسن علي وأبلغوهم أن أهالي المنطقة لن يتركوهم يأخذون المناضلة بسلام وقد عادوا مع قوة الأمن إلى الضابط البريطاني وأبلغوه بذلك وذكروه بحادثة الحمراء عام 1942م وقد رفع الضابط السياسي تقريراً إلى جهة عمله ونسخ منه إلى قيادة الشرق الأوسط في عدن والذي ذكرته في تقريرها الفصلي المرفوع إلى وزارة الدفاع البريطانية في لندن بتاريخ 28/12/1963م جاء منوهاً بهذه العبارة (إن الحادث الذي وقع يوم 4/11/1963م قد عرفت أسبابه فيما بعد عن طريق الضابط السياسي في الحبيلين) ولم يتم القبض على دعرة لكونها امرأة وقد اختفت بين النساء، ويصعب البحث عنها في هذه الحالة، وقد كان عملاء الاستعمار الذين عملوا إلى جانبه ضد الثورة قد أوضحوا أن دعرة تلبس ملابس الرجال وتعيش بينهم وهي عائدة من اليمن لتوها مع الشيخ راجح غالب لبوزة، وقد تلقت دعرة تدريباً عسكرياً في اليمن على أيادي المصريين لذا سخر “روبين يانج” من تقرير “ميلان” الذي ذكر فيه أن دعرة قد اختبأت بين النساء فأراد أن يوضح له أنها بين الرجال الذي كان يطلق عليهم الذئاب الحمر في حروبهم السابقة ضد الانجليز.
كما ذكر “انجرامس” في كتابه(العربية والجزر) ولم تأت هذه التسمية على ثوار ثورة 14 أكتوبر بل شبهوا الأبناء بالآباء إلى أن دعرة ستظل حالة نادرة لن تتكرر.
ذئاب اليمن الحمر
المستشرق الروسي ” فيتالي نوؤمكين ” لم يصنفها من ذئاب ردفان الحمر فحسب بل صنفها من ذئاب اليمن الحمر والذين حددهم بثلاثة وخمسين شخصية يمنية.. ودعرة لا سواها من النساء كانت ضمن ذئاب اليمن الحمر وهو نفس الاسم الذي اختاره لكتابه الصادر في الهند عام 2004 وباللغة الانجليزية ووصفها بأنها “غورلاء” ووجهها لا يعرف المكياج طوال حياتها وتلبس ملابس الرجال في ردفان والتي تعتلي الركبة بقليل ومن أطالها يعتبر من وجهة نظرهم من الطبقات التي لا تستدعى أيام الحروب وسوف أدون ما أعرفه عنها وأرجو من الله العلي القدير أن يوفقني إلى ذكر ذلك قديمه وحديثه والذي كانت بدايته في سبتمبر من عام 1965م عندما التقيت بها أول مرة في البيت الأبيض المجاور لمقر الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في مدينة تعز وبحارة المستشفى تحديداً، والذي يعود ملكيته لحسن آغا أحد الأتراك الذين فضلوا البقاء في اليمن بعد خروج الأتراك عام 1918م على إثر هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، أما البيت الأبيض فتعود ملكيته لشخص آخر كان مخصصاً لإيواء الجرحى القادمين من جبهات القتال بعد أن يتلقوا العلاج في مستشفى تعز الجمهوري، وكذا المستشفى العسكري الذي يقع في حارة المستشفى وبجواره أيضاً، وحالياً هو(محكمة استئناف تعز) وفي الصباح كانت تشاهد وكثير معها من المناضلين في مقهى الديلمي المقابل لمنزل الأستاذ عبد الله محمد المقحفي -رحمه الله- تتناول الشاي وتتبادل الحديث مع من حولها من المناضلين لا يحسون بها أنها امرأة بينهم ولا هي تحس أنها تختلف عنهم بحكم ما ترتديه من ملابس وما ميزها به الخالق عز وجل من وجه يشبه الرجال عند الغضب وعند الابتسامة، وتشاهد فيها حركات الرجال بالحرام والطلاق وحرام حنث وهو أغلظ الحرامات عند أهالي ردفان وكانت النسوة يمازحنها عندما عرفن حقيقتها خاصة عندما تكون بينهن من لا تعرفها من قبل.
صاحبة رصيد زاخر
لقد تشرفت تعز بالمناضلة دعرة بنت سعيد العضب صاحبة الرصيد الزاخر بالنضالات المشرفة في جنوب الوطن وشماله وصولاً إلى لواء حجة, ففي بداية ثورة 14 أكتوبر عندما أصيبت برصاص الإنجليز ليتم تهريبها من أحد المستشفيات إلى تعز وبعد تعافيها صادف وجودها الاحتفال بالعيد الثالث لثورة 26سبتمبر لتقدم أول عرض عسكري وسط ميدان الشهداء بتعز أمام راعي الحصن المشير عبدالله السلال حاملة على الجبهة القومية أول راية موحدة للجنوب اليمني وفشل عبدالرحمن بن علي الجفري الذي أراد أن يعرض بعلم رابطة أبناء الجنوب العربي يوم تخرجه من الكلية الحربية بالقاهرة الدفعة”47″ مع علي محمد صلاح علي عبدالقادر صالح عبادي عبدالكريم اليافعي يحيى صالح دويد.
دعرة في أرض الكنانة
شاركت المناضلة دعرة في عرض العيد الثالث لثورة 26 سبتمبر 62 في ميدان الشهداء وبرعاية المشير عبد الله السلال هي ومجموعة من المناضلين الذين كانوا يتواجدون حينها في مدينة تعز وجاءت خطوة الدمج في 13يناير 1966م بين منظمة التحرير والجبهة القومية، وكانت دعرة إلى جانب الدمج، وكذا راجح لبوزة ومعظم المقاتلين غير الملتزمين لخط حركة القوميين العرب بل ملتزمين لخط الثورة دون سواه، وقد سافرت دعرة إلى القاهرة بعد خطوة الدمج لغرض تلقي العلاج، ورتب سكنها هي وآخرون في عمارة داوود عدس المؤممة، والتي كانت تعود ملكيتها لأحد التجار اليهود في مصر وتقع في شارع الألفي بوسط البلد، وقد كان لباس دعرة في مصر البدلة الإفرنجي مع الكرفتة عند خروجها، وعندما تكون في داخل الشقة تلبس البيجامة المخططة، كانت شقتها بالدور الرابع ويسكن بالدور الثالث شقيق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الليثي عبد الناصر حسين.
تم الترتيب من قبل جهاز المخابرات العامة المصرية تأمين كلما يحتاج إليه المرضى والدارسون والسياسيون تحت الإقامة الجبرية، والذين عارضوا الدمج بين المنظمة والجبهة القومية، وكان هناك اهتمام خاص بالمناضلة دعرة من خلال الزيارات التي كان يقوم بها بعض الضباط الذين عرفوها من اليمن أو الصحفيين الذين كانوا يقدمون إليها لأخذ المقابلة معها ومنهم جمال حمدي، من صحيفة روز اليوسف وزميله يوسف الشريف وعادل رضا ومحمود رضا من صحيفة الجمهورية، ومريم روبين من صحيفة أخبار اليوم وكان رجائي فارس الضابط المبدع في المخابرات العامة المصرية والمختص في قضية الجنوب اليمني يتواجد أحياناً لان مشاغله كثيرة ومهامه أيضاً، وكانت المهمة الموكولة إليه هي التقريب بين المناضلين في الجبهة القومية وجبهة التحرير كان يحضر إلى الكلية الحربية لعمل محاضرة وإطلاعهم على مستجدات قضية الجنوب اليمني المحتل وكان عندما يقوم بزيارة دعرة في شقتها يصطحب معه الليثي عبد الناصر حسين من الدور الثالث، وعندما دخلت دعرة إلى المستشفى كانت زوجة أحد ضباط المخابرات المصرية العامة تجاورها في السرير وتجمعهن غرفة واحدة، وكانت زوجة الضابط ترافقها ابنتها في المستشفى والتي دخلت مع دعرة في صداقة حميمة وعند خروج زوجة الضابط ظلت عفاف مرافقة لدعرة بتكليف من والدها ضابط المخابرات، وقد مثلت أجمل صداقة تجمع بين صديقتين.
دعرة مع جمال عبدالناصر
عند سفرها إلى القاهرة كان اسم دعرة قد سبقها كمناضلة صلبة لا تلين لها قناة وامرأة فولاذية تتشرف بها أمها، ولذلك فقد حظيت بمقابلة الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر الذي كرمها بمنحها رتبة ملازم أول ضمن عدد من زملائها من جبهة التحرير ممن تلقوا التدريب في مصر حينها.
دعرة تطالب عبد الناصر بعدوله عن قراره بالتنحي
وعندما حصل العدوان الإسرائيلي على مصر في 5 يونيو 1967م وقدم الرئيس عبد الناصر استقالته من جميع مناصبه خرجت دعرة مع سكان القاهرة والجماهير العربية في الوطن العربي في يومي( 9 و10 )يونيو 1967م مطالبة الرئيس عبد الناصر بعدوله عن قراره بالتنحي، ولم تعد إلى شقتها إلا بعد أن خرج على المحتشدين في ميدان التحرير وحول مجلس الأمة المصري رئيسه حينها محمد أنور السادات ليعلن عن عدول الرئيس عبد الناصر عن قراره واستمراره في مواصلة المشوار مع جماهير الأمة العربية وبهذه المناسبة كتبت الصحفية في أخبار اليوم مريم روبين عن مشاهدتها خلال يومي( 9 و 10) يونيو حيث قالت (لقد لفت نظري خروج أحد ذئاب ردفان الحمر يطالب الرئيس عبد الناصر العدول عن قراره بالتنحي، إنها المناضلة دعرة التي حضرت إلى أرض الكنانة لتلقي العلاج.
حرمان المشاركة بالفرحة
مرت الأيام بعد ذلك متسارعة في أحداثها على المناضلين ومن بينهم المناضلة دعرة، وعلى كل من ينهج نهج عبد الناصر في الوطن العربي، وقد تكالبت قوى الشر ضد قوى الخير لإبعاد الأخيرة عن أي دور تقوم به لخدمة الأمة العربية، وكان الذئاب الحمر الذين ناضلوا طويلاً ضد المستعمر قد أصبحوا عشية الاستقلال بين مشرد في الجبال أو أسير لدى السلطة الجديدة أو شهيد، تنهش في جثته الكلاب على حسب ما وصف الشيخ الجليل محمد بن سالم البيحاني عند مناشدته من إذاعة عدن ايقاف الاقتتال بين الجبهتين القومية والتحرير وكانت المناضلة دعرة ومعها ابن أول شهيد لثورة 14 أكتوبر وقادة العسكرية وخريجو الكلية الحربية بالقاهرة عشية الاستقلال هذا هو حالهم كل هؤلاء حرموا من المشاركة بالفرحة بخروج المستعمر من بلادهم لا لشيء سوى أنهم نهجوا نهج عبد الناصر وكان لهم شرف المشاركة بالدفاع عن العاصمة صنعاء خلال معركة حصار السبعين يوماً.
راتب لا يليق بدورها النضالي
وكانت دعرة في مقدمة المقاتلين من جيش التحرير الذي سطر أروع الملاحم البطولية في المعارك التي راح ضحيتها العشرات من الأبطال وعلى رأسهم الشهيد هاشم عمر إسماعيل وسالم يسلم الهارش ونصر بن سيف مهتم.. ظلت دعرة وغيرها من الثوار متنقلة بين القاهرة وصنعاء وتعز حتى عودتها إلى عدن في عهد الرئيس سالم ربيع علي ومعها المناضل بالليل راجح لبوزة والمناضل سالم جابر ثابت، ومنحت سكناً في مدينة الشعب وراتباً لا يليق بدورها النضالي.
الوطن يكرم دعرة
في حياتها ظلت المناضلة دعرة موضع تكريم وطنها وقيادتها تقديراً واجلالاً لأدوارها البطولية المتميزة، حيث منحت وسام الإخلاص ووسام 30 نوفمبر وميدالية حرب التحرير وعدداً آخر من الشهادات والميداليات.
كما اصدر الرئيس السابق علي عبدالله صالح قراراً بمنحها رتبة عقيد في القوات المسلحة عرفاناً بدورها المشرف في مقارعة المستعمر وتاريخها النضالي الناصع..
منذ ان أطلت دعرة على الوجود كانت حياتها باعثة على الاعتزاز بتاريخ أسرتها النضالي وبتاريخها هي كذلك كمناضلة وإنسانة تميزت بالعديد من الصفات والسجايا ما جعلها تحتل موقعاً أثيرا في قلوب كل الذين عرفوها وعايشوها.. بنبلها وشجاعتها وخلقها القويم وإنسانيتها التي لا توصف..
رحيلها
لقد من الله على دعرة بحياة مثمرة بالعطاء الجزل والمودة اللامحدودة لكل من تعامل معها وهو ما أبكى واحزن الجميع على فقدها يوم ان رحلت إلى جوار بارئها عزوجل في 25 /8/ 2002م لتنهي بذلك حياة امرأة شغلت الأعداء قبل الأصدقاء في عهد الثورة ومثلت فخراً لوطنها, لكن موتها هذا لم يستطع ان يقطع ذكراها من وعي وضمير أمتها وأهلها وكل الذين أحبوها، وكانت لهم معيناً من الفخر والاعتزاز لا ينضب.
قالوا عنها!!..
بدأت تتحدث عنها إذاعة صوت العرب ثم إذاعة لندن وعدن التي أعلنت عن منح جائزة مالية مقدارها 100.000 شلن لمن يدلي بمعلومات تؤدي الى إلقاء القبض عليها، ويقال انه القي القبض عليها عندما أصيبت في ساقها في معركة ردفان ونقلت الى السجن وبعد ستة أيام وجدوا زنزانتها خالية وأربعة من حراس السجن قد ذبحوا وتم البحث عنها في عدن ولكن دون جدوى فقد عادت دعرة الى صفوف المقاتلين من ذئاب ردفان الحمر.
شيء بعد التخدير
أما الأديب والشاعر والسياسي أحمد محمد السقاف مستشار أمير دولة الكويت ووكيل وزارة الإعلام الكويتية فقد قال في كتابه ” شخصيات من الوطن العربي” تحت رقم “74” ونشرته مجلة العربي الكويتية بعددها “624” ذو الحجة 1431ه نوفمبر 2010م في الصفحة ” 102 ” من مجلة العربي:
للبطولة صورها اللافتة للنظر، فيروي لنا مثلاً قصة الآنسة دعرة، ويعرف الاسم قائلاً: الدعرة عند أبناء اليمن هي أنثى الضبع، هذه المرأة منذ ان كانت طفلة لبست ملابس رجال القبائل وحملت السلاح وشاركت في المعارك مع أفراد قبيلتها، وحين ثارت قبائل ردفان على الانجليز، كانت دعرة من أنشط الثوار، وفي إحدى الغارات البريطانية على قرى ردفان أصيبت دعرة بشظية قنبلة فنقلت الى تعز ثم أرسلت الى القاهرة بطائرة عسكرية للعلاج، وعندها قرر الأطباء إجراء جراحة للآنسة دعرة، مما اقتضى نزع ملابسها فأبت بشدة، لأنها لا تريد ان يطلع احد على حقيقتها ولكن كل شيء تم بعد التخدير.
اليمن.. أربعون زيارة وألف حكاية
أما الصحفي المعروف وصديق اليمن واليمنيين المرحوم يوسف الشريف فقد قال في كتابه ” اليمن وأهل اليمن أربعون زيارة وألف وحكاية ” الصادر عن دار الشروق الطبعة الأولى 2008 صفحة 196:
“دعرة سعيد” الفتاة الردفانية ذات الثمانية عشر ربيعاً التي أصرت على الانضمام الى الصفوف لتحارب داخل جبهة الثورة وتقول دعرة إن انضمامها الى الثوار لن يقرب النصر ولكنها تصر على ذلك لتأكيد شيء واحد هو ان تثبت للعالم انه ليس رجال ردفان الذين يقاتلون الانجليز وحدهم بل النساء أيضا، وهي قد ظلت تحمل السلاح وتناضل مع أخوتها حتى تم الاستقلال ثم شاركت في قتال المرتزقة الأجانب وقوات الإمام البدر عندما حاصرت صنعاء وسميت بحروب السبعين يوماً, وظلت دعرة طوال عمرها ترتدي ملابس الرجال ولا تعترف بملابس النساء وتقول انها تزوجت اثنين ثورة( 26سبتمبر وثورة 14 أكتوبر).
نقلا عن صحيفة 26 سبتمبر