رحل الأستاذ محمد المساح .
العلامة الفارقة في مسار الصحافة اليمنية ، صاحب أشهر عمود صحفي باليمن ( لحظة يازمن) .
ومسيرة حياة المساح رواية تحكى وتُعًلم عن كفاح العصامي، الذي صاغ مسارا في صخر الحياة الشاقة .
ابن جبال منطقتنا المعلقة بالغيوم ،واحد أبناء جيل الثورة اليمنية، الذي تحدوا صعاب الفقر والجهل واكملوا مسيرة التنوير .
درس الصحافة في أوج ازدهارها بالقاهرة، مطلع الستينات، ومارس العمل الصحفي عندما كانت الكلمة في الجريدة اليومية تعني صنع فارق فاعل في الواقع المعاش، وتعني نبراسا حقيقيا للأجيال.
كتب عن أوجاع الناس وهو الأكثر وجعا ومعاناة ،وفي زمن كان فيه القابض على قلمه كالقابض على جمر من جهنم .
نحن من جيل محظوظ حيث ولج جيلنا الصحافة وهناك جيل محمد المساح، الذي نقل المهنة إلى مرحلة متقدمة من الإلتزام والمهنية .
وكان بالنسبة لي ومعظم جيلنا كاتب ملهم ،ابقاني في مدرسة الكتابة التي لم تغادر روح وفضاء روز اليوسف أيامها ،وبقيت تهمة تلاحق الكثير من المغرمين بالمغامرة الصحفية، والجمع بين فن الإيجاز وشاعرية الكلمة.
كان عمود محمد المساح( لحظة يازمن ) ،فاكهة الصحيفة اليومية.
قصيدة ضلت طريقها إلى دنيا المقال، وقصاص شاعري أدركه هم الصحفي الأكثر واقعية .
المساح هو الكاتب الصحفي الذي يجعلك تحبه اديبا ويأخذك غصبا إلى العمود الصحفي .
لو كان المساح اطل في منابر إعلامية أخرى من غير اليمن ،لكان واحدا من أبرز كتاب العمود القليلين الذين تتباهى بهم أمة الضاد .
لكنه ظُلم الجغرافيا، وبلد الحروب والملاحقات المسييجة بالقهر اليومي، الذي تجعل مبدع ينزوي في أقصى القرية البعيدة ملتصقا بالأرض التي احبها. وبقهر ليس له مثيل .
وداعا ايها المساح العظيم الفلاح الذي نقل مواويل قريتنا إلى بلاط الصحافة، وفرش حقول قريتنا باحرف الإبداع ،ليولد جيل من المبدعين على يديه دون أن يدعي أو حتى يدري .
فهو ابن الأرض التي تعطي دون منة أو انتظار شكر .
مات المساح كمدا قبل أن يعرف حتى كيف مصير ابنه .
وإن كان كتب وقال ما يكفي عن حلمه وحلمنا في هذا الوطن، الذي سينسى كثيرين ولن تغادر ذاكرته لحظه المساح صاحب الزمن الأجمل.
وداعا ياصاحبي كما كان يحلو له أن يقول !
نقلا عن صفحه الكاتب بالفبسبوك