يشكوا مئات المعتقلين لدى الأجهزة الأمنية في العاصمة المؤقتة عدن، من تعثر سير الإجراءات القانونية الخاصة بهم، إضافة للظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشونها في السجون، في ظل توقف أعمال المحاكم والنيابات العامة، والتي توقفت عن العمل منذ الهجوم الذي شنته مليشيا الحوثي والمخلوع على عدن، مطلع العام المنصرم.
تكدس السجناء
بعد عام ونيف على تحريرها من المليشيات الانقلابية، تعجّ سجون العاصمة المؤقتة عدن بمئات المعتقلين الذين زُج بهم في السجون، للاشتباه بانتمائهم للتنظيمات الإرهابية، وذلك خلال الحملات الأمنية التي نفذتها قوات الحزام الأمني على الأماكن التي تتواجد فيها التنظيمات الإرهابية، في منطقة المنصورة بعدن، وكذا في محافظتي لحج وأبين، جنوب البلاد.
وفي هذا السياق، يقبع أكثر من 350 معتقل في السجن المركزي بالمنصورة، ويعانون من ظروف إنسانية صعبة، نتيجة تكدسهم في العنابر دون أي إهتمام يذكر من قبل إدارة السجن، مع الإشارة إلى أنه لم تُنفذ أي أعمال ترميم للسجن، منذ تعرضه لأضرار كبيرة خلال الحرب التي شنته المليشيا الانقلابية.
دور القوات الإماراتية
يدخل السجن المركزي بالمنصورة بعدن، تحت سيطرة قوات جهاز الحزام الأمني، ويتم تعيين إدارته، من قبل القوات الإماراتية، المشاركة ضمن قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، والتي تتخذ من معسكر البريقة مقرا لها، بحسب تأكيدات مصادر مطلعة، لـ(الموقع بوست).
وذكرت المصادر أن 8 إدارات توالت على إدارة السجن، منذ تحرير عدن من المليشيات، مشيرة إلى أنه تم اغتيال المدير الأول لسجن المنصورة، وهاد عون، في حين تم إقالة الباقين، وتعيين آخرين، دون الرجوع إلى السلطات المعنية بوزارة الداخلية، وإدارة أمن المحافظة.
معضلة التحقيقات
وإلى جانب الازدحام الشديد والتكدس الذي يعانيه السجناء داخل سجن المنصورة، ثمت مشكلة أخرى، تؤرق السجناء، تتمثل في ملف التحقيقات، حيث يتم تصفير الملف مع كل إدارة جديدة يتم تعيينها من قبل جهاز الحزام الأمني، والقوات الإماراتية، إذ أن كل إدارة جديدة للسجن، تشرع في إنشاء ملف تحقيقات وإجراءات جديدة، للمعتقلين، وهذا ما يسبب معاناة حقيقية لمئات السجناء، وكذا لأسرهم التي فقدت عائلها، بعد أن تم اعتقاله بتهم الاشتباه بالانتماء لجماعات إرهابية، إضافة إلى ذلك، تمرد تلك الإدارات المتعاقبة على توجيهات وأوامر مدير أمن المحافظة، اللواء شلال شائع.
“يونس هرهرة”، إمام مسجد أبي بكر الصديق بحي ريمي في المنصورة، اعتقلته قوات الحزام الأمني من منزله مطلع مايو الفائت, وبعد مرور قرابة خمسة أشهر على اعتقاله لا يزال ملفه معلقا.
وذكرت المصادر، أن “هرهرة” ما يزال محتجزا بالسجن المركزي دون أن يتم التحقيق معه، حيث تعاقبت على السجن المركزي طيلة الفترة الماضية ثماني إدارات، إلا أنها لم تفصل بقضية يونس.
وأشارت إلى أن إمام مسجد أبي بكر، اتهم بانتمائه لتيارات تكفيرية، إلا أنه لم تثبت عليه أي تهمة، وليس هناك أي أدلة على ذلك، فقد تقدم قائد المقاومة الشعبية بمديرية كريتر “مالك هرهرة”، ومدير مديرية البريقة “هاني اليزيدي” بطلب لمحافظ عدن عيدروس الزبيدي بالإفراج عن “هرهرة” مقابل ضمانته، وبناء على ذلك وجه محافظ عدن بالإفراج بضمانة “اليزيدي” والقيادي بالمقاومة “هرهرة”، إضافة لتوجيهات مدير الأمن باتخاذ الإجراءات القانونية بضمانة “اليزيدي”، و “هرهرة”، إلا أن إدارة السجن تلكأت، متعللة بأنها تتلقى كل توجيهاتها من قيادة القوات الإماراتية والتي تتخذ من معسكر البريقة مقرا لها.
مئات المعتقلين وقضاء معلق
فتحت محاكم في عدن أبوابها منتصف مايو المنصرم لتعاود عملها، لكن بشكل متواضع، حيث اقتصر عملها على إجراءات التوثيق، وإثبات حالات ووكالات وغيرها, في حين ظلّ الجانب الجنائي معلقا لأسباب يعزوها المسؤولون للوضع الأمني المتدهور.
مئات المعتقلين ينتظرون فتح أبواب المحاكم والنيابات للفصل بقضاياهم، بعد أن تعبت أجسادهم ونحلت في عنابر غير صالحة لمعيشة بني البشر, إلا أن المحاكم والنيابات لن تعاود عملها الجنائي خلال الفترة القادمة، كما أكدته مصادر مطلعة لـ(الموقع بوست).
وتعليقا على ذلك يقول المحامي والناشط الحقوقي “فواز العويضاني”: “إن القضاء سلطة مستقلة لا تحتكم إلا لسلطان القانون، ومن هنا تكمن أهمية وجود القضاء حيث أنه يمثل شوكة ميزان عدالة الدولة التي من دونها يختل الميزان، بالتالي تعم الفوضى في هذه أو تلك البلاد، وبتعبير آخر هي العمود الفقري للدولة باعتبارها إحدى سلطات الدولة و بغيابها يغيب سلطان الدولة”.
ويضيف في حديثه لـ(الموقع بوست): “فأثر غياب القضاء من الناحية النفسية بالغ الخطورة حيث أن المواطن الذي يمارس عليه الظلم ولم يجد سلطة القضاء لترفع عنه الضيم يتولد لديه الإحساس بغياب العدالة مما يجعله يقدم على تطبيق العدالة بنفسه هكذا يرى العدالة من وجهة نظره وهذه هي المصيبة. لنتصور لحظة إقدام كل مواطن على تطبيق القانون بنفسه!”.
ويرى “العويضاني” أن دور القضاء هو دور جوهري في استقرار الأوضاع في البلاد مهمته إعادة الحقوق المسلوبة لأصحابها والقصاص من المجرمين والفاسدين، مشيرا إلى أنه لكي يعمل القضاء بطريقة سليمة ولضمان الاستمرارية بقوة وصلابة، يجب على السلطة التنفيذية توفير الإمكانيات للسلطة القضائية وتذليل كل الصعاب لها في سبيل إقامة العدالة وإحقاقا للحق الذي من المؤكد سيؤدي إلى الإستقرار.
ويذكر: “أنه يجب على القضاء أن يكون حازما لا يخشى في الله لومة لائم، فالانتهاكات التي تقع اليوم لا تصدر من الأفراد فحسب بل أيضاً من السلطات الأخرى لذا إلم يكن للقضاء القوة الكافية والقدرة على محاسبة أي جهة أو شخصية مهما كانت فستبقى الفوضى منتشرة ولن ينعم المواطنون بالأمن والاستقرار”، مؤكدا أن غياب السلطات القضائية يعد في حد ذاته غيابا للدولة.
إخفاء قسري وسجون سرية
“سند عمر العزاني”، “40 عاما”، أحد سكان مديرية المنصورة يعمل ممرضا في مستشفى الجمهورية بخور مكسر، إلتحق بصفوف المقاومة الشعبية لحظة اندلاع الحرب مطلع العام المنصرم، اعتقل في منتصف يونيو الفائت الموافق الثالث عشر من شهر رمضان من أمام سوق الحجاز وسط مديرية المنصورة.
تقول شقيقة “العزاني” إنها بحثت عن أخيها في كل السجون بالمدينة وقابلت مدير مكتب مدير الأمن العام العقيد عبدالدائم أحمد، والذي أنكر وجود أخيها سند في السجون التابعة لإدارة الأمن.
وتضيف في حديثها لـ(الموقع بوست): “لم أقتنع برد المسؤولين وبحثت بنفسي عن طريق بعض معارفي والذين أكدوا وجود شقيقي سند في معسكر القاعدة الإدارية في خور مكسر والمعروف بمعسكر طارق”.
واستطردت شقيقة المعتقل “العزاني”: ” تمكنت من دخول معسكر القاعدة الإدارية بعد حوالي شهر من إعتقال شقيقي وتمكنت من مقابلته ل 3 دقائق فقط عقب محاولات حثيثة لإقناع الجنود بالسماح لي بالدخول للمعسكر”.
وأشارت “إلى أنها لم تتمكن من زيارته مرة أخرى ليظل مصير شقيقها لا يزال مجهولا منذ أكثر من شهرين في ظروف إنسانية صعبة حيث أن معسكر طارق لا يعد سجنا رسميا ولا يمتلك أي مقومات لكي تمكنه من أداء هذه المهمة”.
وتابعت: “سند هو المعيل الوحيد للأسرة و هو والد لثلاث فتيات أكبرهن في العاشرة من عمرها , فيما والدته المقعدة على السرير والمصابة بداء القلب تسأل عنه باستمرار إلا أننا نقول لها أن سند في دورة عسكرية بالمقاومة وذلك لكيلا تتدهور حالتها الصحية”.
“سند العزاني”، كغيره من عشرات المواطنين الذين تم إخفاءهم قسريا من قبل الأجهزة الأمنية بعدن في إنتهاك صارخ لحقوق الإنسان وللمواثيق الدولية وقبلها لدستور الجمهورية اليمنية.
تقول مصادر حقوقية لـ(الموقع بوست) إن عدد المخفيين قسريا في سجون العاصمة المؤقتة عدن يتجاوز 100 حالة ينتمي جزء كبير منهم لمحافظات “عدن ولحج وأبين”.
وأضافت أن عدد السجون في العاصمة المؤقتة يقارب 8 سجون, 4 منها تسمح ب الزيارات، في حين الأربعة الأخرى مخصصة للمخفيين قسريا، إضافة لسجون أخرى سرية ومستحدثة عقب انتهاء الحرب.
ولفتت المصادر الحقوقية، إلى أن إدارة الأمن العام وقوات الحزام الأمني يقتسمان هذه السجون بواقع ثلث لإدارة الأمن وثلثين للحزام الأمني.
وتضيف “أن عددا من المخفيين قسريا متواجدون في سجون سرية بعدن, ويتعرضون لعمليات تعذيب بشعة من صعق بالكهرباء، ضرب مبرح وتعليقهم بالأسقف عبر ربط أيديهم بالقيود”.
المصادر أكدت أن جميع المخفيين قسريا تم إعتقالهم بتهم الاشتباه بالانتماء للتنظيمات الإرهابية, حيث تم الإفراج عن عدد منهم خلال الفترات السابقة وقد تعرضوا لأذى نفسي عميق وآخر جسدي.
وتسعى عدد من المنظمات الحقوقية في العاصمة المؤقتة عدن إلى الحد من هذه الإنتهاكات عبر الضغط على السلطات المختصة، وتوعية الرأي العام بالحقوق القانونية وقد قامت مؤخرا بتنظيم وقفة إحتجاجية للتنديد بالانتهاكات التي طالت السجناء، في ظل توقف القضاء ومطالبة السلطات الأمنية بالكشف عن مصير المخفيين قسرا، واتخاذ الإجراءات القانونية في حق المشتبه فيهم .
المحامية والناشطة الحقوقية رئيس منظمة سواسية لحقوق الإنسان “هبة عيدروس”، كانت إحدى المنظمين لهذه الوقفة الاحتجاجية التي أعقبها عملية تسجيل لحالات المخفيين قسرا.
أكدت لـ(الموقع بوست) أنه تم تسجيل عدد (4) حالات اعتقال مابين إخفاء قسري و عدم تحقيق و توجيه اتهام من سلطة النيابة العامة وذلك من عائلاتهم اللاتي حضرن هذه الوقفة .
وأضافت “هبة عيدروس”: ” كما تواصلت معنا عدد من أسر المعتقلين بعدها وأدلوا ببعض بيانات المعتقلين من أبنائهم غير أن هذا العدد في تزايد مستمر لذا نطالب الجهات الرسمية بسرعة التحقيق مع المشتبه فيهم والإفراج الفوري عمن لا تثبت إدانته بجريمة واضحة مع الالتزام بإشعار ذوي المقبوض عليهم الذين يأتونهم سائلين عن أبنائهم حتى يطمئنوا عليهم ويتوقفوا عن البحث عنهم”، مشيرة إلى أن عملهم كحقوقيين سيستمر في الضغط على الجهات المختصة إلم في حال عدم الإستجابة والتعاون من قبلهم.
*الموقع بوست