د/ عبده سعيد المغلس :
أثارة قرارات الرئيس هادي بتغيير محافظ عدن اللواء عيدروس الزبيدي وإقالة وزير الدولة هاني علي بن بريك وإحالته للتحقيق ردود فعل أخرجتها من سياقها الطبيعي المتمثل بالحق الدستوري الذي مارسه رئيس الجمهورية , وفقا لتصورات انطلقت من ردود فعل سياسية ليس لها علاقة بالدستور وصلاحيات رئيس الجمهورية , ولهذا يجب معرفة اليمين الدستورية ودلالاتها وجريمة الحنث بها والنصوص الدستورية المخولة لرئيس الجمهورية اتخاذ قرارات الإقالة والعزل والإحالة.
لليمين الدستورية أهمية ومكانة دينية ودستورية حيث يبدا باسم (الله العظيم) ويختم بإشهاد الله على ما يقول لذلك من الضرورة أن نفهم كمواطنين تلك الأهمية والمكانة, حتى نعي الجرم الذي يمارسه المسؤول الحانث لهذا القسم العظيم .
واليمين الدستورية يؤديها من يتولى أحد المناصب الدستورية الهامة في الدولة, واصبح جزءاً أساسيا من الثوابت الدستورية والقانونية والثقافية للدول, وهو قسم يؤديه مسؤولي سلطات الدولة قبل مباشرة مهام مناصبهم وذلك بناء على نص وارد في الدستور, ويعتبر ذلك بمثابة عهد وميثاق .
نص القسم.
“أقسم بالله العظيم أن أكون متمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله، وأن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته رعاية كاملة، وأن أحافظ على وحدة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه والله على ما أقول شهيد”
الدستور وأهميته وجريمة الإنقلاب عليه:
وصف القانونيين الدستور بقولهم” الدستور هو عنوان الوطن ، الذي اتفق عليه معظم أبناء الوطن ، وتم فيه توصيف الدولة وتوجهاتها ومؤسساتها ومبادئها الأساسية ، والحقوق والواجبات ، والحريات ، والتزام الدولة تجاه المواطن ، وأسس العدل والمساواة ، وآليات التغيير والتعبير الديمقراطي. ومن ثم كانت جريمة الانقلاب على الدستور جريمة خيانة عظمى ، لأنها هدم للدولة بأكملها ، واعتداء على ثوابت الشعب ، وسلبه حقوقه وإرادته في هذاالدستور.
فالمسؤول حين يقسم هذه اليمين العظيمة التي بدأها بأسمه تعالى وختمها بإشهاد الله عليه وألزم نفسه أمام الله أولا وأمام رئيس الجمهورية ثانيا وأمام شعبه ثالثا بما يلي:
١-التمسك بكتاب الله وسنة رسوله.
٢-الحفاظ مخلصاً على النظام الجمهوري.
٣-إحترام الدستور والقانون.
٤-رعاية مصالح الشعب وحرياته رعاية كاملة.
٥-المحافظة على وحدة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه.
(يتفق المشرعون وأهل القانون على أن الإخلال بأي نص من النصوص الملزمة في مواد الدستور النافذ إنما هو إخلال بالتعهدات التي يلزم بها المسؤول المعني باليمين الدستورية نفسه أمام الله وأمام الشعب عند أدائهم اليمين الدستورية، سواء اتصل ذلك بالمسؤولية الشخصية المباشرة بحسب صلاحيات الموقع واختصاصاته، أم في إطار المسؤولية الجماعية المعبر عنها في المشاركة بهياكل النظام الحاكم وإدارة العملية السياسية) وهذا الإخلال بأي بند من هذه البنود هو حنث باليمين الدستوري يترتب عليه فقد الأهلية لإشغال المنصب الذي أدى المعني بموجبه تلك اليمين، وهو أيضا انتهاك للدستور نفسه يوجب العزل أو الإعفاء والإحالة إلى التحقيق والمحاكمة بموجب أحكام الدستور المخولة رئيس الجمهورية بذلك وفقا لنصوص المواد 110, 119 فقرة 9, 139 فقرة 1-2 .
صلاحيات رئيس الجمهورية بنصوص الدستور اليمني.
مادة ( 110) يعمل رئيس الجمهورية على تجسيد إرادة الشعب واحترام الدستور والقانون وحماية الوحدة الوطنية ومبادئ وأهداف الثورة اليمنية ، والإلتزام بالتداول السلمي للسلطة، والإشراف على المهام السيادية المتعلقة بالدفاع عن الجمهورية، وتلك المرتبطة بالسياسة الخارجية للدولة، ويمارس صلاحياته على الوجه المبين في الدستور.
المادة (119) فقرة 9 المحددة لمهام رئيس الجمهورية (تعيين وعزل كبار موظفي الدولة من المدنيين والعسكريين وفقاً للقانون).
المادة ( 139) الفقرة الأولى والثانية.
١-لرئيس الجمهورية ولمجلس النواب حق إحالة رئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء إلى التحقيق والمحاكمة عما يقع منهم من جرائم أثناء تأدية أعمال وظائفهم أو بسببها، ويكون قرار مجلس النواب بالاتهام بناءً على إقتراح مقدم من خُمْسَ أعضائه على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.
٢-يوقف من يتهم ممن ذكروا في الفقرة ( 1) من هذه المادة عن عمله إلى أن يفصل في أمره ولا يحول انتهاء خدمته دون إقامة الدعوى عليه أو الاستمرار فيها.
القرآن الكريم ونقض العهود.
ذلك من الناحية الدستورية وأما من الناحية الدينية فقد توعد الله الناكثين لعهودهم وأيمانهم والكاذبون بالخسران وبالعذاب والعقاب عبر العديد من الآيات نذكر منها على سبيل المثال:
(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) آل عمران 77.
(وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) الرعد 25.
(الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) البقرة 27.
(أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) البقرة 100.
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) النحل 91.
(لَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ إِنَّمَا عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) النحل 95.
لذلك شرعا ودستورا عدم الألتزام بأي بند من بنود اليمين الدستورية يعتبر هدم للدولة ونظامها الجمهوري ووحدتها وسلامتها واستقرارها مما يستوجب من رئيس الدولة اتخاذ ما يلزم لحماية الجمهورية والدستور والوحدة الوطنية وهذا ضمن مهامه الدستورية.