د. محمد الرميحي
العنوان السابق جزء من تصريح لمندوبة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، وحتى قبل أن يتضح الدور الذي أدّته إيران في الحث على احتجاز، ومن ثم إطلاق سراح المختطفين القطريين، الذي أخذ مساومات طويلة من أذرعة تابعة لإيران في كل من العراق ولبنان، تبين مرة أخرى أن الدولة الإيرانية ليست بعيدة عن رعاية الإرهاب من أجل تحقيق مصالح سياسية. تلك حقيقة ثبتت في أكثر من منعطف في العقود الأخيرة. لا أحد يعرف حدود اللهجة التصعيدية الأمريكية تجاه إيران، وما هي الخيارات المتاحة للإدارة الجديدة لخفض شهوة إيران التوسعية، الحديث يجري عن ضغوط ومحاصرة اقتصادية وقوائم تتبع، إلا أن تلك الخيارات (صغرت أو عظمت) بطبيعتها سوف تؤدي إلى توتر، قد تتحسب له طهران، بزيادة استخدام أذرعتها المنتشرة في عدد من الدول العربية المجاورة؛ لإثارة الفوضى وتخريب السلم الاجتماعي، وإراقة دماء عربية أكثر غزارة في العراق وسوريا واليمن! في كل ذلك تتوسل طهران التصيد في لجة ضبابية هي (الإرهاب)، وتدعي من خلال إعلامها وبقلم كبار مسؤوليها أنها (تحارب الإرهاب) حتى أصبح (الإرهاب) الصنم الذي يرجم من كل صوب، حتى من صانعيه، لأنه نحت ليرجم.
ومع صراع العمامتين في السباق الانتخابي القادم في إيران، يتأكد للشعوب الإيرانية أنه لا فكاك من حكم رجال الدين وبطريقتهم، حتى لو كان بعضهم قد شارك في التصفيات الجسدية باسم القانون للمعارضين. التصعيد الأمريكي ضد إيران لأصحاب العقول محزن للشعوب الإيرانية التي تبتغي الفكاك من نظام كهذا، وتتمنى الدخول إلى سكة التنمية التي حرمت منها، وجاهد مصلحوها منذ بداية القرن العشرين للعمل من أجلها، بدءا بـ«إصلاحات المشروطية» في أوائل القرن الماضي، مرورا بمحاولات محمد مصدق في وسط القرن، وانتهاء حتى بمحاولات الإصلاحات لمحمد رضا بهلوي بعد ذلك، كان المأمول أن تقوم قائمة إيران على أساس من التنمية والعدل في الداخل، والسلام مع الجوار والعالم في الخارج، رجال الدين في السلطة أخذوها إلى سكة أخرى، سكة مليئة بالضبابية القومية والشهوة التوسعية القائمة على خرافات، لم تتأخر في بعضها أن يقول أحد المسؤولين فيها للبسطاء إن (الولايات المتحدة تعطل من ظهور المهدي)!
وعندي أن مثل هذا التصريح يساوي بل يفوق الطبيعة التدميرية الصلبة التي تقوم بها طهران في الداخل وفي الجوار؛ لأن تدمير العقول هو الطريق إلى السيطرة والتحكم والحشد لتحقيق أهداف ضبابية وظلامية في الوقت نفسه. لقد حملوا الجماهير الإيرانية على تضحيات فوق طاقتها، وبددوا الموارد، وهي محدودة، ووجهوها إلى مناطق الحشد وشراء الذمم وتمويل المليشيات، وإغراء البسطاء والتغرير بالسذج، وفي الوقت نفسه حرمت الجماهير الإيرانية من حلم التنمية، وأبدلوا بها وهم التوسع!
العاقل في إيران لا بد أن يتساءل ما فائدة أن ترصد ميزانيات وتوجه أسلحة وتفتح معسكرات تدريب على العنف في لبنان مثلا، فقط من أجل شق صفوف المجتمعات العربية في لبنان والجوار، وبسبب صدفة الميلاد في مذهب معين، يؤخذ جل شبابهم إلى حروب بالوكالة للدفاع عن المستبد في دمشق، وقتل أشقائهم السوريين! لم يعد تحريك تلك المجاميع إلى الحدود مع إسرائيل ممكنا أو قادرا على التأثير في الجمهور العربي، فكل الجهود هناك لم تكسب حتى شبرا واحدا، وهي لن تفعل، ثم ماذا يمكن أن تُحقق إيران على المدى المتوسط والبعيد في العراق، جزء يتوسع من الرأي العام العراقي يحمل مقاومة ظاهرة أو مستترة للنفوذ الإيراني، كما أن طبيعة الشعب العراقي بمكوناته ترفض الخضوع لقوة خارجية، فإن تجاوزت النظر خلف المجموعة السياسية المستفيدة من الوجود الإيراني الذي يشكل اليوم حمايتها في بغداد، فلن تجد في النسيج العراقي من يحمل الود للتدخل الصارخ في شؤون العراقيين واستنزاف ثروتهم، الثابت أن المسألة مسألة وقت لا غير كي ينتفض العراقيون ضد ذلك التدخل، كما تُسمع نتائجه السلبية الوخيمة في إيران نفسها.
أما التدخل الإيراني في اليمن فقد سبب نكبة لكل أهل اليمن، المأساة الكبرى هي في محاولة فرض (أمثولة «حزب الله» في لبنان على اليمنيين) وهي الأمثولة التي لا يعرف متخذو القرار في طهران غيرها، بل تفرض أشكالها في كل مكان يمكن للوجود الإيراني أن يزرع فيه شيئا من نفوذه.
من الثابت اليوم أن مشروع ولاية الفقيه يفرز تناقضه من جهة، وإفلاسه من جهة أخرى، وبمنع محمود نجاد من الترشح يظهر الوجه المزيف للديمقراطية الإيرانية المدعاة، فهو ليس رجلا معاديا للنظام أو إصلاحيا يخاف منه زعزعة ما بُني، ولا هو الليبرالي، كما اتهم أبطحي وخاتمي وموسوي وكروبي وغيرهم، هو من أهل البيت الداخلي، مع ذلك منع من الترشح، وقد قال بعد ذلك إنه سوف يمتنع عن إثارة (الفتنة)!! ماذا بقي من شعارات لبيعها على المستضعفين، حقيقة المنع غير المعلن أن النظام في إيران تحوط من عودة روح الثورة الخضراء، التي أشعلها وصول نجاد الثاني إلى الرئاسة، وقد منع «حزب الله» مؤخرا عرض فيلم في بيروت يحاكيها!
التنافس على المواقع السياسية الرئيسية، الذي يفترض أنه تنافس طبيعي في أي مجتمع، هو بمنزلة (فتنة)، من جانب آخر فالسيد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني يكتب في مقال له مؤخرا بالنص (بوجود علاقة مباشرة بين التطرف والديكتاتورية)، ويبدو أن السيد ظريف يعتقد أن (الديكتاتورية) هي ما يفعله الآخر، أما النظام الذي يعيشه فهو (قمة الديمقراطية)، والنظام الذي يدافع عنه في سوريا ديمقراطي إلى العظم! هذه الضبابية أو عملية الإنكار لا تقف أمام باب التنظيم السياسي للدولة الإيرانية بل تتعداه إلى بقية الأنظمة، فمن جانب آخر الوضع الاقتصادي يتدهور في إيران من خلال تراجع سعر العملة وزيادة حجم البطالة من الشباب، وانتشار الفساد، كما أن هناك تضييقا على الحريات حتى أبسطها وأكثرها إتاحة للشعوب، فحتى وسائل التواصل الاجتماعي محرمة! ماذا بقي من شعارات لبيعها على المستضعفين غير تلك التي لها علاقة بالخرافة والأساطير.
لقد بنى النظام الإيراني مجموعة من الأساطير وصدقها، وهي على الأرجح أساطير ثلاثة كبرى، الانتصار للمستضعفين ضد المستكبرين، وتوزيع الاستضعاف والاستكبار يجري حسب التكييف السياسي، ففي سوريا مثلا المستكبرون هم الشعب السوري الأعزل، والمستضعفون هم نظام بشار الأسد وترسانته الحربية والكيماوية! أما الأسطورة الثانية فهي الادعاء بأن جميع أتباع المذهب الاثنى عشري، يجب أن يكون ولاؤهم المطلق للولي الفقيه، يأمرهم فيطيعون، وهي أسطورة لا يقبلها العقل أو القانون الدولي أو التنظيم الحديث للدول، الفكرة التي لوثت عددا من المجتمعات العربية بمرض الطائفية البغيض، وإشاعة الكراهية في المجتمع الواحد. والثالثة هي الصراع مع إسرائيل تحت شعار أجوف هو المقاومة! وإسرائيل هي التي حصل منها النظام في وقت ما على الأسلحة!
سيقف الشعب الإيراني متحيرا بين إبراهيم رئيسي وحسن روحاني ليختار واحدا منهما دون كثير اختلاف بينهما في المنهج أو الهدف، فبعد ثلاثة أسابيع من اليوم سيعرف العالم أن الانتخابات لم تفرز شيئا مختلفا عن الماضي، غير تكرار خيبات الأمل في الداخل، وزيادة التوتر في الجوار. إلا أن الأهم من ذلك أن الخطة لمواجهة التوسع الإيراني لا تزال غامضة أو غير جاهزة، وحتى ذلك الوقت سوف تبقى المنطقة تنزف، ولكن من الدم العربي!!
آخر الكلام:
هوشيار زيباري (وليس غيره) قال: إطلاق سراح الصيادين القطريين مهزلة من صنيعة إيران و«حزب الله»، نقل التصريح موقع التلفزيون الروسي الناطق بالعربية!