بلال الطيب:
«الإمامة» مشكلة اليمن الكبرى، هذا ما خلص إليه الشهيد محمد محمود الزبيري، في كتابه «الإمامة وخطرها على وحدة اليمن»، معرفاً إياها: بأنها فكرة مذهبيـة طائفية يعتنقها من القديم فئة من الشعب، وهم «الهـادوية»، وأن باقي اليمنيين لا يـدينـون بها، ولا يرون لها حقـاً في السيطرة عليهم، مشيـراً إلى أن التَحكم الإمامي خلق شعـوراً مريراً لدى الغالبية، وابقى الانقسـام ظلاً قاتماً رهيبـاً يخيم على البـلاد.
تـعاقب على حُكـم «الإمامة الزيـديـة» عبر تـاريخها الطويـل، حـَوالي «100» إمام، وما من واحـد من هـؤلاء، إلا ووصل إلى الحكم على نـهـرٍ من الدمـاء، إما في حـروب عبثيـة اعتـادوا العيش في أجـواءها، أو في صراع أسري بين إمـام وأخـر، وقد سجـل التاريخ وجـود أكثر من «دولة»؛ وأكثر من «إمام»؛ في نفس «المُربع الزيدي»، وفي المقابـل، أعيانا البحث عن حسنه واحـدة، وأثر جميل لهؤلاء الأئمة، فـلا شيء غير الـدم والبارود، وجراحات مـا زالت غائـرة.
استجلب «الأئمة الزيود» جميع مساوئ التاريخ، وغلفـوها بمساحات شاسعة من «القهر»، و«الذل»، و«الحرمان»، وشـرعنوا لحكم «سلالي ـ كهنوتي»، كـان ومـا زال سبـبـاً لجميـع رذائـلنا الاجتماعية والسيـاسية، أبدعـوا وبدعوا في الاستيلاء على البلاد، وفشلوا في إدارتها، لأن مشروعهم في الأساس قائـم على السيطرة والاستحواذ، لا الإدارة والحكم؛ قـادوا البلاد والعباد بما أملته عليهم رغباتهـم الفجـة، وفَصلُوا فقهاً سياسياً يشملهم بكل الخيرات، ويستثني كل اليمن.
مـارسوا العبث على «عباد الله»، في حياتهم وممتلكاتـهم، فـ «الاستبـداد المُطلق» كان عنـوان حكمهم، وهويتـه اللصيقـة به، و«الطغيان الأحمـق»، كان سلوكهم اليـومي الذي يتباهون به، حاربوا منـابع التنـوير، من مـدارس، وجامعات، ومسـاجـد، وجعـلـوا منها خصما لـدوداً يستحـق التدميـر والنسـف، ورأوا في المُتعلميـن، ودعـاة الحـرية، أعـداء لهم وللـدين، وأغـرقوا القبائل المساندة لهم، في الجهـل والتوحش، جرعوهم «المعتقدات المسمـومة»، ثم أطلقوهم على الفـريق الآخر كـ «الذئـاب المسعورة».
كانوا يقولـون أنهم يَحكمـون بـ «أمر الله»، وبـاسم «الحق الإلهي»؛ في صـورة مشابهة لتلك التي حدثت في أوربا إبان العصور الوسطى، مكررين ما قاله «جيمس الأول» ملك بريطانيا ذات يوم، بـ «أن الملوك يـَمشُـون على عـَرش الله في الأرض»؛ وما مـن استبداد سياسي – كما قال الكواكبي – إلا ويتخذ لنفسه صفة قدسية يشارك بها الله، والطغاة ـ كما قال علي الوردي ـ يعبـدون الله، وينهبـون عباد الله في آن واحد.
وهذا الشهيد «الزبيري»، يصف حكمهم بأنه حكماً مطلقاً من كل القيـود، حتى من قيود الاعتبارات الدكتاتورية نفسها، وأن الإمام يعتقد أن سلطته من السماء، وأن الله هو الذي اختاره ليحكم هذا الشعب، وألهمه أن يعمل، وأن لا يعمل؛ وأن الله هو الذي جعـل من تصرفاته شرائع، تنسخ الشرائع؛ ودينا ينسخ الأديان، ولا ضير أن يتحول ابناء الشعب إلى مجرمين ولصوص وقطاع طرق، تباح دماؤهم وأموالهم، وأعراضهم، بمجرد أن يغضب الإمام، أو يغضبوا عليه.
«الإمامـة الزيدية» بخارطتها الحالية، تعيش أسرع تمدد؛ وأسـوأ انكماشة؛ وعبد الملك الحوثي الإمام المتوج رقم «101»، لم يحيـد قيـد أنملة عن تلك الوسائـل العُنصرية والاستعـلائية التي انتهجها أسـلافه، بل كـان الأسـوأ، والأغبى، والأكـثر تهـوراً؛ بسرعة خاطفة التهم الجغـرافيا، وبعنجهية متـوارثة أذل الانسان، بمساعـدة لاعبين «محليين» و«أجانب»، كانـوا يرونه وسيلة انتقـام لا أكـثر.
وبتحليل نفسي عمـيق، لشخصية هذا الإمام «الجعنـان»؛ نجد أنه شخـص مَـريض، مَطحـون بمشـاعر الـدونية والعجز، تُسيـره طموحات غيبية اتكالية، ذات طـابـع كـابوسي؛ أنتقـم من الجميع شر انتقام، ولم يستثني حتى نفسه، وجمـاعته، وأولئك السُذج الذيـن ساندوه؛ وما زال حتى اللحظة يهرول صوب حتفـه؛ منتشيـاً بـ «الصرخة»؛ وزعيـق «ما نبالي»!!.
وبالعـودة إلى أدبيات الشهيد «الزبيري» ومقولاته الخالدة، نجد أنه قد تنبأ وهو في ذروة نضاله، وقمة عطائه، بـأن معارك المستقبل وأحداثه ستدور حول هذه الكارثة المسماه «الإمامة»، وأن مشاكل كثيرة ستنبعث منها، وستستغلها القـوى العربية والدولية، شئنا ذلك أم أبينا، وأن اليمن ستتعرض بسببها لأخطـار لا نهاية لها.
وللخروج من هذه المعضلة، وهذه اللعنة الأزلية، قال «الزبيرى» ناصحاً شعبه المسكين: «فإذا أراد اليمنيون أن يجنبوا بلادهم كل هذه الاحتمالات الرهيبة، ويحتفظوا باستقلاليتها، وسيادتها، ووحدتها، وبقاء اسمها على الخريطة، فليشطبوا على هذه الخرافة التي تعطي لنفسها حقاً مقدساً في الحكم لفئة معينة من الناس، وليتيحوا لكافة فئات الشعب فرصاً متساوية في الحكم، ذلك هو الحق الواضح المستقيم، لا نذكره تعصباً لفريق من اليمنيين دون فريق، وانما نذكره حرصاً على وحدة الشعب بأسره، وعلى حريته واستقلاله».