محمد الربع:
إلتقيت بأحد القيادات السياسية الذين شردهم الحوثي من البلاد، في عرس أحد الأصدقاء قبل فترة
سلم علي وقال لي : إسمع، أنا في 2011م كنت أشوفك بالتلفزيون وأشتمك، لأننا كنا مع علي صالح وكنا نروح نصلي بالسبعين بس اليوم والله اني أتابع برنامجك والكلام الذي تقوله صحيح، وعلي صالح باعنا وباع البلاد للحوثي ببلاش واليوم إحنا مشردين بسببه .
قلت له : لو أنك إقتنعت بكلامنا في ٢٠١١م وأنت في بيتك لما إحتجت لأن تسمعنا بـ٢٠١٤ وقد صرت خارجه .
ما قمتم به هو أنكم فقط ساعدتم علي صالح على مضاعفة تكلفة بقائه “.
عندما يظهر الوباء، كلما كانت معالجته وإستئصاله مبكرا كلما كانت التكلفه أقل ، وكلما انتشر وتجذر كلما صعب علاجه وتضاعفة تكلفة فاتورة علاجه .
فضريبة السكوت تُدفع دائماً أكثر من ضريبة الكلام .
١١ فبراير هي اليد التي بادرت بالضغط على الجرح لتخرج التقيحات والأوساخ والجراثيم المتراكمة منذ عقود والتي كانت تنهش الجسد اليمني وأنهكته وجعلته جسما هزيلا يتسول الشفقه والمساعدة من الآخرين .
١١ فبراير جعلت الراقص يخرج ثعابينه للعلن .. فعرف الناس من يوجه عمليات القاعدة ويمسك بخيوطها ، ومن يمول الحوثي ويوسع نفوذه ، ومن الإنفصالي الحقيقي وأين كانت تطبع أعلامه . ومن كان يمول ثأرات القبائل ويغذيها ، ومن كان يشعل الحروب ويطفيها ، ومن يقف خلف شبكات خطف الأجانب وتهريب الآثار وتجار السلاح ومن يفشل فرص الإستثمار .
١١ فبراير كشفت للناس أننا بلد بدون جيش يحميه ويدافع عنه وإنما لديه فرقة عروض عسكرية مشكلة من عشرات الألاف تتواجد في إحتفالات قائدها للترويح عنه والإستعراض أمامه ، والشعب مجبر على أن يدفع من قوته رواتب هذه الفرقة الإستعراضية الخاصة ومن يريد الإستعانه بجندي منها يدفع تكاليف إضافية من جيبه .
١١ فبراير إكتشف العالم فيه شعب آخر غير الذي كان يصور له بأنه شعب قبلي مسلح ،أهله قطاع طرق وخاطفي سياح ، ومفجري عبوات وأحزمة وقاعدة ويصدر الإرهاب للعالم .
شاهد العالم صورة حضارية لهذا الشعب كان يجهلها . شاهد كبرياء المرأة اليمنية وإصرارها على تغيير واقعها، ونيل حقوقها ، ونضج وعيها ، وخروجها بعشرات الآلاف .
وهو الذي لم يكن يعرف عن المرأة اليمنية إلا أنها تلك الفتاة التي يجبرها مجتمعها على الزواج وهي طفله قاصرة من أجل الفلوس .
١١ فبراير لم تكن مجرد ثورة ضد علي صالح كشخص
ولكن كانت اعلانا لميلاد ثورة فكرية ووعي مجتمعي جديد ، أختصرت عقود من الزمن من التوعية والتثقيف وتعريف الناس بحقوقهم، وأنتجت مفهوم جديد للسلطة والحاكم، المسؤول الذي كان يوقع الإتفاقيات ويبرم الصفقات ويقرر الموازنات دون الرجوع لأحد ، صار اليوم يخاف من منشور بالفيس بوك ويسارع لتوضيح وجهة نظرة ونفي التهمة عنه .
ثورة ١١ فبراير قد تكون أكثر ثورة أقنعت مؤيدوها ومعارضوها بمشروعيتها، فكثير ممن عارضوها بالأمس تبنوا أهدافها اليوم ، حتى الحزب الحاكم التابع لـ علي صالح صار يتصدر معركه إزاحة صالح .
وهي الثورة التي أقنعت دول الخليج والعرب والمجتمع الدولي ومجلس الأمن بصوابها حتى تلك الدول التي قادت الثورات المضادة صار أبناءها وشبابها يقفون جنبا الى جنب مع شباب ثورة اليمن ويقدمون التضحيات لمواجهة خطر صالح وحلفاؤه .
١١ فبراير هي الثورة التي صارت ثورتين
– ثورة تقضي على مشروع حكم العائلة الإنتهازي .
– وثورة متزامنة تقضي على مشروع حكم السلالة الإمامي .
١١ فبراير لم يكن ترفا .. ولكنه يوم تأخر كثيرا.
ثورة فبراير ليست وجبه تُلتهم في يوم ولكنها فكرة تنضج ، وأهداف تتحقق ، وثقافه تتجذر ، تستمد روحها وأهدافها من روح ثورة سبتمبر وأكتوبر التي تم الققز على أهدافها وتجاهل من ضحوا لأجلها .
أما من مازالوا يقفون بجانب صالح حتى هذه اللحظة
حتماً سيأتي يوم ليعرفوا فيه بأنهم خسروا الكثير من أجل فرد كانوا يستطيعون بسهوله العيش من دونه ..
ولكنهم لن يستطيعوا تعويض ماخسروه بسببه .
لم تعد المشكلة اليوم متى سيتخلص اليمنيون من كابوس صالح فهو منتهي سياسياً .. وفي حكم المنتهي جسدياً سواء بالحرب أو بالأجل .
ولكن المشكلة الأكبر الآن هي كم من الوقت والجهد سيحتاجونه حتى يتعافى بلدهم من العلل والأمراض والحروب والتخلف والكوارث التي ورثوها عنه .
ولكن هم اليمانيون ..
حين كانت شعوب الأرض تتخذ من خيام الصحراء وأوراق الشجر مسكن لها .. أبوا هم إلا أن ينحتوا الصخر ليتخذوا من الجبال بيوت .
قد يصيبنا الوهن لكن حتماً سنتعافى .
وسنظل نحفر في الجدار اما فتحنا ثغرة للنور أو متنا على وجه الجدار .