ما إن غادر بايدن جدة، حتى هبط بوتين فى طهران، ترك الأول قمة العشرة مرهقا، ليلتحق الثانى فى قمة الثلاثة أكثر إرهاقا.
قادة العالم يجيئون إلى المنطقة بأرق جديد، وإرهاق مضاعف يلوذون بمنطقة طالما طوقها العالم نفسه بتعب مستمر.
حرب القمم لا دبلوماسية القمم ما يجري، فى عواصم العالم القلق وفى منطقة مرهقة هى ملعب التحولات الكبرى للمرحلة، وتبقى زيارة بايدن هى الحدث، الذى سيتحدث عنه العالم أطول.
نعم حضر الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى الشرق الأوسط، محملا بهموم لا يقوى عليها الرجل الثمانيني!. بدا بايدن منهكا جسديا كشخص، يقود إدارة مرهقة مشتتة بين يسار شريك لا يكف عن التذمر، ويمين معارض لا يكف عن خلق المشكلات وتصيد الأخطاء . يأتى إلى المنطقة مكرها، فلولا هذا الضغط الذى تحدثه الحرب الروسية الأوكرانية، وجنون أسعار النفط ، ما جاء الرجل إلى منطقة محبطة بحروبها وصراعاتها!. وقد سبق له أن أدار لها ظهره، ولم تعلق بذاكرته أشياء محفزة عندما زارها قبل ست سنوات، حينما كان نائبا للرئيس أوباما ينعم بظل يحبه، أفضل من دائرة الإشعاع هذه التى تحصى عليه هناته وهى كثيرات.
وضاعف الضغط النفسى من هَمٌ الرحلة الصعبة، ان الرجل مثقل بالوعود التى أطلقها أثناء الانتخابات، من وعد ترك الشرق الأوسط بجنونه وحروبه، إلى وعد جعله السعودية دولة منبوذة، إلى وعد مواجهة الصين.
الآن يبدو أن كل ذلك وعد ليل تكذبه شمس واقع مؤلم، فحرب روسيا وأوكرانيا تقلب الطاولة ولا أحد يدرى أين تنتهى الأمور والصين تكسب كل يوم، والنفط واحتياج العالم يعيد الاعتبار لدول الخليج، بل ويجعلها رقما صعبا.
ويدرك بايدن أن السعودية دولة وازنه وليست منبوذة، وأن الفراغ الأمريكى فى الشرق الأوسط، انعش قوى عدة صار صعبا تجاهلها الآن، والأهم هذا الحصار الذى تعيشه الإدارة الأمريكية من شراسة اليسار الأمريكى غير الراضى عنها والجمهورى المتربص للجولة القادمة وقرب الإطاحة بإدارة بدت مرهقة قبل بدء سباق محموم يجتاح العالم.
بدأت الرحلة المرهقة للرجل الذى ما يكاد يقف على رجليه حتى يخيل إليك أنه سيسقط، بدأت من فلسطين، استقبلته حكومة إسرائيلية مغادرة، ككل شيء فى هذه الأرض المقدسة مؤقتا.
لابيد هو رئيس وزراء إسرائيل المؤقت الذى سيرحل بعد شهرين. وحضر معه قادة منتظرون لملهاة انتخابات ديكورية وثبات موقف استيطانى ضد الحقوق الفلسطينية!.
وغير الصور التذكارية لم يحقق بايدن فى بيت لحم والقدس شيئا. وتتأكد حقيقة ألا خطوة ناجحة للتطبيع مالم تحل قضية الدولة الفلسطينية، ما عدا ذلك زوابع تنتهى ولا تمكث حتى بفنجان! .
يذهب الرجل إلى قمتين فى جدة، لقاءات الرجل الثمانيني، مع قيادات شابة، قيادات متطلعة للقادم، وهو رجل متعب ينظر للتاريخ خلفه، جلهم متحفزون لتغيير يرونه يعصف بالعالم، وهو يرجو أن يغمض عينيه ولا يرى التنين الصينى أو الدب الروسى جاثما على صدر المنطقة!.
يتحدث همسا عن خاشقجى والشارع من حوله يهتف يسأل عن شيرين أبو عاقلة! كيف يعقل أن كل مشهد القتل العلني، للصحفية الحاملة الجنسية الأمريكية لم يره الرجل !.
قال فى تصريح إن هناك توجها لعقد تحالف دفاعى لدول المنطقة المتخمة بالنفط والمحاطة بالمتربصين وسيكون فيه إسرائيل التى تقول إنها ستسهم فى الدفاع عن دول عدة وهى تطلب من يوقف فقط غضب غزة عنها ! .
فيخرج كل الحاضرين بعشرات الأخبار والتصريحات يعلنون ألا دفاع مشتركا، ولا تحالف ضد إيران، بل وعقد معظمهم لقاءات مع طهران يقولون ان صراع الجغرافيا مع الجار القريب لا نريده!، وكأن الزيارة التى جاءت موجهة ضد الخطر الإيراني، أضحت تخدم الولى القابع فى قُم الإيرانية دون جهد منه.
تحدث عن هدنة فى اليمن دون خطة واضحة لسلام يصنع استقرارا وخطوات لاستعادة مؤسسات الدولة الشرعية، وإنهاء الميليشيات! .
بايدن جاء إلى المنطقة كمن يسقط واجبا لا أكثر، يصافح ولى العهد السعودى بقبضة اليد معلنا اعتذارا غير منطوق عن وقف ملاكمة تجاوزها الوقت.
يتحدث فى جدة وعينه على يسار الحزب الديمقراطى الذى يحاصره فى واشنطن، وقلبه يخشى التنين الصينى القادم ضده!! والخوف ان يأتى نوفمبر القادم بانتخابات كاسحة لجمهوريين غاضبين يطيحون به أو يقيدون ما تبقى من حركته المنهكة.
خرجت الزيارة كما بدأت بكثير من الانتظار لا غير، و ببروتوكولات كلها رسائل سياسية أكثر منها تطبيقا لقواعد (الاتيكيت).
يصل مطار جدة فيستقبله أميرها، ويصل الضيوف الآخرون فيستقبلهم أمير البلاد!
هى رسالة عربية عن الأخوة، لامجرد بروتوكول، ولم ترفع حرارة الجو فى المدينة الساحلية ودرجة حرارتها التى تصل الخمسين، أى سخونة كما توقع إعلام متربص فى عواصم عدة، بل مرت سريعة وباردة. فالرحلة منهكة والمشهد لا يقوى حتى على الضحكة العابرة .
الكاتب سفير اليمن في المغرب
نقلا عن جريده الاهرام المصريه