تطل تباشير الذكرى الـ54 لثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة حاملة أخبار انتصارات مؤازرة يسطرها أبطال الجيش والمقاومة الشعبية الباسلة في جبهات وميادين القتال، لدحر بقايا ومخلفات الرجعية والسلالية والمذهبية والطائفية التي أسقطها الشعب اليمني في ثورته الخالدة عام 1962م،وحاولت من جديد بدعم من المشروع الصفوي الايراني استعادة حلمها الكهنوتي والاستبدادي للسيطرة على السلطة وبوسائل دموية وإجرامية تتفق مع أسلوبها كعصابات ومليشيات منفلتة من كل القيود الأخلاقية والوطنية والقبلية والدينية.
ويبرهن إحياء ذكرى ثورة 26 سبتمبر المجيدة بهذا الألق والبهاء الوطني والاحتفاء الشعبي، أنها لم ولن تكون مجرد ذكرى عابرة في كتب التاريخ، بل نبض حياة متجدد لإحياء المشاعر الثورية والنضالية اليمنية الخالدة، كيف لا وهي قد أعادت للإنسان اليمني عزته وكرامته ومكانته بين أمم العالم بعد قرون من الانغلاق والتخلف والاستبداد.
لقد صنعت ثورة 26 سبتمبر تحولات كبيرة وعظيمة في وجدان وطموحات اليمني، وخلقت فيه الدافع للانتقال من زمن القهر والظلم والكبت والحرمان والجمود والانغلاق في عهد الحكم الإمامي إلى مرحلة الانفتاح الوطني والعالمي، وشكلت بسمو أهدافها الستة رسالة وعنوان لعصر جديد من الحرية والتطور في تاريخ اليمن الحديث.
وما ان اندلعت ثورة 26 سبتمبر 1962م ضد الامامة والحكم الكهنوتي البغيض، حتى أوجدت بعد عام واحد الأرضية والعمق المناسب لانطلاق ثورة الرابع عشر من أكتوبر ضد الاستعمار، واستمرارها وانتصارها بنيل الاستقلال الناجز في الثلاثين من نوفمبر، ويتوج ذلك بالتحام والتحاق الثوار والفدائيين من مختلف الجبهات بإخوانهم في شمال الوطن للدفاع عن الثورة الجمهورية في حصار السبعين يوماً، في انصع دليل على واحدية الثورة اليمنية في سبيل إنهاء الظلم والظلام والتحرر.
فالانتماء والهوية المشتركة والإيمان المطلق بواحدية المصير وتلازم مسارات نضال الحركة الوطنية لم يقف التشطير عائقا أمامها، وهي من جعلت كتب التاريخ تسطر في صفحاتها بطولات غالب راجح لبوزة الردفاني وهو يطارد المخلوع البدر في جبال حجة عام 1962، وهي من دفعت كذلك عبود الشرعبي الى مطاردة الاستعمار في محميات عدن ولحج والضالع في 1963م.
ومن المؤكد ان احتفاء شعبنا بالعيد الـ 54 لثورة 26 سبتمبر المجيدة، هذا العام يختلف عن السنوات السابقة، كون هذه المناسبة الوطنية الخالدة تأتي في ظل ظروف ومتغيرات فرضتها انقلاب تحالف قوى مضادة للثورة وقيمها على الشرعية الدستورية وعلى إجماع اليمنيين على وثائق مؤتمر الحوار الوطني التي شكلت الأسس الجديدة لدولة يمنية اتحادية حديثة متحررة من مخلفات الفساد والكهنوت، إن محاولة تلك القوى البائسة والعقيمة إعادة عجلة التاريخ الى ما قبل الثورة يؤكد عدم إدراكها لمدى النضج والوعي الذي وصل إليه الشعب اليمني على مدى سنوات طويلة من انعتاقهم من الاستبداد والحكم الكهنوتي.
ويتجلى ذلك بوضوح في تحول غالبية الشعب اليمني الى جنود للوطن والوقوف الشجاع في وجه تحالف الشر الانقلابي للحوثي وصالح ومليشياتهم، وتشكيل مقاومة شعبية لإفشال مخططهم الطائفي بالاستيلاء على الحكم والسلطة بقوة السلاح واستعادة الدور الذي مارسه أسلافهم قبل الثورة في استعباد الناس وادعاء الاصطفاء الإلهي، ولم يتوانوا في سبيل ان يحققوا ذلك الوهم بعيد المنال ان يتحولوا الى أتباع ومأمورين من داعميهم في ايران الذين يستخدمونهم كسكين في خاصرة دول الخليج والمنطقة العربية لزعزعة الأمن والاستقرار خدمة لمشروعها التوسعي تحت غطاء إثارة المذهبية والفتن الطائفية وتزويد وكلائها بالسلاح والعتاد للقتال في سبيل هدفها.
لكن يقظة الشعب اليمني وأشقائه في الدول الخليجية والعربية، كانوا بالمرصاد لوأد ذلك المخطط الانقلابي الإجرامي، وها هي النسخة الأخيرة من النظام الامامي الاستبدادي في طريقها للزوال النهائي، وباتت تلفظ أنفاسها الأخيرة على وقع الضربات الموجعة للجيش الوطني والمقاومة الشعبية وبإسناد فاعل وقوي من التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة والامارات .
وبعد استعادة أكثر من 85 بالمائة من الأراضي التي سيطرت عليها الميليشيا الانقلابية، واستمرار التقدم نحو تحرير العاصمة صنعاء وتوالي الانتصارات في الجبهات الأخرى، وعودة الحكومة إلى العاصمة المؤقتة عدن بشكل نهائي لممارسة مهامها مباشرة، لم يعد امام هذه المليشيات المتمردة سوى التسليم أو الموت، وبعد ان رفضت الانصياع لمبادرات السلام وقرارات الشرعية الدولية وقبل ذلك إرادة الشعب اليمني .
وستظل الجرائم الوحشية التي ارتكبتها بحق الشعب اليمني وصمة عار تلاحقها على مدى التاريخ ومن المؤكد انها لن تفلت من العقاب الرادع والعادل.. فمنذ ما يقارب العامين على انقلابها مارست كل صنوف القتل والتنكيل والاختطاف والتدمير وتسببت بكارثة إنسانية ومعاناة غير مسبوقة في تاريخ اليمن.
وهي مناسبة ونحن نحتفي بذكرى سبتمبر المجيدة، ان نترحم على أرواح كل شهداء الوطن الأبرار، الذين لن تذهب تضحياتهم هدراً، ونوجه التحية كل التحية للأبطال الميامين في جيشنا الوطني ومقاومتنا الباسلة في كل الجبهات والميادين، والتقدير والعرفان لكافة دول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة.
ونثق أننا سنحتفي بأعيادنا الوطنية القادمة وقد تخلصنا من كابوس الانقلاب، للمضي نحو تحقيق تطلعات وحلم اليمنيين ببناء الدولة الاتحادية المنصوص عليها في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل في وطن آمن ومزدهر ومستقر.