ثانية تفرض التغيرات الحادثة في واشنطن نفسها بالحديث على مستوى العالم ولا يمكن لك في هذا المكان القصي من الكون إلا أن تتابع ما يجري في أمريكا لأن آثارها تصل إليك وتعنيك بشكل مباشر.
لأن العواصف التي تجتاح أروقة البيت الأبيض تسقط آثارها علينا أكثر من سكان الولايات المتحدة.
فعالم القطب الواحد المسيطر جعل ما يجري في واشنطن شأناً عالمياً وليس فقط أمريكياً حتى تغدو تلك النكتة مقبولة، وهي أن انتخاب الرئيس الأمريكي حقاً للناس في مختلف الدول وليس فقط حكراً على الأمريكيين.
كون آثار ما يتخذ هناك من سياسات يمسنا أكثر منهم ولهذا فأجندة المرشح الأمريكي تشمل مواقفه ورؤيته وسياساته تجاه الصين وروسيا و الشرق الأوسط والأدنى وكل أنواع الشرق!
وحتى تتبدل قوى السيطرة على العالم سيبقى إرتداد القرارات في واشنطن متحكماً في مجمل خطوات هذه المنطقة.
وليس مزحة القول أن المطر إذا سقط في واشنطن فعلى سياسيي الشرق الأوسط ان يفتحوا مظلاتهم!
وجزء من ذلك الرذاذ ما أصابنا من خطاب الإدارة الأمريكية الأخير حول الشرق الأوسط والقضية اليمنية التي أعطيت أولوية في الخارجية الأمريكية إلى درجة تسمية الدبلوماسي تيموثي ليندركينغ مبعوثا خاصا لليمن.
وأن يكون للإدارة الأمريكية مبعوثا خاصا لليمن فدليل إهتمام عالي بملف صار يمثل صداعا للكثيرين ولكنه مؤشر لطول المشكلة وليس لقرب الحل من وجهة نظري حيث تبدأ مرحلة صراع سحب أوراق اللعب من دوائرها الإقليمية والوطنية إلى دوائر دولية وإقليمية أخرى( وهذا أمر يحتاج تحليل ونقاش أوسع في وقفة أخرى ).
ولن يكون في الملف خروج لاعبين ولكن ربما إضافة آخرين وذلك مدعاة للقلق رغم أنه قد يكون أحيانا فرصة لفتح نافذة الأمل بحل سريع، ولكن (قد) هذه كما تقول العرب تأتي للتقليل.
وهذا الأسبوع أعلنت الخارجية الأمريكية خطة نية تراجعها عن تصنيف الحوثي كجماعة إرهابية وذلك من وجهة نظري ليس له علاقة بتغيير سلوك المليشيا القابضة على صنعاء ولا هو أيضا تغيرا في نظرة الإدارة الأمريكية لسلوك مليشيا الحوثي الذي تراه الإدارة الأمريكية أنه مستنكر واجرامي.
الأمر يعود إلى ضغط منظمات دولية وجماعات ضغط ذات صراع منافع. فخطوة تصنيف الحوثي جماعة إرهابية ليس له قيمة إذا لم يتم متابعته بإرادة دولية تبدأ من وزارة المال في واشنطن ولتنتهي بسلسلة من الملاحقات القضائية وخطوات تنفيذية على الأرض.
ودون ذلك تبقى قرارات التصنيف السياسي غير المعزز بالإرادة الفاعلة على الأرض وعدم وصول الأثر المباشر القوي الذي يجب أن يصيب الدائرة الضيقة لقادة المليشيا فإنه يبقى ليس له معنى كون القيادة المنزوية في كهوف اليمن لا تتأثر مباشرة بالضغوط المعنوية أو حتى الدبلوماسية لأنها تحتاج إلى الشعور بالضرر الشخصي المباشر.
فمنع أشخاص من فرص تحويل الأموال بأسمائهم الشخصية وتداول الحسابات وهم ليس لهم حسابات بنكية أصلا بأسمائهم الشخصية بل يؤمنون بطرق العصابات عبر النهب والسلب لا يترك الأمر أثرا لديهم.
ولتسهيل المعلومة للقاريء ( المتابع غير اليمني) عليه أن يعرف مثلا أن شخص مثل عبدالملك الحوثي قائد المليشيا في صعدة لم يركب طائرة يوما ولا يعرف معنى إجراءات السفر حتى يتم تهديده بها وهذا إذا كان لديه جواز سفر من أصله( وحسب بعض المعلومات المسربة ) فإن الرجل بالفعل قد يكون عرف السفر يوما عبر هروب ماكر إلى إيران حيث لا صورة له فعليه باليمن من فترة ولا لقاء مباشر مع أي شخص لا مبعوث دولي ولا قياداته فكل اللقاءات افتراضية وخطب عبر الفيديو ( وبالتالي إذا صحت رواية هروبه من اليمن فستكون المرة الأولى التي ركب فيها طائرة ولكن لم ير مطارا ولا إجراءات سفر).
ولتسهيل المعلومة أكثر علينا أن نقارن ذلك بشخص أيمن الظواهري في كهوف أفغانستان تماما حيث لا ظهور ولا معلومة عن مكان ولا وثيقة في نظام تداول إلكتروني لهذا تهديد البنوك للظواهري بعدم التعامل معه بنكيا تشبه ما يجري لعبدالملك الحوثي في صنعاء.
وعلينا أن ندرك أن ما يحدث في واشنطن من قرارات يصب أساسا في جوهر الصراع بين أجنحة الحكم وما يصل إلينا هو غبار المعارك فإدارة بايدن تزيل فخاخ إدارة ترامب أو بشكل دقيق فخاخ مايك بومبيو وزير خارجية ترامب الأكثر قدرة ومكراً من ترامب.
حيث ترك بومبيو وزارة الخارجية الأمريكية حتى آخر لحظة دون أن تصيبه لعنة ملاحقة ترامب ولاغضب محبيه وجنب نفسه ملاحقة خصوم ترامب ونجا بنفسه تماما ليكون مشروعا منتظرا بعد عامين من الآن منقذا للحزب الجمهوري ومرشحا فاعلا في السباق القادم.
وحتى الآن يمكن تصنيف خطوات الرجل بأنها الأذكى بين كل فريق النسور التابع لترامب فالرجل الضخم تحرك بخفة النحلة في حلبة الصراع ونجا من لكمات صديقه ترامب وركلات معارضيه معا.
وعلى طريق خروجه من الخارجية الأمريكية رمى الألغام في طريق إدارة بايدن ومنها قرارات تصنيف كوبا أو جماعة الحوثي أو الصين أو روسيا أو مفاوضات إيران.
لذا ما يجري من تخبط في إدارة واشنطن أمر طبيعي سيأخذ وقته حتى تستعيد الإدارة قدراتها في بناء رؤية متماسكة أخرى وسنجد التخبط يذهب يسارا ويمينا بحدة أكبر مع الأشهر الأولى لكل الوجوه العائدة للمشهد السياسي لأنها تريد أن تُحدث أثرا سريعا أو تتجنب فخا قائما فيحدث هذا الارتباك الذي نراه من إظهار الحرص على السلام وعودة خطاب الدفاع عن حقوق الإنسان وبنفس الوقت التمسك بالدفاع عن الأنظمة الحليفة ذات العلاقة الإستراتيجية الدائمة مع أمريكا
وهنا يصبح على كل صانع قرار على الأرض من دول وقوى هو ثباتها على الأرض وإصلاح بنيتها و إعادة النظر في علاقاتها مع الحلفاء في دائرتها الصغيرة سواء على مستوى البلد أو المنطقة فذلك الثبات والاستقرار في مؤسسات الواقع الملموس يحدد بوصلة العلاقات الدولية التي هي في الأساس مصالح جارفة لكل أشكال القيم، ولكن تأدب مدرسينا في قاعات الجامعة يطلقون عليها علاقات دولية.
الكاتب: سفير اليمن في المغرب
المقال: نقلا عن جريده الاهرام القاهريه