في الوقت الذي كثّفت فيه الأمم المتحدة من جهودها لوقف الحرب وإفساح المجال أمام الحل السياسي، فإنّ المليشيات الحوثية تواصل زرع المفخخات في هذا الطريق، على النحو الذي يستهدف تعميق الأزمة، وبالتالي تكبيد المدنيين كثيرًا من الأثمان الفادحة.
مليشيا الحوثي، المدعومة من إيران، تحدّت فريق المراقبين التابعين للأمم المتحدة، وصعّدت القتال مستهدفة مواقع القوات المشتركة شرقي مدينة الحديدة، وكذلك جبهات القتال في البيضاء وتعز، رغم الجهود التي يبذلها المبعوث الأممي لإبرام اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، والذهاب نحو الحل السياسي.
وأفادت مصادر عسكرية في القوات المشتركة قولها إنّه رغم وجود الجنرال الهندي جوها رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، رئيسًا للجنة تنسيق إعادة الانتشار وسط مدينة الحديدة، إلا أنّ المليشيات الإرهابية تجاهلته وفريق المراقبين التابعين له، وهاجمت مواقع القوات المشتركة في شرق مدينة الصالح بالحديدة، مشيرةً إلى أن القوات المشتركة تصدت للهجوم، وألحقت بالمليشيات خسائر فادحة.
وأكّدت المصادر أنّ وحدات من ألوية المشاة واللواء الثامن عمالقة تصدت لهجوم واسع شنته مليشيا الحوثي على وادي المجش ومثلث “الوازعية – البرح” وجبال رسيان في البرح، وخاضت معها مواجهة عنيفة، تمكنت خلالها من إفشال الهجوم، ووجهت للمليشيا ضربات نوعية تسببت في خسائر كبيرة في العتاد.
إقدام المليشيات الحوثية على هذا التصعيد وتحت مرأى “جنرال الحديدة” يمكن القول إنّه يُعبِّر عن سياسة التراخي التي تتبعها الأمم المتحدة في التعامل مع التصعيد الحوثي وعمل المليشيات على إطالة أمد الحرب وإفشال أي محاولات صوب الحل السياسي.
وعلى الرغم من آلاف الخروقات الحوثية لهذا المسار، لا تزال تتمسّك الأمم المتحدة بـ”اتفاق السويد” كسبيل للحل السياسي وبداية لوقف الحرب التي طال أمدها، في وقتٍ لا تتخذ فيه الأمم المتحدة الإجراءات اللازمة التي تضغط بها على المليشيات الموالية لإيران من أجل إلزامها بمسار السلام.
رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة “أونما” الجنرال أبهيجيت جوها، وصف إعادة الانتشار في الحديدة وفق اتفاق ستوكهولم بأنه “مفتاح السلام الدائم”.
وطالب في بيان له، بضرورة الالتزام أكثر من أي وقت مضى بوقف إطلاق النار في الحديدة، وسط مخاطر تفشي فيروس كورونا، وشدد على التزام البعثة الأممية بمواصلة تنفيذ ولايتها في محافظة الحديدة، مشيرًا إلى أن التحركات الأخيرة تهدف إلى نقل مواقع بعض من موظفي البعثة بشكل مؤقت.
وقال إنّ إعادة انتشار القوات المتفق عليه ضمن اتفاق الحديدة أمر أساسي لسلامة سكان المحافظة.
وتعثرت أعمال البعثة منذ انطلاق مهامها قبل نحو عام ونصف، وسط رفض مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران الالتزام بالاتفاق.
على الرغم من مرور نحو عام ونصف على توقيع اتفاق السويد بين حكومة الشرعية والمليشيات الحوثية، إلا أنّ هذا المسار الذي علقت عليه الآمال ليكون بداية الحل السياسي يتعرض للخروقات من قبل الحوثيين، على النحو الذي قاد إلى إفشاله.
مع ارتكاب الحوثيين آلاف الانتهاكات لبنود الاتفاق، تحاول الأمم المتحدة إعادة إحياء هذا المسار من جديد، عبر جهود دبلوماسية يبذلها رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحُديدة (أونمها) ورئيس لجنة تنسيق إعادة الإنتشار (RCC) الفريق أبهيجيت جوها.
وقبل أيام، كشفت مصادر مطلعة أنّ جنرال الحديدة يسعى إلى اتخاذ خطوات لإنعاش الاتفاقية، في وقتٍ لم يحقق فيه الاتفاق طيلة 16 شهرًا أي تقدم يذكر.
بالتزامن مع ذلك، فقد سحبت الأمم المتحدة فريق المراقبين التابعين لها في الحديدة بصورة مفاجئة، يوم السبت الماضي، من دون أن تنسق مع التحالف العربي الذي كان قرر تمديد هدنته لمدة شهر في اليمن، أو من دون التشاور مع القوات المشتركة التي تخوض معارك ضارية ضد المليشيات الحوثية في الساحل الغربي، وهو ما يشي بأنّ الانسحاب الذي جاء لأسباب صحية تحسبًا لانتشار فيروس كورونا يحمل في ثناياه شكل من أشكال التواطؤ مع العناصر المدعومة من إيران.
وكشف الناطق الرسمي باسم القوّات المشتركة في الساحل الغربي وضّاح الدبيش في تصريحات صحفية سابقة، عن مغادرة معظم أعضاء البعثة الأممية خلال الأيام الماضية، مشيرًا إلى بقاء ثمانية أعضاء فقط من الفريق من بينهم رئيسه.
واعتبر مراقبون أن تغيير الأمم المتحدة لآلية عمل فريق مراقبيها في الحديدة قد يكون في شقه السياسي تعبيرًا عن حالة الإحباط الأممية من فشل هذا الفريق في تثبيت وقف إطلاق النار، والدفع باتجاه تنفيذ اتفاق السويد.
وكان المبعوث الأممي مارتن جريفيث قد وجّه رسالة تهنئة للمواطنين بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم، ودعا طرفي النزاع إلى أن يكون شهر رمضان الفضيل مصدر إلهام لإنهاء معاناة الشعب، قائلا:”ألقوا سلاحكم، وأطلقوا سراح كل من سلبه النزاع الحرّية، وافتحوا الممرات الإنسانية، وليكن شغلكم الشاغل تتسيق الجهود لمساعدة بلادكم في مواجهة تفشي فيروس كورونا”.
وأضاف: “أتقدم بأطيب الأمنيات لكل فرد في اليمن بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك”، وعبر عن أمله في أن يحمل شهر رمضان الكريم منح السلام والتصالح والفرحة، داعيا إلى تعالي الأصوات منادية بالسلام والحق في مستقبل أفضل.
وفي الوقت الذي تحمل فيه مثل هذه الرسائل كثيرًا من الآمال المعلقة على أن تأخذ الحرب استراحة، بعدما أشعلتها المليشيات الحوثية في صيف 2014، وارتكبت العديد من الانتهاكات والجرائم، إلا أنّ الميشيات تبرهن دائمًا على خبث نواياها وعملها على إطالة أمد الحرب.
يُستدل على ذلك بمئات الخروقات التي ارتكبتها المليشيات الحوثية للهدنة التي أعلنها التحالف العربي، وعلقت عليها الآمال لوقف الحرب الدائرة منذ ست سنوات.
يشير كل ذلك إلى أنّه لا يجب الاقتصار على توجيه رسائل من أجل وقف الحرب، بل يجب الضغط بمختلف الطرق الممكنة على المليشيات الحوثية من أجل إلزامها بالسير في طريق السلام.
ومنذ أن أشعلت المليشيات الحوثية حربها العبثية في صيف 2014، ارتكب هذا الفصيل الإرهابي المدعوم من إيران كثيرًا من الجرائم والانتهاكات التي صنعت أزمة إنسانية حادة.