اعادت 20 امرأة الحياة إلى أقدم مصنع يمني للنسيج، ضمن مهمة طارئة في صنعاء قد تساعد على إنقاذ حياة كثيرين حال وصل فيروس كورونا المستجد للبلد الغارق في الحرب والمنهار صحيا: خياطة الكمامات.
ولم تسجّل في اليمن حيث أسوأ أزمة إنسانية في العالم، أي إصابة بعد وفقا لمنظمة الصحة العالمية، بينما يواصل الفيروس تمدّده في الدول المجاورة، السعودية والإمارات وسلطنة عمان.
لكن هناك خشية كبرى من أن يتسبّب حال بلوغه أفقر دول شبه الجزيرة العربية، بكارثة بشرية في خضم نزاع مسلح متواصل منذ 2014 بين حكومة معترف بها دوليا ومتمردين يسيطرون على العاصمة ومناطق أخرى.
وفي اليمن أكثر من ثلاثة ملايين نازح يعيش مئات آلاف منهم في مخيمات.
في مصنع الغزل والنسيج الواقع بالقرب من المدينة التاريخية في صنعاء، تنكب اليمنيات العاملات على خياطة الكمامات في سباق مع الوقت وفق تقرير لوكالة الصحافه الفرنسيه .
وقالت فاتن المسعودي من خلف نقابها الأسود لوكالة فرانس برس “بدأنا العمل على الكمامات قبل أن يصل المرض، فعلينا ان نأخذ احتياطاتنا قدر المستطاع”.
وأضافت “أنا مستعدة للعمل وإن مجانا لأجل صحة بلادنا وأطفالنا ونسائنا”.
وسُجّلت في الخليج أكثر من ألف إصابة بالفيروس الذي ظهر في الصين نهاية العام الماضي، معظمهم أشخاص عادوا من إيران حيث تسبّب الوباء بوفاة مئات.
– من ملابس الجيش إلى الكمامات –
تخضع في اليمن المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين الحوثيين المؤيدين لطهران، لحصار من قبل تحالف عسكري داعم للحكومة تقوده السعودية منذ آذار/مارس 2015. ومطار صنعاء ممنوع عن العمل منذ 2016، ولا يستقبل سوى طائرات الامم المتحدة والمنظمات الانسانية.
وفيما أن الدول المجاورة بدأت تتّخذ إجراءات صارمة للحد من انتشار كوفيد-19، وبينها إغلاق المتاجر والمساجد وأماكن الترفيه، يبدو اليمن منذ خمس سنوات وكأنه يخضع لحجر إجباري.
وقتل في البلد الفقير منذ بدء عمليات التحالف آلاف المدنيين، فيما يعاني من انهيار تام في قطاعه الصحي، ومن نقص حاد في الأدوية والمياه النظيفة، ومن انتشار للأمراض كالكوليرا الذي تسبّب بوقاة مئات، في وقت يواجه ملايين من سكانه خطر المجاعة.
ومصنع الغزل والنسيج في صنعاء هو الأقدم في اليمن، وقد تأسس في العام 1967 بمساعدة حكومية صينية، وكان ينتج كافة أنواع القماش وبينها ملابس القوات المسلحة اليمنية وملابس الممرضات، إلى أن توقف عن العمل في 2005 بسبب خلافات ونقص في التمويل ما حرم اليمن مما كان يعرف باسم “الذهب الأبيض”.
وعاد العمل في بعض أجزاء قسم الخياطة في 2018، لكن الحياة عادت فعلا لهذا القسم يوم الاثنين الماضي حين دخلته النساء اليمنيات وبدأن العمل على خياطة الكمامات.
وفي القاعة الضيقة، جلست النساء خلف آلات الخياطة في صفين متساويين، يلتقطن قطع القماش البيضاء الواحدة تلو الاخرى بقفازاتهن ويمررنها من تحت إبرة الآلة فوق مكتب خشبي.
وقال رئيس مجلس إدارة المصنع عبد الإله شيبان إنّ “انتاج الكمامات في الحقيقة ليس وليد فكرة، بل وليد حاجة، وهو جعلنا نفكر بأن نصنع أي منتج بالامكانيات المتوفرة لدينا”.
وأوضح “طوّعنا قدراتنا من إنتاج أعمال خياطة مختلفة إلى إنتاج كمامات”.
– علينا أن نتكاتف –
والنساء في المصنع، الذي تعرّض في 2015 لهجمات جوية، لسن موظفات بل مواطنات من سكان العاصمة دعين للمشاركة في العمل على صناعة الكمامات، وهن يتلقين مبلغا ماليا لقاء كل قطعة ينتجونها.
وينتج المصنع حاليا مئات الكمامات يوميا، لكن شيبان يطمح لأن يشغّل في الأيام المقبلة 80 آلة خياطة في آن واحد، صباحا ومساء، بهدف صناعة ما بين 8 إلى 10 آلف قطعة في اليوم الواحد، مشيرا إلى ان هناك “طلبا كبيرا” على الكمامات.
والثلاثاء، تحدّثت منظمة الصحة العالمية في مؤتمر صحافي في صنعاء عن استعدادات جارية في عدة مستشفيات في اليمن للتعامل مع الفيروس على الرغم من قلة الامكانيات، مشيرة إلى وجود نقص في الكمامات والقفازات الطبية لكنّها ذكرت انّها “تعمل على جلب المزيد”.
وهناك محاولات في صنعاء ومناطق أخرى لتوفير معقم للأيدي محلي الصنع.
وكان المتمردون الحوثيون أغلقوا في وقت سابق من الشهر الحالي المدارس، وعلّقوا حركة الطيران أمام طائرات الأمم المتحدة والمنظمات الانسانية، خشية وصول فيروس كورونا المستجد.
كما أن الحكومة المعترف بها علقت حركة الطيران في مدينة عدن الجنوبية، مقرّها المؤقت.
ويرى المجلس النروجي للاجئين أن وصول الفيروس إلى دول تشهد حروبا كاليمن وسوريا قد يؤدي إلى “مذبحة”.
وبالنسبة إلى عبد الباسط الغرباني، مدير قسم الخياطة في مصنع النسيج في صنعاء، فإن الوقت الحالي هو للتضامن.
وأوضح “صمدنا أمام الحروب، ونحن قادرون أن نصمد أمام هذا الوباء أيضا وأن نتغلب عليه”، مضيفا “علينا أن نتكاتف جميعا”.