تحولت مدينة أمبو الإثيوبية في ظل قيادة رئيس الوزراء أبي أحمد من رمز للحرية إلى رمز للقمع، حيث تحاول قوات الأمن قمع حركة التمرد المتنامية ذات الدوافع العرقية وجماعات المعارضة التي تهدد رؤيته الوحدوية المعروفة باسم “تعالوا نصطف معا”.
وكانت مدينة أمبو، التي يوجد بها مجتمع طلابي كبير بسبب جامعتها، مركزا لاحتجاجات طلابية انتهت بصعود أبي أحمد للسلطة في أبريل/نيسان 2018 على وعد منه بإنهاء عقود من الحكم السلطوي في البلاد التي يعيش بها 100 مليون نسمة ينتمون إلى نحو 80 جماعة عرقية.
ويعد أغلب سكان أمبو من عرقية الأورومو، وكان وراء الاحتجاجات في المدينة الغضب من تهميشهم سياسيا واقتصاديا، إذ على الرغم من أنهم العرق الأكبر في البلاد لم يصل أي فرد منهم إلى تولي منصب رئيس الوزراء.
حزب الرخاء: رؤية آبي أحمد للحكم في إثيوبيا
واعترافا بدور مدينة أمبو في التغيير، قال أبي خلال زيارته لها عقب توليه منصب رئيس الوزراء: “سنبني في أمبو تمثال الحرية الخاص بنا، مدينة نيويورك الخاصة بنا”.
وفي فعالية لجمع التبرعات في فبراير عام 2019 باع رئيس الحكومة ساعته مقابل 5 ملايين بِر (155 ألف دولار) لإطلاق مشاريع تنمية في المدينة.
كان ذلك مؤشراً آخر على تغير سياسي كبير ربطه أبي بمدينة أمبو التي تعد تقليديا معقل جبهة تحرير أورومو، وهي جماعة متمردة سابقة ألقت السلاح عقب محادثات سلام مع أبي.
ولكن بعد ذلك بعام لم تبد سوى مؤشرات قليلة على حدوث تطور في أمبو التي تبعد 100 كيلومتر غربي أديس أبابا، بل على العكس شكا السكان من عودة وحشية الشرطة، بعد تعرض شباب للضرب أو الاعتقال العشوائي خلال نشاطهم في حياتهم اليومية.
ففي أحد الأيام أجبر 6 من رجال الشرطة رجلين على الركوع أمام المشاة في الشارع قبل ركلهما وضربهما بالعصي.
وفي حادث آخر، اُقتيد شابان بالقوة إلى مركز للشرطة، وقُيد مرفقيهما خلف ظهريهما. وقد ناشد أحدهما الضباط، دون جدوى، لفك وثاقه.
ولم يجرؤ أحد على التدخل خشية أن تهاجمه الشرطة أيضا.
و قد زاد عديد رجال الشرطة من قوى الأمن المحلية مع تخرج المئات مؤخرا، مما يزيد المخاوف من تكثيف القمع قبل الانتخابات العامة في أغسطس/آب المقبل. وهذه هي المرة الأولى التي سيواجه فيها أبي أحمد الناخبين منذ اختيار الحزب الحاكم له رئيسا للوزراء لإنهاء الاحتجاجات التي انتشرت في أنحاء البلاد.
كما رأيت أيضا رجال شرطة يسيرون في أنحاء أمبو يحملون مقصات ليحلقوا فورا شعر أي شاب أطلق العنان لشعره.
لقد اعتبروا أن شعري طويلا، لكنني كنت محظوظا لأنهم تركوني مع تحذير بأن أحلقه بنفسي، وهو أمر لم أفعله لأنني كنت سأغادر أمبو في غضون يومين.
“بدون إنترنت”
وتفترض الشرطة أن الرجال ذوي المظهر المميز من مثيري المتاعب، ومن أنصار الزعيم المتمرد كومسا دريبا الذي يعتبرونه مصدر تهديد رئيسي لاستقرار غرب أوروميا، ولرؤية أبي أحمد في فرض إحساس جديد بالوحدة الوطنية يُعرف بـ “تعالوا نصطف معا”.
ويرفض كومسا، الذي يعرف أيضا بجان مارو، منذ عام 2018 عروض السلام التي تقدم بها أبي أحمد، ويدفع باتجاه “تحرير” أوروميا من مخبئه في الغابات في الغرب البعيد.
وكان قد انشق عن جبهة تحرير أورومو منذ قررت التحول إلى حزب سياسي، مصطحبا معه عدداً غير معروف من المقاتلين تحت قيادته.
وتشتبه الحكومة في أن المتمردين التابعين لكومسا قد تسللوا إلى مدينة أمبو، وتحملهم مسؤولية تفجير قنبلة في تجمع انتخابي مؤيد لأبي عقد الشهر الماضي بهدف إظهار أن رئيس الحكومة مازال يحظى بدعم كبير في المدينة.
واستطاع المتمردون، عبر أنصارهم واستخدام حسابات مجهولة، تحقيق مكاسب بطيئة في مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لتسليط الضوء على السخط ضد الحكومة، وخاصة من خلال نشر أسماء ضحايا الوحشية المزعومة من قبل قوات الأمن.
كما أن محاولات الحكومة التغطية على الانشقاق قد أدت إلى تكرار إغلاق الإنترنت في معظم أنحاء غرب أوروميا منذ يناير/كانون الثاني الماضي، وفي بعض المناطق يعجز الناس حتى عن إجراء اتصال هاتفي أو تلقي مكالمة وذلك رغم تعهد أبي بتحرير قطاع الاتصالات وإنهاء احتكار شركة إثيوتيليكوم وهي الشركة المملوكة للدولة.
وفي لقاء مع بي بي سي ألمح الجنرال برهانو جولا نائب رئيس الأركان الإثيوبي إلى أن إغلاق الإنترنت كان له علاقة بعمليات عسكرية لتفكيك معسكرات تحت قيادة كومسا، فيما نفى تايي دينداي القيادي في حزب الرخاء، الذي شكله أبي مؤخرا، أن يكون أبرياء ضحايا لعملية أمنية.
وقال تايي لبي بي سي :”إن الحكومة ليس لديها مبرر لاستهداف المدنيين، نحن نعنى بشعبا أكثر من أي حكومة أخرى”.
وفي أمبو، لم أكن قادرا على الاتصال بالإنترنت من هاتفي المحمول خلال فترة إقامتي التي استمرت 3 أسابيع. وفي المرتين اللتين ذهبت فيهما إلى مقهى إنترنت كان الاتصال بطيئا للغاية، فكان علي الانتظار لفترة طويلة قبل فحص بريدي الإلكتروني وحساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويشتبه السكان في أنه بصرف النظر عن قلق الحكومة من المتمردين، فإن الإغلاقات تستهدف الحد من الحملات السياسية، وتعطش الشباب للأخبار قبل الانتخابات العامة.
وأشار السكان إلى أن جوار محمد، الذي ربما يكون أبرز ناشط اثيوبي مثير للجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، قد جعل الآن الحياة صعبة أمام رئيس الوزراء الاثيوبي.