في هذه اللحظات الحرجة التي توغل فيها الجراحات العميقة والآلام الموجعة بجسد الوطن المثقل بالدموع والدماء تسيطر على كل وجداني وذاتي ثقة بحجم الأرض والسماء وبعمق البحار وبسعة الأفلاك وبعظمة اليمن أن بلدا فيه أحفاد سبأ العظماء القاطنين الصحراء الممتدة من الجوف إلى مأرب إلى سواحل شبوة يدافعون عن كرامة وعزة وشموخ اليمن؛ فإن النصر قادم لا محالة، وإن حركة التاريخ في صعود ودورة النهوض الحضاري قد شارفت على استكمال دورتها الزمنية الكاملة، وأن بعثا حضاريا ودورا رياديا ينتظر اليمن.
مركزه ومنطلقه ومحوره هنا من أرض المجد السبئي ومنبع الإشعاع الكوني ومركز التاريخ المشرق ومحور الحضارة العملاق من مأرب والجوف وشبوة المبتدأ والختام ثلاثية المجد وهرم الصعود، فنار السير نحو الحرية.
نحن في قمة اليقين مما نقول، نملك من الشواهد والحقائق والمسلمات ما يعزز إيماننا المطلق بهذا العمق الوطني الحيوي والإرث التاريخي العظيم، وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد بعض هذه الاستدلالات على قدر ما تسمح به المساحة التحريرية:
أولاً: الموروث الحضاري الباذخ الثراء.
في هذا الهلال الخصب شهدت الدنيا واحدة من أعظم حضارات الأرض وعلى رمالها الطاهرة سطر الإنسان اليمني أروع إبداعات التاريخ وامتد نفوذ معين وسبأ وقتبان وحمير في قرى ظاهرة حتى تخوم الشام وشواطئ المتوسط، وشيدت على هذه الأرض مداميك واحدة من أعرق الحضارات نظاما وعمرانا وثقافة وإبداعاً.
هذا الإرث الحضاري هو أحد روافع القضية الوطنية اليوم، واهم عناصر الثقة بقدرة أبناء سبأ الأرض والإنسان على دحر فلول الكهنوت وإعادة رسم المنحنى الحضاري الصاعد لليمن السعيد.
ثانيا: العمق النضالي الوطني المتواصل.
لم يكن النضال المتعاقب للأجيال اليمنية طارئ على قبائل ومكونات ثلاثية الفداء ضد أساطين الإمامة وأدعيا الكهنوت وقطعان المستعمرين، كلا فإن دعوات الحرية وفقه النضال ومسيرة الكرامة الوطنية وأناشيد المجد التليد والفداء العاطر هنا منشؤها، وعلى هذا الثراء مسرحها وبهذه الأرض متنها ومن منبع هذه التربة معلميها لذلك لا غرو ولا اندهاش إن وجدت أجداث سبأ كلها قبوراً للشهداء وأن أسراً بكامل رجالاتها هم قد ودعوا الدنيا من بوابة العزة والكرامة والصمود دفاعا عن أوطانهم ومقدساتهم، وأن من تبقى منهم قد نذروا أرواحهم الطاهرة من أجل اليمن الحر الأبي، لذلك يستحيل أن يبقى على هذه الأرض الطاهرة مقام لمستبد ظالم أو متورد مدلس أو عدو ناكث؛ لأنها الأرض التي ترمي الخبث كما ترمي البحار جيف الموات.
ثالثا: الأنا الجماعية المتجذرة في المجتمع.
عملت الإمامة الكهنوتية جاهدة على تقسيم اليمن على أساس طبقي وفرز طائفي وتميز سلالي من أجل إضعاف المجتمع والاستفراد به مكونا تلو آخر، وقضمه على أجزاء ليسهل هضمه وابتلاعه، لكن هذا العملاق الصحراوي استعصى على الذوبان وتحطمت عند صلابته المتينة كل حيل المستكبرين وجهود الطغاة المتعاقبين بفعل اللحمة المجتمعية والأنا الجماعية والشعور المترسخ في انصهار الفرد في مصلحة المجموع وتوحد المجتمع في كتلة قوية وقبضة حديدية تسحق كل معتد وتحطم كل باغ وتقهر كل جبروت.
رابعا: الموقع الجغرافي المتميز في القلب من اليمن.
الجغرافيا الحاكمة واحدة من أهم عوامل القوة الاستراتيجية للدول والمجتمعات، وعادة ما تكون محور الارتكاز للبناء الحضاري والتفوق النوعي.
وهو ما توفره الرئة الصحراوية الممتدة من تخوم الشمال للحدود مع المملكة وحتى شواطئ شبوة والتي تتوسط قلب اليمن وخاصرة السعيدة لتشكل هذه الجغرافيا أرضاً وإنسانا وإرثا نضاليا واسطة العقد اليماني ودرة التاج السبئي وحاضنة كل اليمن شماله وجنوبه شرقه وغربه والأقرب زمنا ومسافة إلى كل أجزائه واوصله وهو ما يشكل قاسماً مشتركاً ورابطاً شديد القوة والصلابة لكل أضلاع الوطن اليمني الكبير.
خامسا: تمركز الثقل الاقتصادي وتجمع الكتلة البشرية الصلبة.
لن نخوض كثيرا في هذه الجزئية وخصوصا تمركز الثروة، لأنها أضحت من حقائق الاقتصاد ومسلمات التكنولوجيا، إلا أن من عجائب ما أتت به الأقدار كنتائج للجائحة الحوثية في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م أنها أعادت توزيع السكان، ورمت بخيرة رجالات اليمن وشباب السعيدة إلى هذه البقعة المباركة من الأرض الطيبة لحكمة يعلمها الله.
وختاما فبكل تلك العوامل ومعطيات أخرى قد يكون أغفلها القلم.
فإن نهضة اليمن وعزته واستعادة دوره الحضاري تحتاج إلى تسليم راية القيادة ومنصة الحكم لعظماء الأرض السبئية الطيبة، ليعود لليمن ثقله الإقليمي وتأثيره العالمي بحكم عوامل القوة الاستراتيجية التي يملكها، وإعادة دفة القيادة لمن خبرتهم الارض أولي قوة وبأس شديد، من شيدوا معالم الحضارة في غابر الزمن وبنوا الأرض التي لم يخلق مثلها في البلاد.
حفظ الله اليمن وأدام عزه ورفعته وسؤدده ومجده.