نشر سبتمبر نت تقرير في ذكرى 21فراير، تحت عنوان 21 فبراير.. عهدٌ جديد عنوانه البناء والوفاق في وطن يتسع للجميع”.
مهّدت الثورة الشبابية السلمية الطريق بتضحيات جسيمة ثم توافقت الأطراف السياسية على اتفاقية الانتقال السلمي للسلطة المعروفة بـ(المبادرة الخليجية) التي رعتها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وهي الاتفاقية التي صارت محل دعم ورعاية المجتمع الدولي وفي المقدمة هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والدول الكبرى والاتحاد الأوروبي.
عبرت المبادرة الخليجية عن الحد الممكن من التوافق الذي أكد الحرص على تجنيب البلد مزيد من الانهيارات وتضمنت المبادرة تسلم الرئيس عبدربه منصور هادي السلطة و تشكيل حكومة ائتلافية بالمناصفة بين المؤتمر الحاكم وحلفائه من جهة، والمعارضة الممثلة في اللقاء المشترك والقيادات السياسية والاجتماعية التي انضوت في الثورة الشعبية من جهة ثانية.
عهد جديد لوطن يتسع لكل ابنائه
وكان يوم الحادي والعشرين من فبراير 2012، هو اليوم الموعود لتدشين عهد جديد عنوانه البناء والوفاق في وطن يتسع لجميع أبنائه، وتآزرت جهود الأشقاء والأصدقاء في الإقليم والعالم وكافة المؤسسات الدولية والقوى الكبرى من أجل دعم اليمن وحكومة الوفاق والمبادرة الخليجية للوصول إلى بر الأمان، وسط ظروف داخلية وخارجية غاية في التعقيد، بالنظر لما كان يُعتمل في الداخل اليمني من صراعات وتناقضات بفعل الظروف والملابسات التي عاشها اليمنيون في السنوات الأخيرة أولاً، وما كانت تعيشه المنطقة العربية من تداعيات وآثار الربيع العربي وإعصار الثورة الذي طال إلى جانب اليمن أربع دول أخرى، وكان ينظر لليمن كتجربة قابلة للنجاح ومؤهلة لتجاوز آفات الصراع والحرب الأهلية طويلة المدى، إذ أن توافق مكونات المنظومة السياسية بدا عاملاً مشجعاً لدول الإقليم والعالم كي ترعى التجربة وتدعم التوافق لكي يحقق أهدافه.
الانتقال السياسي ودعم المجتمع الدولي
أعلن المجتمع الدولي دعم الانتقال السياسي اليمني الذي بدا متوازناً بين ما أنجزته الثورة من جانب، وما حققته السياسة من جانب آخر، وهذا ما أدركته قوى الثورة ووعته التكوينات السياسية فكان موقفها الإيجابي داعما للرئيس الجديد عبدربه منصور هادي وحكومة الوفاق التي جمعت مختلف أطياف العمل السياسي واحتوت في صفوفها التنوع الجغرافي وبدأت العمل منذ تشكيلها رغم ما كان يحيط بها من ظروف وما تعيشه البلد من أزمات، خاصة في مجال الخدمات الأساسية.
وبدا أن الداعمين الدوليين أكثر إدراكاً لما يمكن أن تواجهه الحكومة الجديدة من معوقات وعراقيل تحول دون قيامها بواجبها وتعرقل أداءها وتحول بينها وبين إنجاز ما جاءت لأجله، فجاءت قرارات مجلس الأمن وبياناته الخاصة باليمن مشددة على دعم العلمية السياسية وإطارها النظري ممثلا بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المــُــزمـّــنة، وتجلى دعم المجتمع الدولي للعملية السلمية في اليمن من خلال عقد مجلس الأمن إحدى جلسته في العاصمة اليمنية صنعاء، وكذلك زيارة الأمين العام للأمم المتحدة حينها لليمن، وكذلك كانت مواقف الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ودول الاتحاد الأوروبي جامعة الدول العربية فضلا عن الموقف الخليجي الذي كان منذ اللحظة الأولى متابعاً لما يجري في اليمن عن كثب، ثم داعما للتوافق السياسي وراعيا للانتقال السلمي.
مهام صعبة
وكان أمام حكومة الوفاق مهام صعبة يتعين إنجازها في وقت قصير جداً، كما يتعين عليها السير في خطين متوازيين، أولاً: الوفاء بالتزامات المسؤولية الإدارية والقانونية الملقاة على عاتق كل أعضائها وكافة مسؤوليها، وثانياً: تطبيق المبادرة الخليجية كآلية انتقال لا يمكن تجاوزها بعدما باتت خارطة طريق المرحلة الانتقالية كيما يتم الوصول الآمن إلى الحوار الوطني الشامل الذي يجمع كافة القوى الوطنية اليمنية على قاعدة الشراكة في اتخاذ القرار وتحديد الخيارات الممكنة لبناء اليمن الجديد.
ورغم ما أحاط بالحكومة من معوقات وما اعتور عملها من قصور فقد جاء الأداء في الغالب ملبياً لما تم التوافق عليه، وظهرت مؤشرات إيجابية شملت الخدمات العامة والأوضاع الأمنية والقطاعات الإدارية والمالية والسلطة المحلية والعمل على استتباب الأمن والاستقرار بعدما تعرض للاضطرابات في أكثر من محافظة ولأسباب مختلفة.
إيران تحارب المجتمع الدولي في اليمن
فيما كانت حكومة الوفاق تعمل جاهدة لتحقيق الأهداف وبدعم ورعاية عربية ودولية واهتمام ومتابعة مجلس الأمن والقوى والمؤسسات الكبرى، كانت إيران تقف في الجانب الآخر، تعد العدة وتجهز أدوات التدمير والخراب لكي تعلن حربها على العالم من خلال اليمن، كانت جماعة الحوثي المتمردة والمسلحة في شمال اليمن قد وضعت نفسها منذ زمن طويل في خدمة أسيادها في طهران والضاحية الجنوبية لبيروت، وتوافق التخطيط الإيراني مع الأدوات المحلية الحوثية على إفشال التجربة اليمنية وتدمير ما أنجزه اليمنيون، رغبة في تحقيق الأهداف المشبوهة للمرجعيات الإيرانية التي أضمرت الشر والعدوان، وأخذت تحيك المؤامرات وتزرع الشوك في طريق اليمنيين بأيادي يمنيين للأسف رهنوا مصيرهم وجندوا أنفسهم في سبيل الشيطان القابع وراء الحدود وخلف البحار يلقي الأوامر ويدعم المتآمرين.
ولم تكمل حكومة الوفاق الوطني عامها الأول حتى أعلنت الأجهزة الأمنية إلقاء القبض على سفينة إيرانية محملة بالأسلحة، وهي السفينة المسماة (جيهان1)، كانت في طريقها إلى المليشيا الحوثية لتزويدهم بالأسلحة المختلفة، حيث كانت حمولة السفينة قرابة 45 طناً من الأسلحة والمتفجرات والقذائف، ومن بينها أدوات شديدة الانفجار وصواريخ سام المضادة للطائرات، ما يدل على أن إيران كانت ماضية في طريق تدمير اليمن منذ وقت مبكر متحدية بذلك قرارات مجلس الأمن والإجماع الدولي، ومصرة على إلحاق الضرر بالسلم الأهلي والأمن القومي اليمني والعربي والدولي.
دور سلاح “التقية” في تنفيذ مخطط إيران
وفي الوقت نفسه كانت أذرع إيران تتوسع شمالا في محافظة صعدة، كاشفة عن انخراطها وبشكل علني في الخندق الإيراني لمواجهة اليمنيين، واستغلت حالات القصور والضعف والتناقضات التي تعصف بالمكونات السياسية والقوى الثورية على امتداد الوطن اليمني، وحينما كانت أنظار الشعب اليمني قاطبة تتطلع إلى الوصول إلى مؤتمر الحوار الوطني كانت إيران وأدواتها تستخدم سلاح (التـّـقية) تارة وتباشر الغدر والجريمة تارة أخرى، غدرت بالمجتمع المحلي في صعدة والمناطق المجاورة من أجل توسيع سيطرتها وتقوية نفوذها فحاربت وجود الدولة ومؤسساتها وعطلت جهود الحكومة وأشعلت نار الصراع في كل مكان وصلت إليه، تحقيقا للهدف المرسوم في تلافيف العمائم السوداء التي قررت أن تحارب أمريكا وإسرائيل في بيوت اليمنيين ومساجدهم ومدارسهم.
حكومة الوفاق تثبيت دعائم الاستقرار
خلال فترة وجيزة استطاعت الحكومة أن تنجز الكثير ولا سيما فيما يتعلق بالجوانب الأمنية، خاصة حينما استعادت مناطق كانت تحت سيطرة جماعات مسلحة كـ(القاعدة) و(أنصار الشريعة) وثبتت دعائم الاستقرار فيما كانت ظروف وقوى متعددة تتربص بها وتعمل على عرقلتها، وفي مقدمة تلك القوى كانت إيران ومخالبها المحلية التي كانت تطلق على نفسها اسم (أنصار الله)، فضلا عن نجاح الحكومة في استعادة أهم منشأة استراتيجية واقتصادية سيادية ممثلة بميناء عدن، وإنهاء الصفقة المشبوهة التي كبلت الميناء عدة سنوات في قبضة شركة موانئ دبي، ومن ثم بدأ الميناء يستعيد دوره الحيوي ونشاطه الملاحي والاستراتيجي في رحاب السيادة الوطنية، وكما واجهت الحكومة تحديات كثيرة في الجوانب الأمنية، وقفت في طريقها معوقات أخرى لا تقل صعوبة في الجوانب الاقتصادية والخدمات الأساسية ناهيك عن الأعمال اليومية التي امتهنتها عصابات مأجورة تتمثل في قطع خطوط الكهرباء وعرقلة وصول الخدمات وافتعال الأزمات خاصة في المشتقات النفطية وأسعار المواد الغذائية الضرورية وتعطيل العمل في بعض المؤسسات والقطاعات الحكومية مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية تقوض سكينة الشعب وتدفعه إلى مصير مجهول.
الانقلاب المشؤوم والحرب الشاملة
انتهت أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي شاركت فيه مختلف القوى السياسية وشرائح المجتمع وفئاته ومن كافة التيارات الفكرية والتنظيمات السياسية وعلى مستوى المحافظات اليمنية عامة، بما في ذلك جماعة الحوثي التي لم توقف حربها المسعورة – بل استمرت في استخدام سياسة التقية المعروفة، حيث أوكلت لممثليها في الحوار الوطني مهمة الترويج للعصابة الظلامية وتحسين صورتها أمام الإعلام المحلي والدولي وفي عيون منظمات المجتمع المدني والمشاركين في مؤتمر الحوار وكذلك لدى المنظمات الدولية والسفارات الأجنبية، بينما استمرت القطعان المسلحة تحرق الأخضر واليابس في دماج وكتاف وأطراف الجوف وحرف سفيان وحجة وعمران.
ومع انتهاء أعمال مؤتمر الحوار كانت العصابات الحوثية قد تلقت الأوامر من خبراء حزب الله اللبناني ومرجعيات قُم للتوجه نحو عمران وصنعاء للإجهاز على مخرجات الحوار الوطني والانقلاب على التوافق الوطني، وهو ما فعلته مليشيا الحوثي ونفذته حرفيا في وقت لاحق.. بعدما حاصرت العاصمة صنعاء بمجاميع مسلحة رافعة شعار الرفض لزيادة ألف ريال في سعر الدبة البترول، وهو الشعار الذي صدقه كثير من المخدوعين، وتسنى للعصابات الممولة إيرانياً تنفيذ مخططها الإجرامي من خلال اجيتاح صنعاء والسيطرة على مؤسسات الدولة ونهب أسلحة الجيش والاستيلاء على المعسكرات وكان ذلك في يوم 21 سبتمبر 2014، اليوم الأسود في تاريخ اليمن والليلة السوداء في ذاكرة اليمنيين، حين انقضت عصابات الظلام على دولة اليمنيين وصرخت عمامة سوداء في مجلس الشورى الإيراني: اليوم سيطرنا على العاصمة الرابعة.
الالتفاف حول القيادة الشرعية
غير أن حلم المليشيات لم يدم فسرعان ما التف اليمنيون حول مشروعهم الوطني ممثلا بالقيادة الشرعية– ومعهم الأشقاء العرب بقيادة المملكة العربية السعودية والتحالف العربي لدعم الشرعية- ورغم ما فعلته المليشيا الحوثية المتمردة وما ترتكبه من جرائم إلا أن النصر سيكون حليف اليمن ضد مشاريع الموت والقتل وأدوات إيران، لأن الشعوب هي المنتصرة دوما بإرادة الله ثم بعدالة قضيتها وحربها المشروعة لاستعادة الدولة ومؤسساتها الوطنية.