بثت قناة “بي بي سي” عربية البريطانيَّة، مايمكن وصفه بأجرأ تحقيق استقصائي حول حقيقة “زواج المتعة”، وطرق انتشاره الصادم في أكثر من منطقة عراقية، مستخدمة لأول مرة كاميرات تصوير سري حقيقي ومراسل مغامر، تولى مهمة تمثيل دور زبون يبحث عن زواج متعة عند مقابلته لأكثر من رجل دين يتولون مهام عقد وتوفير زيجات متعة مؤقتة حتى ولو لساعة مقابل حصولهم على أجر مالي من الراغب بالزواج وعمولات من أهالي الفتيات المتزوجات، في توجه جديد بطرق وأساليب اعداد الأفلام الاستقصائية والتقارير التحقيقية ومغامرة خطيرة يسلكها فريق العمل.
وخلص فريق القناة في ختام الفيلم التحقيقي الذي اعدته الإعلامية اليمنية بالقناة نوال المقحفي وفريق من القناة طوال عام من البحث والتحري والتصوير واللقاءات السرية في أكبر جهد وحقيقي تلفزيوني شاهدته في حياتي، خلص الي أن زواج المتعة “ممارسة مثيرة للجدل داخل المذاهب الفقهيَّة الإسلاميَّة وداخل المذهب الشيعي نفسه”.
وكشف التحقيق السّري، الذي استغرق عاماً كاملاً، أن بعض رجال الدين “يسيئون استخدام سلطتهم ويخالفون القوانين العراقيَّة”، وتبين أن معظم هؤلاء على استعداد لعقد “زيجات متعة” فترات قصيرة جداً، قد لا تتجاوز الساعة أحياناً، للتمكين من ممارسة الجنس.
وكان البعضُ الآخر على استعداد ليس فقط لتسهيل حصول “العريس” على نساء وشابات، بل أيضاً على فتيات قُصّر لا يتجاوز أعمارهنّ السنوات التسع.
وحسب استخلاصات الفيلم ينقسم رجال الدين بشأن هذه الممارسة، إذ يرى بعضهم أنها “تضفي الشرعيَّة على علاقة تشبه الدعارة”، إضافة إلى جدلٍ آخر فيما بينهم بشأن تحديد المدة “القصيرة” التي قد يستغرقها هذا النوع من الزواج.
رجال دين “سماسرة” وأظهر الفيلم الوثائقي القصير أن بعض رجال الدين يتصرفون كـ”سماسرة”، ويقدمون غطاءً شرعياً لممارسات تأتي في إطار “اعتداءات جنسيَّة على الأطفال”.
كذلك رصدت كاميرا خفيَّة رجال دين يصفون الضحايا من النساء والفتيات القصّر بأنهم “عرائس حلال”.
وأجرى فريق “بي بي سي” لقاءات مع نساء تعرَّضن للاستغلال الجنسي، وتحدث أيضاً إلى رجال “دفعوا أموالاً” لبعض رجال الدين لإيجاد “عرائس متعة” لهم.
وتشير التقديرات إلى أن نحو مليون امرأة عراقيَّة قد ترمّلنَ، وتشرَّد عددٌ كبيرٌ منهن بعد الحروب التي شهدها العراق، الأمر الذي دفع كثيراً منهن إلى قبول زواج المتعة بسبب الحاجة.
جولة على المناطق القريبة من الأضرحة ووجد الفريق أدلة على أن زيجات المتعة متاحةٌ في بعض المناطق القريبة من الأضرحة في العراق، وعلى سبيل المثال، تحدَّث الفريق مع عشرة من رجال دين في منطقة الكاظميَّة ببغداد، التي تضم أحد أهم مراقد ومزارات المسلمين الشيعة.
وأكد ثمانيَّة منهم استعدادهم لعمل “عقود زيجات متعة”، وأشار نصفهم إلى أن بإمكانهم عمل “عقود متعة على فتيات بعمر الـ12 و13 عاماً”.
واتصل الفريق أيضاً بأربعة رجال دين في كربلاء، أكبر موقع لتجمّع الزوار الشيعة في العالم الذين يزورون المراقد هناك. وقد وافق اثنان منهم على عقد زواج متعة على فتيات صغيرات.
وصوّر الفريق أربعة رجال دين سراً، قال ثلاثة منهم إن “بإمكانهم توفير نساء لغرض هذا الزواج”، في حين قال اثنان منهم إنه “يمكن توفير فتيات صغيرات”.
زواج متعة على فتاة قاصر وقال رعد، وهو رجل دين في بغداد، لصحافي “بي بي سي”، الذي كان يعمل متخفياً، “الشريعة لا تضع حداً زمنياً لزواج المتعة، ويمكن للرجل الزواج قدر ما يرغب من النساء، ويمكنك الزواج من فتاة مدة نصف ساعة، وبمجرد انتهاء هذا الزواج تستطيع الزواج من فتاة أخرى على الفور”.
وأجاب الشيخ رعد رداً على سؤال هل من المقبول عقد زواج متعة على فتاة قاصر؟ قائلاً “كن حذراً فقط كيلا تفقد الفتاة عذريتها”. وأضاف، “يمكنك مداعبتها والاستلقاء بجانبها، ولمس جسدها وثدييها، لكن لا يمكنك الولوج من الأمام، أمَّا من الخلف فلا توجد مشكلة”.
وعندما سُئل عما سيحدث إذا أصيبت الفتاة بأذى، ردَّ رجل الدين بلا مبالاة “الأمر بينكما، ويتوقف على مدى تحمّلها الألم من عدمه”. هل من المقبول؟ وعندما سُئِل الشيخ سلاوي، وهو رجل دين من كربلاء، وأيضاً خلال التصوير بكاميرا خفيَّة، هل من المقبول الزواج بفتاة تبلغ من العمر 12 عاماً؟ أجاب “نعم، تسع سنوات وما فوق، لا توجد مشكلة إطلاقاً حسب الشريعة”.
وردّد الشيخ سلاوي نفس ما قاله رعد بخصوص أن “المسألة الوحيدة هي ما إذا كانت الفتاة عذراء، عندئذٍ يُسمح بالمداعبة، وتكون ممارسة الجنس من الخلف مقبولة إذا وافقت الفتاة على ذلك”، قبل أن يضيف “افعل ما ترغب به أنت”.
غطاء شرعي ديني
وقال رجلٌ متزوّج، اعتاد على زيجات المتعة لممارسة الجنس مع نساء لا يعرفهن، إن “الفتاة التي تبلغ من العمر 12 عاماً هي بمثابة مكافأة، لأنها لا تزال يافعة، لكنها ستكون مُكلّفة، فرجل الدين لوحده يكسب عن عقد زواج متعة نحو 500 أو 700 أو 800 دولار”.
ويعتقد هذا الرجل أنه بذلك “يمتلك غطاءً شرعياً دينياً لممارساته”، قائلاً “إذا أخبرك رجل دين أن زواج المتعة حلالٌ، عندئذٍ لا يعدُ خطيئة، ولا تتحمل أي ذنب”.
مجرد “سلعة” وقالت الناشطة في مجال حقوق المرأة ينار محمد، التي تدير شبكة من الملاجئ النسائيَّة في جميع أنحاء العراق، “الفتيات يُعاملن على أنهن سلع ولسن بشراً، إذ بإمكانك استخدام سلعة معينة حسب الشروط المحددة والمسموح بها، أي افعل ما تشاء دون المسّ بعذريتها، التي يُحتفظ بها للصفقة الكبرى في المستقبل”، وتقصد بذلك “الزواج”.
ففي حالة فقدان العذريَّة، “يُنظر إليها على أنها غير قابلة للزواج، بل وتتعرض إلى خطر القتل على أيدي أسرتها، لأنها جلبت العار إليها، لأن الفتيات والنساء عموماً هنّ من يدفعن الثمن دائماً”، برأي ينار.
وسجَّل معدّو الفيلم الوثائقي محادثات صُوّرت سراً مع رجال دين يقولون فيها “إنهم على استعداد لجلب الفتيات الصغيرات”، كما قدَّموا شهادة لقاصر قالت إن “رجل دين استغلها للغرض نفسه”، وأكد روايتها شهود آخرون.
وصوَّر الفريق أيضاً سراً، رجل دين يقدم فتاة كان جلبها معه من أجل المراسل المتخفيّ، وأشار بعد أن امتنع المراسل عن المُضي قدماً في إجراءات زواج متعة محتمل ليوم واحد، إلى أنه يفضّل “فتاة في سن المراهقة”، فعرض عليه أن يجد له واحدة بهذه المواصفات. جريمة يُعاقب عليها القانون في المقابل، شجب غيث التميمي، رجل دين شيعي سابق من العراق يعيش حالياً في منفاه بلندن لاعتراضه على التطرف الديني، ما يفعله رجال الدين الذين يستخدمون زواج المتعة لاستغلال النساء، خصوصاً أولئك الذين يعقدون زواج متعة على فتيات قاصرات.
وقال “ما قاله هذا الرجل للمراسل يعدُ جريمة، يجب أن يُعاقب عليها القانون”. وكتب بعض رجال الدين الشيعة العراقيين، “الشريعة الإسلاميَّة تسمح بممارسة الجنس مع الفتيات الصغيرات”، بيد أن التميمي دعا مراجع الشيعة إلى “إدانة هذه الممارسات”.
ويصف رجلان من أصل ثلاثة رجال دين صوَّرهم فريق “بي بي سي” سراً، نفسيهما بأنهما من “مقلدي آيَّة الله السيستاني”، أحد أعلى المراجع الدينيَّة لدى المسلمين الشيعة. رد مكتب السيستاني لكن مكتب المرجع الشيعي الأعلى بالعراق علي السيستاني قال في رد على أسئلة فريق “بي بي سي”، إن “هذه الممارسات إن كان لها واقع كما ذكرتم، فهي مدانة ومستنكرة بكل تأكيد، ومن هو من أتباع المرجعيَّة الدينيَّة حقاً لا يقوم بها، والزواج المؤقت الذي يجوز في مذهب الإماميَّة، وكذلك ما يشبهه من الزواج المبنيّ على إسقاط الحقوق الزوجيَّة عدا حق المضاجعة، لا يسوغ أن يتخذ وسيلة للمتاجرة بالجنس بالطريقة المذكورة التي تمتهن كرامة المرأة وإنسانيتها، ولا يتبعها إلا ضعاف النفوس الذين لا يتورعون عن استغلال الدين وسيلة للوصول إلى أهدافهم غير المشروع”.