تتحول الإعاقة بالعزيمة والإصرار إلى هبة من الله لإخراج الطاقة الدفينة داخل الشخص، وقوة ترفض الرضوخ، تتمرد هذه الطاقة في ذات الشخص على الروتين المعتاد، وتتخطى الحواجز لتصنع واقعا آخر عنوانه الانجاز والإبداع وصناعة المستحيل.
في الثامن والتاسع من أكتوبر/ تشرين أول 2019م، دهش الحاضرون للبازار الخيري أثناء عرض المنتجات الحرفية للكفيفات الذي نظمته جمعية الأمان لرعاية الكفيفات بأمانة العاصمة، شعروا بالذهول عندما رأوا قطعا فنية وإبداعيه صنعتها أنامل فتيات حرمن نعمة البصر، وصرن حبيسات للظلام؛ لكنهن لم يستسلمن للإعاقة ولم يقبلن العيش في دائرة الخنوع للواقع المر فقررن تحدي الإعاقة ومنافسة المبصرين، وانتزاع مكاناً يليق بهن.
تواجه الكفيفة صعوبة مضاعفة في التعلم والعمل، لكن الإصرار على إثبات الذات، وأن تقول للمجتمع الذي ما يزال ينظر بقصور للكفيفة أنا هنا: أستطيع أفعل ما أريد فهذا هو التحدي الحقيقي.
عطاء وكفاح
وقفت الكفيفة عائشة حريش، بفخر أمام إنجازاتها، وهي تعرض منتجاتها من الإكسسوارات التي عملت في صناعتها ساعات طويلة، ووصلت بالكد والاجتهاد إلى تحقيق أمنيتها بان تكون قادرة على الفعل والعطاء بحيث يحين الوقت كي تعتمد على نفسها.
منذ الطفولة أحبت عائشة الإكسسوارات، وتمنت أن تستطيع صنعها، ولهذا كرست وقتها للتعلم بمساعدة أخواتها، ومع بقايا نظر ضعيف لا يمكنها الاعتماد عليه فقد اشتركت بدورة تدريبية لتأهيل الكفيفات في الأعمال اليدوية لتعلُم ما لم تستطع تعلُمه لوحدها، واكتسبت خبرات كبيرة مكنتها من الإلمام بالحرفة.
رغبة عائشة في أن تكون فتاة منتجة تجعلها تعمل بكد لتطوير نفسها وعلى الرغم من صعوبة تمييز الألوان والأشياء الأخرى التي تُنتج منها الإكسسوارات إلا أنها استطاعت أن تتقن صناعة العقود الملكية والتراثية وبروشات الشعر والأطواق والتيجان والأساور والخلاخل.
ولم يتوقف طموح عائشة عند الاعتماد على نفسها وسعت إلى خدمة مجتمعها بكل ما تستطيع، فقررت أن تساعد الطلاب في الدراسة في الوقت الذي يشهد غياب المعلمين، وضعف التحصيل العلمي فعملت معلمة متطوعة في إحدى مدارس أمانة العاصمة.
أحلام طموحة
تتمنى الكفيفة أحلام عبدربه وهي تتحدث مع “بلقيس” أن يكون لها مشروع صغير ناجح في المستقبل تعرض فيه منتجاتها من البخور والعطور والزباد، وتعتمد على نفسها أكثر، وتتمكن من مساعدة أسرتها ومن حولها، وهذا ما دفعها لتحدي قيود اليأس والإحباط التي كبلتها بسبب الإعاقة، فعكفت على تعلم صناعة البخور متسلحة بالطموح، والآمل أن تصير سيدة أعمال تمتلك مشاريع خاصة على مستوى اليمن، وتقدم نفسها إلى المجتمع كعضوة فاعلة وليست متلقية تبحث عن إحسان الآخرين.
تقول أحلام لـ ” بلقيس ” كانت صناعة البخور والعطر أمنية أسعى لتحقيقها واستطعت من خلال دورة تدريبية للكفيفات تعلم كثير من الأساسيات والإلمام بكافة جوانب العمل، وصرت أصنع أنواع مختلفة من المواد العطرية.. مضيفة أنها ترجوا من المجتمع: أن يدعم الكفيفات في شراء منتجاتهن حتى يتمكن من تنفيذ مشاريعهن الخاصة والاستمرار فيها، وهي لا تصنع هذه المنتجات كما يصنع الأخرين بل تريد أن تقدم الأجود والأحسن.
تعد الكفيفات وذوي الإعاقة من أكثر الفئات إصرارا على الاعتماد على النفس بعيدا عن طلب يد العون من الآخرين، فيعملون بجد لتجاوز الإعاقة وفرض وجودهم لنيل احترام وتقدير الأسرة والمجتمع وتخطي نظرات العطف.
خطوات الاستقلال
تمثل جمعية الأمان لرعاية الكفيفات أبرز الجهات الداعمة لتعليم وتأهيل الكفيفات وتطوير مهاراتهن، وليست المنتجات الحرفية المعروضة ببازار “بصمة كفيفة” إلا ثمرة واحدة لدورات تدريبية مستمرة في مجال التطريز وصناعة البخور والعطور والإكسسوارات والحقائب والدراسة في مجالات كثيرة.
لقد تحول البازار الخيري إلى احتفالية لعشرات الكفيفات اللاتي أشعلن جذوة الإبداع والأمل في عتمة سنوات الحرب، وتمكن من امتلاك مهن يدوية وصناعات حرفية ستغير حياتهن إلى الأفضل ليبدأن مرحلة جديدة من العمل والمثابرة.
تشعر الكفيفة بالفخر وهي تخطو خطواتها الأولى للاستقلال بحياتها وتعريف الناس بنفسها والخروج من بوتقة الإعاقة وهذا ما نسعى لتحقيقه جمعية الأمان بحسب سماح شرهان، المسئول الإعلامي بالجمعية.
تضيف شرهان: إن نور البصيرة أقوي من نور البصر وبالإرادة تتحول الإعاقة إلى وسيلة للإبداع وليس حاجز بين الكفيفات والمجتمع، مضيفة إن البازار يهدف إلى تحفيز الكفيفات على الاستمرار والعمل وتعريف المجتمع بقدراتهن على الإبداع، وإن من فقدن بصرهن أثبتن أن العزيمة والإرادة لا شيء معه مستحيل.
وأكدت شرهان، أن للأسرة دورا مهما في دعم الكفيفة لتثق بنفسها وتعتمد على قدراتها ولا يجب التعامل معها ككفيفة عاجزة أو اعتبار إعاقتها عيب تخجل منه أو موضع عطف وإحسان الأخرين.