هل الحوار مع المليشيا الانقلابية التابعة للانتقالي والمدعومة من دولة الإمارات مجدٍ أم أن نتائجه سيكون مصيرها الفشل كما هو حال الحوار مع المليشيا الحوثية المتمردة في صنعاء؟! وهل جلوس الحكومة اليمنية مع مليشيا الانتقالي إجراء قبل التزام الأخيرة بشروط الحوار بإنهاء الانقلاب وانسحاب مليشيا الانتقالي من مؤسسات ومعسكرات الدولة، يعتبر التوجه السليم للشرعية؟! وما آثار ذلك على موقفها القانوني؟!
بالنظر إلى الانقلابيين- انقلاب مليشيا الحوثي على الشرعية اليمنية في عام 2014م، ومليشيا الانتقالي في عام 2019- فالانقلابيون متشابهون في كثير من خطواتهما وتفاصيلهما.. والانقلابان استدعتهما أجندة خارجية واحدة، وهو خدمة المشروع الفارسي، وتمكين السيطرة الإيرانية من الجزيرة والخليج لعربي.. بل إن أدوات الانقلابيين تلقت تدريباتها على يد مدربين وخبراء عسكريين إيرانيين، وتربطها بإيران علاقات وطيدة وان أوكلت إيران الإشراف على أدوات المجلس الانتقالي، إلى وكيل إقليمي- الامارات- فهذه الأخيرة صارت بالفعل وكيل رسمي وموثوقة لتمديد المشروع الإيراني الإسرائيلي في المنطقة..
تماثل وتطابق، بين انقلاب مليشيا الحوثي في صنعاء، وانقلاب مليشيا المجلس الانتقالي في عدن.. ثنائي الانقلاب على شرعية واحدة.. إذ إن انقلاب مليشيا الحوثي في العاصمة صنعاء، جاء بعد تنفذ مجموعة من الخطوات والذرائع الواهية، تارة بدعوى إسقاط جرعة الخمسمائة ريال، ولم تتراجع أدوات الانقلاب من ذلك حتى بعد إلغاء الحكومة قرار الجرعة الذي اتخذتها مليشيا إيران شماعة للسيطرة على الحكم في اليمن، فعادت تحشد مسلحيها على مداخل صنعاء ومحاصرة العاصمة بدعوى إسقاط الحكومة الفاسدة، إلى أن تمكنوا من السيطرة على كثير من المؤسسات الحكومية؛ ليفرضوا ما يسمى باتفاق السلم والشراكة، ويرفضون حكومة وضعوا الوزارات السيادية والحساسة نصب أعينهم..
ولم يكن اتفاق السلم المزعوم عند الحوثيين إلا استراحة محارب استعداداً لجولتهم الأخيرة من إنجاز مخططهم للانقلاب على شرعية اليمنيين، والاستيلاء على معسكرات ومؤسسات الدولة، ليفرضوا بعده الاقامة الجبرية على رئيس الجمهورية، ورئيس وأعضاء الحكومة الجديدة، وفرض املاءاتهم على الرئيس وممارسة ضغوطات لاستصدار المئات من قرارات التعيين لعناصرهم في الوزارات السيادية والمؤسسات الحكومية، لينصبوا أنفسهم مكان الحكومة في إدارة مؤسسات الدولة واصدار القرارات ونهب الخزينة العامة- البنك المركزي والاحتياطي العام، وأموال التقاعد والتأمينات والصناديق السيادية. في الوقت الذي كانت المليشيا ترسل مسلحيها الى المحافظات اليمنية لبسط سيطرتها على البلاد وفرض أمر واقع على الشرعية وعلى اليمنيين وعلى الإقليم والمجتمع الدولي. ورغم أن الاخيرين كان لهما الدور الكبير في استقدام هذه المليشيا من كهوف مران الى العاصمة صنعاء وتمكينهم من السيطرة على كل اليمن، وذلك من خلال المبعوث الأممي جمال بنعمر، وما يسمى بسفراء الدول العشر الراعية لعملية نقل السلطة في اليمن.. لتتمكن المليشيا إيران من إعلان الانقلاب على الشرعية في 21 سبتمبر2014م، إلا أن الشرعية تلافت الأمر وخرجت من العاصمة صنعاء الى عدن لتعلنها رسميا عاصمة مؤقتة الى حين تحرير العاصمة صنعاء المحتلة من قبل مليشيا إيران التي تمددت في المحافظات اليمنية كالهشيم، وصولا إلى العاصمة المؤقتة، وزادت في تطاولها بالاعتداء على الشرعية في مقرها بعدن، وقصفت قصر المعاشيق بالطيران لتتمكن عقب ذلك من احتلال المدينة.
ولم يكن أمام الشرعية إلا أن تلجأ إلى مطالبة الأشقاء في المملكة العربية السعودية بالتدخل لوقف جنون المليشيا والتصدي للمشروع الايراني، ولقي الطلب اليمني استحابة لدى القيادة السعودية التي أعلنت عن تشكيل تحالف عربي بقيادتها وإطلاق عاصفة الحزم لدعم الشرعية اليمنية لاستعادة صنعاء والقضاء على الانقلاب الحوثي، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية- في 26مارس 2015م- وهي أهداف تتجسد غاية الشرعية من طلب التدخل، وتلبي آمال وطموحات اليمنيين في إنهاء التمرد المليشياوي، وتردع المشروع الفارسي في المنطقة.
وهذا ما أعطى الشرعية إصراراً على عدم المساومة أو التهاون مع الانقلابيين إلا بالخضوع لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإنهاء انقلابهم وعودة الشرعية أو الحسم العسكري معها. لكن تماهي الاقليم والدور المتواطئ للمجتمع الدولي مع المليشيا الحوثية في الانقلاب لفرضه كأمر واقع على الارض، وفي سبيل ذلك مورست الضغوطات على الحكومة الشرعية للجلوس مع المليشيا الحوثية للحوار وفق المرجعيات الثلاث وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي وفي مقدمة ذلك القرار 2216 الذي يلزم مليشيا الانقلاب على الانسحاب من العاصمة والمدن اليمنية والوزارات والمؤسسات الحكومية وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط للدولة.. ومنذ جنيف( 1 ،2)، مروراً بـ 70يوما في الكويت ( كويت1 وكويت 2) واستكولهوم السويد، وصولا إلى السباحة بحوار الطرشان مع مليشيا ايران ورئيس اللجنة الاممية للتحاور بشأن تنفيذ اتفاق السويد فوق سطح البحر الأحمر داخل كبينة سفينة، والذي مضى عليها 10 أشهر، والشرعية تداري الانقلابيين الإيرانيين وتساير وعود المجتمع الدولي والاقليم بإخضاع المليشيا لشروط الشرعية التي قبلت بالحوار مع انقلابيي صنعاء في محاولة منها لتوصل إلى سلام وإنهاء الحرب في اليمن..
غير أن جدول استئناف اجتماعات لجنة المراقبة الأممية ، والذي أعاد الحوار بشأن الحديدة إلى نقطة الصفر، و الحوار حول النقطة الأولى في الاتفاق وهي وقف إطلاق النار أولاً.. وهذا يعني أن كل تلك الجولات من الحوارات التي جرت خلال ال 10 الأشهر الماضية، لم تكن مجدية ولم تنجز أية نقطة أو مرحلة من الاتفاق، ما يؤكد هذا أن الحوار مع المليشيا ليس مجديا بالمرة، فهو حوار طرشان.. والأمر كذلك بالنسبة للملف الإنساني وإطلاق المختطفين وتبادل الأسرى، لم ينجز شيء منه، وهو مقر من أول جلسة لمفاوضات الكويت.
أي أن الحوارات مع مليشيا الحوثي الايرانية فشلت فشلا ذريعا، والسبب في ذلك يعود الى أن هذه المليشيا مجرد أدوات لمخطط واجندة وأطماع خارجية إيرانية، ولا يمكن لهذه الأجندة أن تتوافق ومصلحة اليمنيين في تحقيق السلام والأمن واستقلال القرار الوطني لليمنيين في تشييد وازدهار وطنهم وبناء دولتهم الاتحادية القائمة على العدالة والمساواة.
وبالتالي كانت نتائج تلك الحوارات كلما أوشك الحوار في التواصل إلى اتفاق مع وفد الانقلابيين جاء الرفض من طهران، وفشل الحوار وفشلت كل الحوارات مع مليشيا الحوثي ليصل اليمنيون مع انقلابيي صنعاء الى طريق مسدود، وفقدوا الأمل بالتوصل إلى حل سلمي عبر الحوار مع هذه المليشيا التي تأبى أن تغادر دائرة الارتهان لأجندة ايران في المنطقة.
وأمام هذا التيهان، صار فرض خيار الحسم عسكريا خياراً واقعاً لا مفر منه مع هكذا مليشيا تتخذ من العنف والحرب والسلاح وسيلة وحيدة لتحقيق أجندة ومخططات داعميها على حساب مصالح اليمنيين.
أي أن خمس سنوات من الحوار مع مليشيا انقلاب العاصمة صنعاء، لم نصل فيها إلى نتيجة توقف نزيف دم ومعاناة اليمنيين، فالأمر ذاته مع مليشيا انقلاب العاصمة المؤقتة عدن.. فالحوار معها لن يصل الى حل، لأن كلا الانقلابيين متلازمان، والقائمون عليهما مجرد ادوات تحركها اجندة ومخططات واطماع الخارج بالسيطرة على اليمن الذي ظلمته الجغرافيا ووضعته في موقع استراتيجي من العالم، تسيل لعاب أطماع الدول بمد نفوذها عليه لوقوعه على خطوط الملاحة الدولية وفي منطقة غنية بالثروة النفطية.
فالإمارات وهي تلهث وراء تحقيق أطماعها بثروات اليمن وساحله الاستراتيجي المهم، تسعى إلى السيطرة على الموانئ والسواحل اليمنية بتنسيق مع ايران، التي يبدو أنها قايضت الإمارات بدعم وتثبيت سيطرة مليشيا الحوثي على شمال اليمن لتطويق خاصرة السعودية التي تراها إيران هدفها الاستراتيجي من دعمها ورعايتها للحوثيين.
من هذا نستخلص أن حوار الشرعية اذا ما تم مع مليشيات الانتقالي- انقلاب عدن- غير مجد، والنتيجة ستكون كما كانت نتيجة الحوار مع مليشيا الحوثي- انقلاب صنعاء- وهو الفشل وإطالة أمد الحرب وتمكين انقلاب عدن من فرض سيطرته وأجندته التمزيقية لليمن، وتنفيذ سياسات وممارسة من شأنها تضعف الشرعية وتزيد من تآكل جغرافية سيطرتها وتخسيرها المزيد من الحلفاء والمساندة الشعبية داخليا وخارجيا- يمنيا وعربيا- فضلا إلى ما سيترتب على أي حوار مع مليشيا الانتقالي من انتهاك سافر للسيادة اليمنية من قبل الإمارات وإيران بصورة مباشرة وآخرين بصورة غير مباشرة.
وكما فشلت مليشيا الحوثي أن تكون دولة في انقلابها، ها هي شقيقتها في انقلاب عدن تأبى إلا أن تحذو حذوها وتطالب الشرعية بدفع الرواتب وتوفير الكهرباء للعاصمة المؤقتة عدن المنقلب عليها. كما طالبت من قبلها شقيقتها الحوثية منذ انقلابها وهي تطالب الشرعية بدفع رواتب الموظفين المنهوبة من قبل الانقلابيين.
إذ إن المليشيا عموما لا تجيد إلا صناعة الفوضى، خدمة لأجندة خارجية لا علاقة لها بمصلحة المواطن، وهذا ما تسير عليه اليوم مليشيا الانتقالي في عدن، فهي تنتهج أعمال الفوضى وتمنع الحكومة من ممارسة عملها وتحتل مقراتها وتطردها من عدن، ثم تأتي تحملها مسؤولية نفاد وقود كهرباء المدينة.. كما أنها قلدت طريقة انقلابيي صنعاء في تعيين مشرفين لبعض المؤسسات في عدن، خاصة المؤسسات الإعلامية.. حيث إنه بعد أن نفذت مليشيا ما يسمى بالانتقالي انقلابها في عدن، ومارست الانتهاكات والاقتحامات واختطاف عدد من التجار والقيادات العسكرية والامنية والسياسية وقيادات الدولة، الأمر الذي اضطر الكثير من قيادات الحكومة إلى الهروب من عدن خشية أن يطالها انتهاكات الانقلابيين، ومن تلك القيادات رئيس مجلس الإدارة لمؤسسة رئيس التحرير لصحيفة 14 أكتوبر للصحافة والطباعة والنشر، لتفرض المليشيا مشرفا لها على المؤسسة.
هذا الاستنساخ، مضحك ومستفز في آن واحد.. إذ إن مليشيا الانتقالي في انقلابها، تحاول استنساخ أو تقلد الخطوات الانقلابية لمليشيا الحوثي، والخطوات اللاحقة للانقلاب بكل تفاصيلها الدقيقة، ولم يقتصر أمر ذلك في اختلاق الذرائع والمبررات للانقلاب، وإنما تذهب إلى التقليد في التصريحات الصحفية واختيار الألفاظ والعبارات السخيفة والمضحكة.. إذ إن مليشيا الحوثي بعد انقلابها منعت الخدمات العامة- الكهرباء، الصحة، التعليم.. الخ- فخرج السكان للمطالبة بإعادة هذه الخدمات، فقام الانقلابيون بشتم واعتقال من يطالب بتوفير تلك الخدمات، بحجة أن- المليشيا- لديها مهمة وطنية مقدسة وهو التصدي للعدوان، ووجهت لكل من يتكلم عن الخدمات أو الرواتب بالعمالة لدول العدوان وبتهمة الطابور الخامس.
وبعد أن نهبت البنك المركزي ومؤسسات وأموال الدولة، قطعت رواتب الموظفين، وردت على كل من يطالب بالراتب، بالقول: إن تسليم الراتب وتوفير الكهرباء ليس من مسؤوليتهم، وان مسؤوليتهم هي التحشيد للجبهة وإرسال المقاتلين إلى جبهة الصمود والعز، وان الراتب من مسؤولية حكومة هادي المنقلب عليها.
ها هو الناشط في المجلس الانتقالي، إياد الردفاني، قال: إن المجلس الانتقالي غير ملزم بصرف أي مرتبات، أو توفير أي خدمات في الوقت الحالي.. مؤكدا أنه يتوجب على من يطالبون الانتقالي بتوفير الخدمات أن يخجلوا من أنفسهم.
وأضاف بالقول:” في المرحلة الراهنة الانتقالي ليس ملزما بتوفير الخدمات ولا حتى الرواتب، الانتقالي يخوض حربا مصيرية ،يخوض حربا نيابة عن كل مواطن جنوبي، حرب استعادة الكرامة الوطنية ،ألا نخجل من مطالبة الانتقالي بالكهرباء وعشرات الالاف من مقاتليه في الصحراء والجبال يعانون الحر الشديد ويختلط طعامهم بالأتربة والرمال دفاعا عن الوطن وكرامته! ألا نخجل من مطالبة الانتقالي بالخدمات ونحن نعيش آمنين في منازلنا وإلى جانب أطفالنا وزوجاتنا! فبدلا من المطالبة بالخدمات يفترض أن نكون إلى جانبهم في الجبهات. هذا هو الكلام ذاته التي تقوله مليشيا الحوثي للموظفين المقطوعة رواتبهم منذ أربع سنوات، وهي نفس الإجابات والخطابات والردود على أي مواطن يسال مليشيا الحوثي عن حقوقه القانونية والدستورية.
أمع هكذا مليشيا فوضوية تريدون الحصول على سلام عبر الحوار.. قبل انسحابها من المؤسسات الحكومية ومعسكرات الجيش والأمن التي استولت عليها.. وتسليم السلاح والقبول بإدماج ملشياتها وعناصرها في الجيش والامن!
وأما بالنسبة للحوار مع مليشيا الانتقالي وأثره على الموقف القانوني للشرعية؛ فإن ذلك يؤدي إلى إنهاء الشرعية، وتنازع الانقلابيين عاصمتها – انقلاب في صنعاء وآخر في عدن – وهذا سيؤدي باليمن إلى الانزلاق في الفوضى، وهو تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح لمجلس الأمن التدخل للتصدي لتهديدات الأمن والسلم الدوليين، وهو سيكون مدخلاً لإلغاء القرار 2216 الذي ينص على إعادة الشرعية ووحدة اليمن وأمنه واستقراره، واصدار قرار جديد يعترف بدولتين يمنيتين – جنوبية وشمالية- وهذا ما تسعى إليه بريطانيا والإمارات في التخلص من أعباء القرار 2216 المؤكد على سيادة ووحدة وأمن اليمن، بل أن مسودة القرار الجديد قد أعدته بريطانيا والإمارات.