تزامنًا مع حلول عيد الفطر في اليمن، وتصاعد موجة الغلاء وارتفاع أسعار السلع الموسمية، يتسابق معظم اليمنيين على باعة الأرصفة بحثًا عن ما يرضي حاجتهم ويتوافق مع قدرتهم الشرائية المحدودة، لرسم أجواء البهجة على ملامح أطفالهم وأسرهم، وإن كانت ”مزيفة“، في ظل حالة التردي الاقتصادي وصعوبة الوضع المعيشي، في بلدهم الذي يشهد حربًا مستمرة، أشعلها المتمردون الحوثيون منذ نحو 4 سنوات.
وقال الحاج سعيد العقربي، موظف في القطاع التربوي، إن لديه ثلاثة أبناء وبنتًا، وقد لجأ منذ عامين إلى شراء ملابس العيد لأولاده من ”باعة البسطات“ الممتدين على سوق مدينة ”كريتر“ القديمة في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن؛ لكنه في هذا العام، وجد نفسه غير قادر على الإيفاء بالعادة التي اعتادت عليها أسرته، نظرًا لتردي الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار إلى مستوى غير معقول.
ويضيف بحرج بالغ: ”استدنت مبلغًا ماليًا من ابن أخي الأصغر سنًا مني، حتى أستطيع الإيفاء بالتزاماتي تجاه أولادي، وسأضطر إلى تسديد الدين عبر أقساط من راتبي، رغم أنني موظف حكومي وأعطي دروسًا خصوصية للطلاب بمقابل مادي، ومع ذلك لم يكن ذلك كافيًا لسد احتياجاتنا، فكيف يفعل المعدم والذي ليس لديه دخل مادي لتوفير لقمته؟“.
وبحسب تصريحات حكومية سابقة، فإن عددَ موظفي الدولة اليمنية في القطاعين العسكري والمدني، يبلغ 1.2 مليون موظف فقط، من بين أكثر من 28 مليون يمني، يعيش بلدهم ”أسوأ أزمة إنسانية في العالم“، ويحتاج نحو 80% منهم إلى مساعدات إنسانية؛ وفق تقديرات الأمم المتحدة.
جشع التجار
ويشير الشاب صالح المحضار، العامل في أحد محلات بيع الملابس بعدن، إلى أن معظم تجار الجملة مصابون بالجشع وبضائعهم يبيعونها لتجار التجزئة بأسعار كبيرة، لا تساعد على خلق هامش ربح جيد للتجار الأصغر، في ظل المتطلبات الأخرى كإيجار المحل ورواتب العمال وغيره، وهو ما يدفع غالبية الزبائن إلى الامتعاض من أسعار البضائع المعروضة.
وقال في حديثه، إن ”الكثير من زبائنهم أصبحوا يتهافتون على باعة البسطات، تاركين البضائع ذات الجودة الأعلى نظرًا لأسعارها المرتفعة، مقابل شراء ملابس ذات جودة وسعر أقل“. متسائلًا عن دور الجهات الحكومية في إيقاف ما أسماه بـ ”جنون وجشع التجار“ وضبط أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية التي قال إنها ”تطحن المواطنين، في ظل وضع اقتصادي صعب جدًا“.
من جهته، قال نائب وزير الصناعة والتجارة، سالم الوالي، إن الوزارة ومكاتبها في المحافظات (مناطق سيطرة الحكومة) ، تقوم برصد حركة متغيرات الأسعار ودراستها، وتحثّ على إشهارها، كما تقوم بمتابعة الوضع التمويني ومدى توفر السلع في الأسواق، وضمان جودتها وسلامتها وعدم تعرضها للتلف، لتلبية احتياجات المستهلك.
ويشير إلى أن السلع الاستهلاكية الموسمية التي يزداد عليها الطلب، تشهد تفاوتًا في الأسعار من حيث جودتها، وهناك سلع مناسبة ورخيصة للمستهلك، ”والخيار الأخير يحدده المستهلك بناءً على طلباته منها“.
تكاليف إضافية
وبشأن ارتفاع أسعار الأقمشة والملابس، قال الوالي: ”نحن نتابع هذا الأمر باهتمام، وهناك قرار من وزير الصناعة والتجارة، رقم 66 لسنة 2007، بشأن إشهار الأسعار للسلع، ومن ضمنها الأقمشة والملابس، حيث يُلزم التاجر أن يعلن قائمة بأسعارها في محله وبشكل واضح للمستهلك، وعلى كل صنف، لكن للأسف الشديد، إلى الآن لم يتعاطَ التاجر بفعالية مع هذا القرار؛ لأن إشهار السعر هو مفيد له وللمستهلك“.
لافتًا إلى أن غالبية التجار يعزون سبب ارتفاع أسعار الأقمشة والملابس إلى عدم استقرار سعر صرف العملة، وارتفاع تكاليف نقل السلع من بلد التصدير، وتأخيرها في بعض الموانئ، نظرًا لعمليات التفتيش والسماح بدخولها إلى اليمن، ما يضاعف عليهم تكاليف أجور النقل، ويتطلب منهم رفع تكلفة سعر السلعة، لتغطية هذه التكاليف الإضافية.
وقال نائب وزير الصناعة والتجارة: إن “التجار لا يغفلون ضعف القدرة الشرائية للمواطن، ولهذا هم يستوردون السلع ذات الجودة والسعر المرتفع، وسلع أقل سعرًا تكون مناسبة للقدرة الشرائية للمستهلك.
وأكد أن وزارة الصناعة والتجارة، تعمل جاهدة ممثلة بالإدارة العامة للرقابة على الأسواق، وفروعها في المديريات، للحد من ارتفاع الأسعار وضبط المتلاعبين بها، والتلويح بعقوبة التشهير بهم ووقف سجلاتهم التجارية واعتمادات البنك المركزي، من خلال تنفيذ حملات نزول ميدانية ومتابعات شبه يومية رغم الصعوبات.
عوامل أخرى
وأشار الوالي، إلى عوامل أخرى داخلية وخارجية، ساهمت في موجة ارتفاع أسعار السلع، كضعف النشاط المجتمعي للرقابة والمتابعة، وتأثير الجوانب السياسية والأمنية على آلية السوق والنشاط التجاري، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الداخلة في الصناعات الغذائية وأجور النقل البحري لهذه السلع.
وتتشارك المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثيين ومناطق سيطرة الحكومة الشرعية، موجة الغلاء التي تغزو الأسواق اليمنية، رغم حالة الاستقرار الطفيفة التي عاشتها العملة المحلية خلال الفترة القليلة الماضية، قبل أن تعود مجددًا في شهر مايو المنصرم، إلى الاضطراب وعدم الاستقرار.
ووفقًا لتقرير محلي صدر الأسبوع الماضي، عن ”مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي“ – مستقل – فإن حالة التحسن في سعر الريال اليمني في نيسان / إبريل الماضي، لم توقف تصاعد أسعار السلع الأساسية، وهو ما يعود إلى ”الانقسام في الإدارة الحكومية للشأن الاقتصادي وعدم سريان القرارات الاقتصادية التي أصدرها البنك المركزي فيما يتعلق بالسياسة النقدية على مناطق سيطرة جماعة الحوثي في المحافظات الشمالية والغربية وهي مناطق الثقل السكاني والاقتصادي“، نقلا عن وكالة إرم نيوز.