صالح الحكمي:
موجة السخرية أو النكت السياسية الهادفة والساخرة التي اجتاحت مواقع التواصل الإجتماعية كردة فعل على خطوة الإنقلابيين الهمجية (بتشكيل حكومة قوام أعضائها 42 عضواً) نتاج طبيعي ودلالة على فهم ووعي عميق لدى أبناء الشعب اليمني. ولم يكن من إجراء سريع يستحق القيام به كردة فعل أنجع وأفضل من التهكم والسخرية إزاء ما قام به الإنقلابيون، الخوف بالنسبة لي كان من إسراع من هم في صف الشرعية والمحسوبين عليها للتعامل مع هذه الحماقة السياسية الغبية بجدية وبتحليلات عميقة وتحذيرات وصراخ منذ الوهلة الأولى؛ لكنهم كانوا أكثر وعياً وإدراكاً من أي وقت مضى، فلقد أتى تندرهم وسخريتهم أُكلهُ وضرب الإنقلابيين في الصميم، حيث أكدوا لهم أن ما أقدموا عليه في الوقت الراهن لا يعدو عن كونه مادة للتندر والاستخفاف في أحد جوانبه.
ولدى أبناء اليمن الحق في السخرية -برغم معارضة أغلب الزملاء على الإسراف في السخرية- فهو مكون ولد – ليس مشوهاً فقط – بل ومشبوهاً، ولد من (لجنة ثورية) لم يعترف بها أحد، ونتيجة لعدم اعتراف أي دولة أو حتى مكون داخلي بها حاولت تجاوز هذه الفضيحة بإصدار قرار يقضي بتشكيل (مجلس سياسي) بالمناصفة وكانت الصدمة أنه رُفض الإعتراف به دولياً ومحلياً –أيضاً- حتى إسماعيل ولد الشيخ، وبدلاً من دس رؤوسهم في الرمال خجلاً أصدر (المجلس السياسي) غير المعترف به والمنبثق من لجنة رفض الاعتراف بها، أصدر قراراً بتشكيل حكومة مصيرها معروف، لم يعترفوا بالمكون الأول ولا الثاني يأتون بالثالث، إنها رقصة الثور الذبيح يا لجنةً ومجلساً وحكومةً لم ولن يعترف بها أحد! وما الذي ستقدمه حكومة -جُل أعضائها أصحاب سوابق- شكلت من مكون إنقلابي غير شرعي على أنقاض وطن، بعد تسببهم في انهيار كافة مؤسسات الدولة وانعدام السيولة النقدية من السوق ونقل البنك المركزي إلى عدن وعدم تمكنهم من دفع رواتب الموظفين؟
من جهة أخری لا ينبغي أن يمر ما أقدموا عليه مرور الكرام، بل إن قيامهم بتشكيل حكومة قائمة أسماؤها أشبه ما تكون بقائمة سجناء بتهم من الدرجة الأولى في سجن دولي؛ جمعت السلاليين والطائفيين وسبابي الصحابة وزوجات الرسول والقتلة واللصوص وتجار المخدرات والسلاح وقطاع الطرق وأصحاب المواقف الشاذة والمعروفة على الصعيد اليمني، بالإضافة إلى عدم احترامهم للتخصصات ولا للأجيال الحالية واللاحقة، هذه الخطوة تستدعي الوقوف عندها كثيراً وتحليل وتبيين خطورتها وأهدافها ونتائجها الكارثية مستقبلاً على المبادئ والقيم والثوابت الدينية والوطنية وكل المرجعيات والأعراف.
فليست مصادفة أن يتم تعيين شخص معروف بمواقفه المتعصبة والمتطرفة مذهبياً وعقدياً الی الحد الذي أباح دماء كل من عارض فكرهم وإنقلابهم من اليمنيين وطالب –علناً- بوضعهم كأهداف لطيران التحالف، ومن تنحصر معارفه واهتماماته في الجانب الفقهي المتطرف وزيراً للشباب والرياضة, ومن يسب زوجات الرسول ولا يفهم سوى موقعة الجمل وصفين وكيف قتل الحسين عطشاناً، ولم يقرأ سوى ملازم أخيه الصريع حسين الحوثي، ومن ينظُر لليمنيين –أجمعهم- على أنهم بني أمية وجب قتالهم ثأراً للحسين وزيراً للتربية والتعليم، ولعل تعليق المفكر غائب حواس حول تعيينه أدق وصفاً عندما قال: “التربية والتعليم بين نقيضين.. من فجر الجمهورية إلى غسق الإمامة، من محمد محمود الزبيري إلى يحيى بدر الدين الحوثي، من حكومة السلّال إلى تَحّكُّمِ السُلالة”، وتعيين الشيخ القبلي قاطع الطريق والذي لا يمتلك أي مؤهل أو حتى يجيد استخدام الهاتف الذكي وزيراً للإتصالات، وتاجر السلاح والمطلوب دولياً والمدرج في القائمة السوداء وزيراً للدولة، وتعيين شخص اشتهر بخطبه ومحاضراته في حسينيات طهران وقم وظهوره باستمرار من الضاحية الجنوبية بلبنان وزيراً للشؤون القانونية، وقس على ذلك بقية الأسماء، وللعلم فإن هذه القائمة تعتبر أفضل ما لديهم، ولهم أكثر من شهرين وهم يفاضلون بينهم ويتصارعون على الاختيار والترشيح بعناية، ولكم أن تتخيلوا إذا كان هؤلاء الأفضل فكيف ستكون النماذج الأسوأ؟!!
الأشد خطورة وما يدق ناقوس الخطر الحقيقي هو استيلاء الحوثيين (الإماميون الجدد) على أهم الوزارات النوعية والحساسة وانفرادهم بها، الوزارت التي يستطيعون التحرك والتحكم وإحداث التغيير فيها، وتنفيذ مشاريعهم الإمامية ومخططاتهم الخبيثة، وبث سمومهم وأفكار الموت والحقد والعنف والتطرف والتمييز والعنصرية والطائفية من خلالها خصوصاً وتعيين إماميين سلاليين من الطبقة الهاشمية فيها، وبمعنى أدق (رجالات إيران وأذرعها لتصدير ثورتها الخمينية في اليمن). تفردهم بهذه الوزارات لم يأتِ نتيجة قرعة بين الحليفين؛ بل رسم وخطط لها بشكل دقيق وهم يعرفون لماذا اختاروها عن غيرها، لقد تفردوا بها بغية تغيير العقل الجمعي للنشء من أبنائنا وبناتنا في مختلف مراحل التعليم من الإبتدائي إلى الجامعي والدراسات العليا، وللتحكم بالقضاء والقانون، بل إن استحواذهم على الحقائب المعنية بالجيش والأمن جاء لهدف تشكيل جيش مذهبي طائفي على غرار الحشد الشعبي العراقي تكون إيران مرجعيته الأولى لطمس الهوية اليمنية ولخوض حروب طائفية، وآخر من اختصاصاته المساحات والأراضي لإكمال الحزام الأمني الطائفي حول العاصمة صنعاء من خلال بناء مجمعات سكنية وشراء أراضي لتوطين أتباعهم. في المقابل جعلت من الوزارات غير ذات الجدوى في المرحلة الراهنة كالمغتربين والتخطيط والتعاون الدولي والخارجية وغيرها من الوزارات الصورية من نصيب المؤتمر (فرع المخلوع).
هذه الخطوة عرّتهم أمام الشعب وأمام المجتمع الدولي وأوصلت رسالة واضحة للجميع عن مدى خطورة سيطرة هؤلاء على السلطة والمرحلة السوداوية التي ستحل بالشعب لو حكم هؤلاء أو ظلوا في الحكم، وبالمقابل ستعزز من موقف الشرعية أمام المجتمع الدولي وستنسف الجهود والمبادرات المطروحة على الطاولات والتي كانت تصب في مصلحتهم. وليس هناك أي رد يمكن أن تقوم به القيادة السياسية والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية على تصرفات الإنقلابيين الحمقى إلا الحسم العسكري السريع والفاصل، ولعله الخيار الناجع الوحيد الذي سيتكفل بوضع حد لترهاتهم وحماقاتهم وإهاناتهم لرمزية الدولة وكافة مؤسساتها واستهدافهم لكل الثوابت الدينية والوطنية.