سجلت المرأة اليمنية في ثورة الـ11 من فبراير 2011م، ثورة الشباب السلمية، ظهوراً لافتاً وموازٍياً للشباب، في ظاهرة سجلت ملاحمها أروع سجلاتها الثورية ضد نظام صالح الذي ظل يستبد ملايين اليمنيين طوال 33 عاماً هي فترة حكمه.
الأصوات النسائية الثورية في خضم الثورة السلمية لم تخفت أو تضمحل، بل كانت صرخة قوية ساعدت في تحطيم قواعد كرسي النظام المستبد، فأصمتت صرخاتها القوية أسلحة صالح الذي خرج يقتل بها الثوار، وأصمت صرخاتها أذانه الذي لم يستطع تحملها، فأظهر حقده من خلال مليشيا أرسلت رصاصاتها الغادرة إلى صدور الثوار بما فيهم المرأة التي سقطت شهيدة وجريحة في سبيل تحقيق الحلم، وتهديم قواعد عرشه المستبد.
المرأة اليمنية تذكر محطات الثورة الناصعة بمشاركتها إنها قدمت في ثورة الشعب السلمية العديد من التضحيات التي لا يمكن إجمالها في سطور، لعل أبرزها التضحية بالنفس والاعتصام في ساحات الثورة المطالبة بالتغيير ورحيل النظام الفاسد، علاوة على قيادة التظاهرات والاحتجاجات الثورية.
يأتي ذلك – طبقاً لما تؤكده عدد من ناشطات وثائرات فبراير – إلى دور كبير قامت به المرأة في الثورة من خلال مساندتها للرجل، وظهورها في المهمات الصعبة والوطنية، في دور – يصفه ناشطون – لا يقل عن الرجل مشاركة وفاعلية.
المرأة الثائرة التي تركت هدوء المنزل وراحة الفرش الناعمة، واختارت خيام التغيير في ساحات الحرية وسط ضجيج وهتافات الثوار – تؤكد الناشطة الإعلامية والشبابية دعاء صوان – إنها لعبت دوراً بارزاً في ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية، بأشكال مختلفة، من حيث المشاركات في المظاهرات والفعاليات والنشاطات المختلفة.
وتؤكد صوان أن دور المرأة في الثورة لم يقف هنا فحسب، بل تجسد أيضاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال نشر أفكار الثورة، وفضح استبداد نظام المخلوع، ونشر قيم الثورة، ناشطة بمشارِكة فاعلة في المظاهرات والمسيرات التي شهدتَها ساحات التغيير اليمن مع انطلاق ثورة 11 فبراير في كل المسيرات، حتى أصبحت إحدى ركائز الثورة الأساسية.
المرأة.. انطلاق قول وفعل
ثورة 11من فبراير الخالدة -يصفها الكثيرون- كانت محطة انطلاقة المرأة قولاً وفعلاً، حتى صارت الثورة امرأة، والحرية امرأة، والكلمة امرأة، وارتفع صوتها الذي كان عيب وعورة، ودوّى عبر ساحات الحرية في أرجاء الوطن كاملاً.
بهذه الانطلاقة وتجاوز المرأة المعوقات التي كانت تواجهها حتى قبل ثورة فبراير أصبحت المرأة مع انطلاق الثورة صوتاً وسوطاً واحداً يشارك بقوة وفاعلية الرجل ضد الظلم والاستبداد، ولتصنع الغد، جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل.
ومثلت ثورة فبراير بالنسبة للمرأة اليمنية تحولاً لافتاً في حياة المرأة، وحولتها من الهامش الى المتن، ومن الحضور الباهت إلى المشاركة الفعلية، والوقوف إلى جانب الرجل خلال عام ونصف للمطالبة بالحرية والعدالة والكرامة، من أول مسيرة في الثورة إلى كل ساحة اعتصام.
وصول إلى العالمية
في قوائم الشهداء والجرحى ومن تعرضوا للاعتقال، وفي الإعلام والمستشفيات الميدانية، وحتى اللجان الأمنية في الساحات، هناك كانت دائماً المرأة اليمنية في قلب الثورة التي كانت ربيعاً للمرأة اليمنية بقدر ما كانت ربيعاً للبلد نفسه، وهو الدور الذي أوصلها إلى منصة التكريم العالمي في جائزة «نوبل».
لوحة مميزة
كانت مشاركة المرأة اليمنية في المسيرات والتظاهرات صورة ولوحة مميزة، مثلت صورة لافتة لإرادتها الثورية.
وفي تلك المسيرات الثورية المطالبة برحيل النظام الفاسد، لعلها كانت ألوان العلم الوطني التي ترتديه الثائرات أكثر بريقاً وأعمق دلالة، وهو مرفوع على رؤوس الحرائر، ومرسوم على أكفهن ووجوههن، فلقد رسمن خلال الثورة أزهى الصور السلمية والمتقدمة عن مجتمع لطالما تعرض للظلم في وسائل الإعلام التي تربطه بالتخلّف والعنف.
ناطقة للثورة
تحدثت الكاتبة والصحفية بلقيس أحمد الآبارة في مقال لها تحت عنوان: «المرأة في فبراير» نشر العام الماضي: أن المرأة اليمنية أثبتت بالفعل أنها المعادلة الحرجة في الديمقراطيات الحديثة التي لم تكتف بالدعوة إليها ضمن حدود البيت، مكبلة بقيود القبيلة بل تجاوزت ذلك، وأقنعت الجميع بالاعتراف بعمق تأثيرها وبحضورها الفاعل الذي سُلبً منك منذ زمن طويل، مضيفة: «خرجت المرأة باحثة عنك أولاً وعن طموحاتك، عن الوطن المسلوب الذي أردت له أن يعود ليكفل لك ذلك، تربعت على عرش القيادة، وبادرت في تقديم التضحيات الجسام إلى جانب شقيقك الرجل لاقتلاع الفوضى وجذور الفساد».
وأشارت إلى تنوع فنون نضال المرأة اليمنية خلال مشاركتها بالثورة، من خلال مشاركتها في التظاهرات والاعتصامات الجماهيرية. وقالت: «كان لكِ الحضور القوي، والنصيب الأوفر في ساحات العزة والكرامة، بعموم الجمهورية، وأبرزها في العاصمة صنعاء».
وأشارت إلى أن المرأة لم تكتف بمشاركتها في التظاهرات والاعتصامات، بل تحولت إلى ناطقة باسم الثورة ومعبرة عن أهدافها وطموحاتها. وقالت: «أنشأت المرأة المدونات، وصفحات الفيسبوك، وأسهمت من خلال وسائل الإعلام الحديثة فى تعزيز الوعى بمفهوم الحريات والتحرر، والدفاع عن حقوق النساء وحرية الرأي والتعبير، انطلاقاً من اقتناعك بأن المشاركة في مسيرة التحول الديمقراطي هي الوسيلة الرئيسية التي يمكن أن تكفل لك حقوقك».
تضحيات
19 امرأة سقطن شهيدات في ساحات الثورة، بداية بـ«عزيزة» التي استشهدت برصاص مليشيا صالح في ساحة الحرية بتعز، مروراً ب”تفاحة» ثائرة المدينة ذاتها، وصولاً إلى «ياسمين» و«زينب» اللتين استشهدتا في الساحة ذاتها، في حين لم تثنها دموية القاتل عن هدفها الثوري، ومواصلة السير في إسقاط نظامه المستبد.
شهيدات من أجل الحرية
وكأشقائها الرجال الذين رابطوا في ميادين النضال بساحات التغيير، وتعرضوا للقتل، تعرضت المرأة اليمنية أيضاً للقتل والاعتداء على يد بلاطجة ومليشيا المخلوع صالح، فسقط منهنَّ شهيداتٌ وجريحات بالمئات.
ثورة الشباب السلمية 11 فبراير التي كانت المرأة عنصراً ثورياً فاعلاً ساهم في إذكاء شرارتها – تؤكد إحصائياتها – أن عدد شهيدات الثورة خلالها بلغن 19 شهيدة، لكل واحدة منهن قصة مع النضال والتضحية تزخر أحرفها بالثورة، وأن كل قصة تختلف عن الأخرى، وتحكي تفاصيل عظمة المرأة اليمنية الخالدة التي سطرتها خلال الثورة.
عزيزة.. أول الثائرات
في تظاهرة سلمية جاب بها ثوار فبراير أحياء وشوارع منطقة حوض الأشراف، شرقي مدينة تعز، بتاريخ 19 سبتمبر 2011م، تطالب برحيل النظام العائلي المستبد، أخرجت مليشيا المخلوع أسلحتها ووجهتها في صدور الثوار التي كانت المرأة مشاركة بفاعلية في التظاهرة، فسقط فيها ثلاثة شهداء وعشرات الجرحى، من بين الشهداء الثائرة «عزيزة عبده عثمان المهاجري».
باستشهادها أثناء مشاركتها بالتظاهرة السلمية التي انطلقت من ساحة الحرية، مروراً بعدة شوارع بالمدينة ومنها «وادي المدام»، وهو آخر الأماكن التي وطأت فيها أقدام الثائرة، كانت «عزيزة» أول شهيدة في ثورة فبراير الشبابية، فقد كانت «عزيزة» ضمن خمس نساء تقدمنَ مسيرة اجتازت الحاجز الأمني في أول تظاهرة مرت أمام مستشفى الثورة الذي أًصبح حينها مدججاً بجميع أنواع الأسلحة التي يمتلكها الحرس الجمهوري التابع للمخلوع صالح المرابط بذات المكان.
«عزيزة» أيضاً واحدة من النساء اللواتي تم رشهن بخراطيم المياه في تظاهرة أمام مدرسة الشعب، مما أدى إلى إصابتها وسقوط خمارها، وهو المشهد الذي عرض في بعض القنوات الفضائية حينها، وعندما نقلت إلى مستشفى الروضة رفضت الإفصاح عن اسمها أو التصوير أمام عدسات الإعلام وهي تقول: «نحن خرجنا لإسقاط نظام وليس لتصوير أو شهرة».
الشهيدة عزيزة، التي جسدت نضالات المرأة اليمنية في أبهى صورها الثورية، انطلقت من ساحة الحرية في مسيرات حاشدة تجوب الشوارع وتردد الشعارات المناهضة لنظام المخلوع، وفي وادي المدام أقدمت قوات الأمن المخلوع صالح، على إطلاق النار تجاه المسيرة، اضطر نتيجتها شباب الثورة إلى الانسحاب، غير أن «عزيزة» تقدمت إلى الأمام في المسيرة وهي تصرخ بكل صوتها مخاطبة مطلقي النار: «يا ناس حرام عليكم، هؤلاء شباب وأطفال، لماذا تطلقون النار عليهم؟ ماهو ذنبهم؟ حرام عليكم! حرااام!».
لم تكمل أول شهيدات الثورة عبارتها حتى اخترقتِ إحدى رصاصات بلاطجة نظام المخلوع جمجمتها من الخلف لتنفذ من مقدمة رأسها، مودعة حياة اختتمتها بالتضحية بالنفس في سبيل نجاح الثورة.
شهيدات على الدرب
مليشيا المخلوع صالح لم تقف انتهاكاتها عند هذا الحد، بل تواصلت في استهداف الثوار وقتلهم، حيث لحقت بـ”عزيزة» ثلاثة شهيدات في مجزرة في 11 نوفمبر من العام 2011م في جمعةٍ أسموها ثوار تعز بـ«لا حصانة للقتلة»، حيث كن الثائرات: «تفاحة العنتري» و«زينب العديني» و«ياسمين الأصبحي»، نساء ثلاث لحقن بدرب عزيزة فاستشهدنَ في مصلاهن وأثناء هتافهن للقتلة: «لا نريدكم تحكمونا».
تفاحة.. أم الثوار
في الـ11من نوفمبر من عام الثورة، وبتوقيت صلاة جمعةٍ أسماها ثوار تعز بـ«لا حصانة للقتلة»، كانت الشهيدة «تفاحة العنتري» التي أطلق عليها اسم «أم الثوار» على موعد مع الشهادة مع ثائرتان أخريتان.
وأطلق الثوار على «تفاحة» أم الثوار، لرباطها في ساحات الحرية، ولشخصيتها القيادية بالفطرة وعزيمتها وإصرارها، بحسب مثيلاتها، فلقد كانت لا تتخلى في أصعب المواقف على من حولها وبجانبها ومن يحتاج إلى مساعدتها، حيث كرست جل وقتها وجهودها لخدمة ثورة شعبها، فكانت أول المرابطين في ساحة الحرية وأكثرهم نشاطاً.
بصمودها الذي فاق صمود الرجال كانت تعود إلى المنزل والقول لأهلها – وكل أبناء اليمن أهلها – وقد بدأت ملامح الإرهاق والتعب على وجهها لتعد الكعك، وأشياء أخرى لأبنائها في الساحة دعماً منها لهم ومشاركتهم لقمة العيش.
ويقول العديد من الثوار والثائرات الذين عايشوها: إُن همها الوحيد كان في خدمة الثورة وشبابها، وفي سبيل ذلك ضحت بنفسها وروحها الطاهرة رخيصة في سبيل ثورة شعب رفض البقاء خانعاً تحت ظلم الجبابرة، ولم تكن نشاطاتها محصورة في إعداد الكعك وتقديم الأكل للثوار في الساحة ،والتنظيم من خلال لجنة النظام في الساحة، وتعاونها مع لجان الخدمات والدعم وغيرها من اللجان، بل تقدمت الصفوف في تلك المسيرات التي شهدتها تعز طيلة أيام الثورة رغم آلة الإجرام القمعية التابعة للنظام.
وتحدث أقاربها في مناسبات سابقة بذكرى الثورة أنه ما من مسيرةٍ قُمعَت إلا وكانت تفاحة من أوائل المشاركين فيها بكل قوة وصمود، ولا تهاب رصاصات الخوف والخنوع التي تسقطها عصابة المخلوع على المحافظة، ونالها من ذلك القمع ما نالها، مؤكدين أنها تمنت الشهادة منذ أول يوم خرجت فيه إلى الساحة، وكان لها ما تمنت بأن حقق الله أمنيتها يوم الجمعة في أيام العشر من ذي الحجة.
ياسمين الثائرة والحافظة زينب
شهيدتان أخريتان، توجت ثورة الشباب السلمية بدمائهما الزكية التي قدمتها في سبيل الثورة، هما الشهيدة «ياسمين» الثائرة التي من أول يوم اندلعت فيه الثورة توقفت عن دراستها لتشارك أبناء وطنها ثورتهم، والشهيدة «زينب العديني» الحافظة التي عشقت ساحة الحرية وخيامها، ووضعت بصماتها في كل عبارة ثورية خطتها أناملها حتى دفعت روحها ثمناً في سبيل نجاح الثورة.
ياسمين، كانت -طبقاً لمعلومات سابقة نشرت عنها- إحدى فتيات تعز الثائرات، شاركت في المسيرات التي كانت تنطلق من ساحة الحرية، وكان لها نشاط كبير وملفت للنظر في الساحة، وبعد محرقة ساحة الحرية في 29 مايو 2011م سعت «ياسمين»، جاهدة لإعادة وهج الساحة ونشاطها من خلال المشاركة في المسيرات اليومية الصباحية والمسائية.
تحكي المعلومات التي نشرت عن ياسمين، أنها كانت مخطوبة فتمنت أن تقيم عرسها في الساحة، فباعت دبلتها وجمعت التبرعات لإعادة منصة ساحة الحرية أفضل مما كانت، فكان لها ما أرادت وزفت من الساحة شهيدة في جمعة «لا حصانة للقتلة».
وفي الجمعة ذاتها التي استشهدت فيها ياسمين، استشهدت أيضاً الحافظة «زينب العديني» الشابة الثائرة التي تخرجت من حلقة مسجد أم القرى التابعة لجمعية معاذ العلمية لخدمة القرآن الكريم والسنة النبوية الذي عكفت فيها خمسة أعوام لتنهل من علمها في مجال العلوم الشرعية بعد أن قضت عامين لحفظ القرآن الكريم إجازةً وسنداً وَخَتمتْه مرتين فحصلت على إجازة مفتية من مشايخ عدة لتصبحَ شيخَ علمٍ ومعلمة وحافظة لكتاب الله، واختتمت مسيرة حياتها الحافلة بالبذل والعطاء بأن قدمت روحها هدية لوطنها الكبير.
الشهيدة الحافظة «زينب» – تؤكد صديقات لها في تقارير سابقة نشرت في سياق الموضوع – أنها عشقت ساحة الحرية وخيامها، ووضعت بصماتها في كل عبارة ثورية خطتها أناملها، فقد كانت صاحبة الخط الجميل والذوق الرفيع والصوت الشجي وهي تتلوا آيات من القرآن الكريم، وحرصت على المشاركة في المسيرات التي تخرج في تعز الثورة منذ انطلاقة ثورة الشباب السلمية، وكانت أشد شغفاً وحباً لساحة الحرية، فكانت إحدى العاملات في لجنة التفتيش والنظام.
وبعد محرقة ساحة تعز واستعادة الساحة – تقول صديقاتها – إنها انخرطت في تكتل مناضلات ثورة اليمن، وكانت أكثرهن نشاطاً وحيوية في تقديم الأطباق الخيرية، ومساعدة الجرحى وأسر الشهداء، وكتابة اللوحات في المسيرات وفي الفعاليات التي ينظمها تكتل مناضلات ثورة اليمن وشباب 11 فبراير.
وتذكر أبرز محطات الثورة الشبابية التي كانت المرأة اليمنية أحد أهم أركانها، إنه عندما استشهدت عزيزة، وتفاحة، وياسمين، وزينب، خرجت كل النساء لتقول: «كلنا «زينب وعزيزة وتفاحة وياسمين «ودمنا دمائهن».
بهذه البطولات الخالدة للمرأة اليمنية في أحداث ثورة فبراير الشعبية السلمية، تؤكد بطولاتها وتضحياتها أنها كانت أيضاً عموداً زلزلت أركان وأعمدة عرش المخلوع، لتثبت بذلك – وفق ما يقول الشباب الثوار – أن المرأة عندما تهز سرير طفلها بيدها اليمنى فإنها تهز العالم بيدها اليسرى، وقد جسدت ذلك المرأة اليمنية في ثورة 11 فبراير وغيرها من محطات النضال.
تضحيات متواصلة
لم تقف تضحيات المرأة اليمنية في ثورة 11 فبراير بالمشاركة والتضحية بالنفس فحسب، بل إن التضحيات الثورية تبقى المرأة هي فقط من تدفع ثمنها. وفقا لما تقول «سحر» إحدى المشاركات في الثورة.
وتؤكد أن ثورة 11 فبراير كشفت محطاتها عن وجوه مشرقة وناصعة البياض للنساء، موضحة أن آلاف الشهداء تركوا نساءهم أرامل وأمهات لأطفال، وغالبيتهن في أعمار الزهور والصبا، وأطفالهن في عمر الطفولة المبكرة، وأن آلاف الشهداء شيعتهم أمهاتهم بالدعاء وطلب الرحمة، وشيعن أحزانهن إلى أرواح ستبقى هائمة فوق المقابر حتى تلحق بفلذات الأكباد، وإن آلاف الإخوة تبكيهن الأخوات، فإذا غاب السند تقول الأخت: فمن لي بعد أخي وشقيق روحي؟
عشرات الأحبة والشباب في ساحات التغيير – تذكر سحر – فقدوا خطيباتهم وزوجاتهم لتستقبلهن عتمة القبور، وليضيئوا أيام اليمن وكرامتها بنور الشهادة، مؤكدة أن نساء اليمن منارة، وفخر لكل يمني حر.
تلك محطات تبين المرأة اليمنية المكافحة والمناضلة، والتي أثبتت في الثورة أنها عاملة وثائرة وشهيدة، إلى جانب كونها أمٌ للبيت وللأسرة وأخت وزوجة وإبنة، وكيف ساهمت في تحويل ثورة 11 فبراير حياة اليمنيين والبلاد تحول تأريخي ومعاشي، لتثبت أيضاً أن البلاد اليوم تحتاجها ليبزغ نور الوعي والتنمية، ولتؤكد أن الثورة ما زالت مستمرة ضد السلالية والطائفية والنهب والاستبداد.
حتى تحقيق الأهداف
وتقول ندى محمود: إن ثورة 11 من فبراير ثورة ساعدت في تحول الشعب إلى الأفضل لولا انقلاب مليشيا الحوثي بمساندة من خرج في ثورة فبراير لإسقاط نظامه والشراكة في قتل اليمنيين، مؤكدة أن المرأة اليمنية مستمرة في نضالاتها وستظل تهتف للجمهورية والوحدة والثقافة والسلام، وستظل تدافع وتناضل حتى ترى إشراقة السلم والسلام في ربوع الوطن.
وبحسب ما توضح فإن ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية لم تخفت جذوتها، بل ازدادت اشتعالا بكل قطرة دم سفكت، مؤكدةً أنها لن تبرح وتتخلى عن مواقعها الثورية حتى تحرير اليمن لنستعيد وطن الحكمة والإيمان والتسامح المنشود الذي لأجله ارتقت أطهر الأرواح وأنقاها، حتى يتحقق الحلم بالحرية والقضاء على الاستبداد والفساد.
أروع ثورة
وتوضح أن ثورة 11من فبراير أروع ثورة لليمنيين، لما فيها من تأني وحكمة وعقلانية وسلمية للثوار، فهي ثورة عظيمة – طبقاً لما تقول – اجتثت نظام 33 عاماً من الفساد بحكمة وسلام، غير أن دموية القاتل أبت إلا تلويثها وإراقة الكثير من النزيف.
رهام البدر.. الثورة الأنثى
مثلت ثورة فبراير انطلاقة حقيقية لعدد من الناشطات اليمنيات، تقدمن صفوف الثوار، وكن من أوائل من حاكوا صباحات الثورة الأولى، ومن بين هولاء برزت رهام عبدالواسع البدر، كنموذجٍ من أجل النماذج الفبرايرية اللواتي اخترن السير في درب الوطن بلا تردد أو توقف.
ويتذكر الكثير من رواد الثورة الفبرايرية دور رهام في ساحة الحرية بمحافظة تعز، وهي المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والتأهيلية ورائدة المبادرات الشبابية التي تخلّقت في ساحة الثورة رغم العوائق والصعوبات المجتمعية والتي تزايدت مع أحداث الثورة وما تلاها.
ومع استمرار وتيرة الأحداث في التصاعد منذ المبادرة الخليجية، وما تلاها من أحداث وصولاً إلى الانقلاب الحوثي الغاشم، والحرب الشرسة التي شنتها على مدينة تعز، برز أسم رهام البدر مجدداً كناشطة حقوقية تركض يومياً لإغاثة المتضررين من الحرب والحصار الوحشي الذي فرضته مليشيا الحوثي على المدينة وسكانها.
وقادت الناشطة الشابة عمليات إغاثة، حملات دعم تموينية للساكنين في مناطق الاشتباكات، مسهمة في إيصال الغذاء والدواء لآلاف الأسر المحاصرة، وليس ذلك وحسب إذ راحت الفتاة الشابة تعمل على رصد جرائم المليشيا الانقلابية، وتوثق كل ما ترتكبه من انتهاكات بحق سكان المدينة المخذولة، قبل أن تصبح راصدة في فريق اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، وهي المهمة التي عملت فيها بكل جد وبذل وعطاء، مستمرة في الوقت ذاته في حملات إغاثة المدنيين في مناطق الاشتباكات حتى استشهادها بطلقة قناص حوثي استهدفها اثناء محاولتها إيصال مواد غذائية للمدنيين المحاصرين في مديرية صالة.
لتختم باستشهادها قصة عظيمة لثورة أنثى ضحت بحياتها فداء لوطنها الحلم الذي بدأت حياكتها بنفسها في ثورة فبراير السلمية.