نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للصحافي بيتر بيمونت، يقول فيه إن عد القتلى في الصراعات أمر ضروري ومحير، وفي كثير من الأحيان هو عمل مثير للاشمئزاز، ويقول بيمونت في مقاله، الذي ترجمته “عربي21″، إن “عد الجثث ضروري لأسباب واضحة، فالأرقام تمثل مرجعا أخلاقيا، وتعطينا فكرة عن حجم الصراع، وإن كان المدنيون مستهدفين أم لا وكيف، وتوفر هذه الإحصائيات أرقاما لمنظمات حقوق الإنسان على المستوى الدولي، وتساعد أيضا في وضع سياسات المساعدات الطارئة”.
ويستدرك الكاتب قائلا إن “هذه العملية تصبح قذرة عندما يتم تسييسها واستخدامها سلاحا لهدف، وذلك عندما تخضع لأجندات متنافسة”، ويشير بيمونت إلى أن الإحصائيات الرسمية من الأمم المتحدة قدرت عدد القتلى في اليمن في مارس 2018، بحوالي 6592، وعدد الجرحى 10470، لافتا إلى أن المنظمات الدولية تقدر عدد القتلى بما بين 56 ألفا و80 ألفا، فيما يتهم كل جانب الآخر بتقليص أو تضخيم العدد، بحسب أجندته.
ويجد الكاتب أن “المشكلة كما يظهر في الصراع في اليمن الآن وكما أظهرت الحرب العراقية من قبل هي أن إحصاء تكاليف الحرب أبعد ما يكون عن كونه علما دقيقا، وهذا بالتأكيد صحيح عندما نعتمد على تقديرات محاطة بالشكوك، فهل تتضمن تلك التقديرات ضحايا الصراع المباشرين، أم من ماتوا لأسباب ثانوية، مثل عدم توفر الخدمات الصحية؟”.
ويقول بيمونت: “من العراق إلى دارفور إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى اليمن، إصبح عد الموتى في الصراع ساحة معركة أدلة، وبرزت هذه القضية مرة ثانية في هذا الأسبوع بسبب التدخل أحادي الجانب لعضو البرلمان غراهام جونز، رئيس لجان مجلس العموم بشأن ضبط التصدير، الذي أكد، عن غير قصد، صعوبة تقدير عدد القتلى في الصراع، وفي هذه الحالة القتلى المدنيين بسبب الغارات الجوية السعودية”.
ويلفت الكاتب إلى أن جونز عندما اتهم المنظمات غير الحكومية بعدم الأمانة في تقاريرها، فإنه أثبت أجندته بالسعي للإشارة إلى إيران، مؤيدة الحوثيين، على أنها المعتدي الرئيسي، وقال جونز، مثيرا غضب العديد من جمعيات المساعدات: “من المخزي كيف رفضت المنظمات غير الحكومية والمنظمات التابعة لليسار المجنون أن تدعم موقف الأمم المتحدة الإجماعي.. نحن بحاجة ماسة إلى السلام في اليمن وليس أجوبة خيالية تصنع في بيوت غربية آمنة”.
ويفيد بيمونت بأن “جونز اعلن بكل رضا أنه مرتاح للتقديرات المنخفضة للضحايا، التي يقدمها (الجنرالات ووزارة الدفاع)، فمن المهم أن نعلم أن البنتاغون كان قلقا إلى درجة أن يطلق محاولة لفهم السبب الذي جعل أرقام الموتى المدنيين لديه أقل بكثير من تقديرات مؤسسات رصد محترمة”.
ويستدرك الكاتب قائلا: “إن ظهرت تعليقات جونز من جانب واحد، واهدت التحالف الذي تقوده السعودية حصانة؛ لدوره في الخسائر البشرية، إلا أنها تبرز على الأقل المشكلة الأعمق في اليمن: الفرق الكبير في تقديرات أعداد ضحايا الحرب”، وينوه بيمونت إلى أن “التقديرات منذ العام الماضي تراوحت ما بين 10 آلاف حالة وفاة إلى ستة أضعاف ذلك العدد، وقليل هم من يصدقون التقديرات المتدنية، وفي الوقت ذاته تقدر مؤسسة Save the Children الخيرية بأن 85 ألف طفل تحت سن الخامسة قد يكونون ماتوا بسبب الجوع خلال ثلاث سنوات من الصراع”.
ويتساءل الكاتب: “إذن من الذي يخطئ؟”، مؤكدا أن “أي شخص درس الأرقام لسوء التغذية والوفيات في اليمن فإن الأرقام -مثل العراق- التي تعرض على العامة تتضمن تقديرات على نطاق واسع”.
ويقول بيمونت: “إن كان جونز محقا في مسألة فهي أنه تاريخيا قامت بعض المنظمات غير الحكومية بتعظيم المأساة؛ وذلك لأن تلك المنظمات أرادت أن تضخم الأزمة بهدف إبراز الدور الذي تقوم به لتخفف من تلك المآسي”.
ويبين الكاتب أن “المشكلة الحقيقية ليست ببساطة مسألة ثقة، لكن قلة الأدوات المستخدمة في تقدير الوفيات، وليس أقل من غياب خط أدنى للمقارنة، وهو ما قاد في الماضي إلى تقديرات تم وصف بعضها بأنها فوضى إحصائية، فغياب الإحصائيات المستمرة والمعلومات الصحيحة في كثير من الصراعات الحديثة جعل من الصعب تقدير الزيادة الحقيقية في الوفيات”.
ويذكر بيمونت أن “هذا ترك مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية تعتمد على أنظمة عرضة للخطأ والانحياز والتلاعب، مثل استخدام استطلاعات عشوائية للعائلات لتحديد عدد الوفيات الناتجة لأسباب ثانوية.
ويقول الكاتب إن “بعض القضايا واضحة جدا: المناطق التي يصعب زيارتها بسبب الأمن تترك فراغا كبيرا في البيانات، أو كما هو الحال في اليمن، فإن هناك حاجة لمؤسسات تابعة لأحد الفرق المتصارعة لملء الفراغ، وهذا يترك مجالا لإدخال تغييرات متعمدة”.
ويشير بيمونت إلى أن “الاعتبارات السياسية للمنظمات العاملة في الميدان -خاصة الأمم المتحدة- قد تقود إلى موازنات غير مريحة، خاصة فيما يتعلق بإمكانية الوصول”.
ويقول الكاتب: “ربما الأصعب عندما يحصل الخطأ نتيجة اختيار العينات، ولذلك انتقد تقدير دورية (لانسيت) للوفيات في العراق، حيث قال الناقدون إن المؤسسة اعتمدت على عينات من مناطق كان فيها مستوى العنف أعلى، وليس أيا من هذه الأخطاء جديدا، فمند عام 2005 قام فرانسيسكون تشكتش ولز روبرتز، اللذان درسا هذه المشكلة بالتحذير من المشكلات الكثيرة في بحث لشبكة (Humanitarian Practice Network)”، ويختم بيمونت مقاله بالإشارة إلى أن الباحثين حذرا في بحثهما من أنه من السهل الوقوع في سوء الاستنتاج، والتلاعب بإحصائيات الوفيات الناتجة عن الكوارث الطبيعية، أو التي هي من صنع الإنسان.