بعدما كانت مراكز عبادة لأعداد قليلة من المسيحيين، تحوّلت كنائس اليمن إلى مجرد أبنية مهجورة بسبب الحرب، لكنها تبقى رغم ذلك شاهدة على تاريخ من التنوع في أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
وبينما يستعد البابا فرنسيس لترؤس قدّاس في دولة الإمارات العربية المتحدة التي يصلها اليوم الأحد، في أول زيارة لحبر أعظم إلى المنطقة المحافظة، التي تعتبر مهد الاسلام، يغرق اليمن المجاور يومًا بعد يوم في نزاع متواصل منذ 2014.
تقول النيابة الرسولية في جنوب شبه الجزيرة العربية إن هناك أربع كنائس كاثوليكية في اليمن بين كنائس أخرى غير كاثوليكية. ويشير مسؤولون إلى أن أعدادًا من المسيحيين لا يزالون يتواجدون في هذا البلد، لكنهم لا يجاهرون بإيمانهم، في ظل تصاعد نفوذ جماعات متطرفة.
كانت كل من عدن في جنوب اليمن، المقرّ الحالي للسلطة المعترف بها، وصنعاء، العاصمة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تضم كاتدرائية كاثوليكية. في 2015، تعرّضت كاتدرائية عدن للتخريب ولهجمات من متطرفين، ما دفع القيمين عليها إلى إغلاقها إلى أجل غير مسمى.
ممنوع الدخول
عند مدخل كنيسة القديس فرنسيس الأسيزي الكاثوليكية في حي التواهي في غرب عدن، بوابة حديدية ضخمة تبدو عليها آثار الرصاص والصدأ. وكتب على البوابة بخط عريض “ممنوع الدخول”، بالقرب من آية قرآنية “لكم دينكم ولي دين” كتبت على السور الأسمنتي الأبيض المحيط بالكنيسة. ويعلو سطح الكنيسة تمثال ليسوع المسيح، فاتحًا ذراعيه، إنّما من دون رأس.
بحسب محمد سيف، أحد سكان التواهي، فإن الكنيسة تستقبل المصلين “منذ أيام البريطانيين، قبل 140 إلى 150 سنة، وبقيت تقام الصلوات فيها حتى اندلاع الحرب مع الحوثيين” في مارس 2015 حين سيطر الحوثيون على عدن، قبل أن تطردهم القوات الحكومية بعد أشهر. ويتابع وهو يقف على رصيف في مقابل الكنيسة التي تحيط بها أشجار “تمت سرقتها وتم نهبها”.
وأقدم مسلحون في 2015 على تفجير كنيسة في حي المعلا القريب من التواهي. وأشار سكان إلى أن الكنيسة الواقعة إلى جوار مقبرة مسيحية، كانت كناية عن مكان عبادة صغير شيد في خمسينات القرن الماضي في زمن الوصاية البريطانية.
في 2016، قتل 16 شخصًا على الأقل، بينهم أربع راهبات أجنبيات، عندما هاجم مسلحون دارًا للعجزة أسّستها جمعية تابعة لرهبنة الأم تيريزا. وخطفوا خلال العملية الأب أوزهوناليل (56 عامًا) الذي يتحدر من كيرالا في جنوب الهند، قبل أن يطلقوا سراحه بعد أشهر.
لم تتبن أي جهة الهجمات، لكن السلطات المحلية ألقت باللوم على تنظيم الدولة الإسلامية الذي وجد، إلى جانب تنظيم القاعدة، فرصة لتعزيز نفوذه في اليمن مع استمرار النزاع.
بدأت في اليمن
على مدى عقود، بقي اليمن فريدًا في تنوعه بالمقارنة مع جيرانه في الخليج، إذ كان موطنًا للمسلمين والمسيحيين واليهود والإسماعيليين والبهائيين. ويعتقد أن المسيحية وصلت إلى جنوب اليمن في القرن التاسع عشر عبر الإرساليات الآتية من بريطانيا خصوصًا. وبحسب الأب ليني كونالي المقيم في دبي وعضو النيابة الرسولية في جنوب شبه الجزيرة العربية، وصل الكاثوليك إلى اليمن في العام 1880.
ومع اندلاع ثورة العام 1967 في جنوب اليمن، فرّ العديد من رجال الدين المسيحيين إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والخليج.
ويوضح كونالي “كلّ شيء بدأ في اليمن، ولذا فإن اليمن مهمّ جدًا لنا”.
يقول النائب الرسولي في جنوب شبه الجزيرة العربية المطران بول هيندر بأسف “إنه واقع حزين، ونحن نصلي لأن يحل السلام في اليمن، خصوصًا أن الناس يعانون من الجوع، والمجاعة تهدّد حياة ملايين الناس”.
وأكد أن الخدمات التي تقدّمها كنيسته “معلّقة” في اليمن بسبب الحرب، لكنه أشار إلى وجود “راهبات (…) يخدمن الناس منذ عقود وسيواصلن القيام بذلك”.
على خط التماس
إلى جانب عدن وصنعاء، تقول النيابة الرسولية إن هناك كنيستين أخريين تابعتين لها في تعز في جنوب غرب اليمن، وفي مدينة الحديدة المطلّة على ساحل البحر الأحمر غربًا.
تخضع تعز لسيطرة القوات الموالية للحكومة، بينما يحاصرها الحوثيون. ويسيطر الحوثيون على الحديدة التي شهدت في الأشهر الماضية معارك طاحنة مع محاولة القوات الحكومية استعادتها قبل التوصل إلى اتفاق هش لإطلاق النار. وتوجد فيها كنيسة القلب الأقدس، التي تتخذ من إحدى طبقات مبنى مقرًًًًًًًا. والمبنى مغلق، وتبدو عليه آثار قذيفة.
يقول عصام، وهو جار الكنيسة، إنه يسكن في الحي منذ 20 عامًا، لكنه لم يكن يلحظ أي مظاهر دينية، ولم يسمع أبدًا الصلوات، معللًا ذلك بأن المصلين “كانوا هادئين ومنظمين جدًا إلى الحد الذي لا يلحظهم أحد”.
أفاد سكان في مدينة الحديدة تحدثت إليهم وكالة فرانس برس، أنهم يجهلون موقع هذه الكنيسة، لكن بعضهم وجّه رغم ذلك رسالة إلى البابا. وقالت ريما (28 عامًا) “أتمنى أن يرى صور الضحايا، ويعرف كيف يعيش اليمنيون حياتهم، وأن يصلي لأجلنا”، مضيفة “لا أحد يريد إنهاء الحرب في اليمن”.