شهد عام 2018 هزات اجتماعية عدّة في الولايات المتحدة الأميركية، بعضها كان بفعل الطبيعة كالفيضانات والحرائق، وبعضها الآخر جاء مرتبطاً بسياسات الرئيس ترامب سواء ضد المهاجرين أو ضد الأميركيين الفقراء.
للعام الثاني على التوالي، احتلّت قضايا الهجرة حيزاً مهماً في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بسبب السياسات التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبخلاف الشعارات التي ترسم صورة إيجابية عن الولايات المتحدة كبلد المهاجرين الذي يرحب بالجميع، فإنّ الصورة على أرض الواقع ما زالت أكثر تعقيداً، بل ازدادت قسوة في عام 2018. ولعلّ آخر الصور القاتمة وفاة ابنة السبعة أعوام، جاكلين كاو ماكلين، بعد أيام من احتجازها، فور وصولها مع والدها إلى الحدود المكسيكية – الأميركية، وزجّها في أحد مراكز الاعتقال التي أقامتها الحكومة الأميركية على الحدود مع المكسيك وتطلق عليها تسميات مختلفة.
ترامب ضد المهاجرين
تطرح قضية وفاة الطفلة جاكلين، أخيراً، تساؤلات عدّة حول تعامل حرس الحدود الأميركي والسلطات المختصة مع الأطفال والعائلات المهاجرة وتسلط كذلك الضوء على إشكالية سجن بشر جرمهم الوحيد أنّهم أرادوا حياة أفضل. وفي سبتمبر/ أيلول الماضي أحكم الرئيس الأميركي قبضته عندما بدأت إدارته بوقف العمل بـ “اتفاقية فلوريس” التي تراعي إلى حدّ ما بعض حقوق الأطفال في هذا السياق. ومنحت السياسات الجديدة صلاحيات واسعة لعناصر أمن الحدود الأميركية تخوّلهم فصل القصّر عن أهلهم أو مرافقيهم في حال القبض عليهم عند دخولهم إلى الولايات المتحدة كمهاجرين من دون تأشيرات دخول، حتى لو رغبوا في تقديم طلبات لجوء. وتهدف هذه السياسات إلى محاكمة الأهل وفصلهم عن أطفالهم ومقاضاة وتخويف كلّ من يدخل إلى البلاد من دون تأشيرات. وبحسب تلك السياسات يجري احتجاز الأهل في معتقلات ومراكز احتجاز إلى أن تجري محاكمتهم بعد فصلهم عن أطفالهم.
كذلك، استمر الرئيس الأميركي بمهاجمة المهاجرين من أصول مسلمة وعربية أو هؤلاء الآتين من أميركا الجنوبية والوسطى، ناهيك عن إصداره مراسيم رئاسية واتخاذ سياسات مجحفة بحق الملايين داخل الولايات المتحدة، كالمهاجرين من دون أوراق ثبوتية، أو المهاجرين من دول مسلمة ممن يحاولون لمّ شمل عائلاتهم كاليمنيين. ويواجه طلب الآلاف منهم الحصول على تأشيرات دخول لعائلاتهم، طريقاً مسدوداً في الوقت الحالي، وإن كانوا يحملون الجنسية الأميركية. هو وضع لا يعاني منه بعض الأفراد فحسب، بل يشمل الآلاف ممن يجدون مصائر عائلاتهم معلقة حتى إشعار آخر، من دون أن يتمكنوا من فعل شيء.
لا تواجه الجاليات العربية والمسلمة تحديات فقط، في ما يخص قضايا لمّ الشمل أو تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة، بل كذلك تصاعد في نسبة الهجمات العنصرية ضد المهاجرين عموماً ومن هم من أصول عربية ومسلمة خصوصاً. ولا يقتصر هذا التصاعد في الهجمات على مناطق بعينها بل إنّ مدناً مثل نيويورك المعروفة بليبراليتها وتنوعها الثقافي شهدت كذلك صعوداً في الاعتداءات العنصرية ضد عرب ومسلمين خصوصاً، وضد يهود كذلك، وضد مهاجرين من أميركا اللاتينية.
كوارث طبيعية
شهدت الولايات المتحدة فيضانات وحرائق عدّة طوال عام 2018 في مناطق متفرقة، ما خلّف عشرات الوفيات وخسائر تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات. آخر الحرائق كانت في غابات ولاية كاليفورنيا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وأدّت إلى وفاة 88 شخصاً وتدمير آلاف المباني والبيوت. ويقدّر حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عنها بأكثر من 9.5 مليارات دولار أميركي. دمّرت تلك الحرائق نحو 100 ألف هكتار من الغابات والمساحات الخضراء والمناطق الحضرية.
ومن موجات الحرائق إلى موجات الصقيع التي ضربت مناطق عدّة في الولايات المتحدة وفي أوقات مختلفة من السنة ولعلّ أبرزها تدني درجات الحرارة في الساحل الشرقي، وتحديداً في نيوهامبشاير، إلى 48 درجة مئوية تحت الصفر. وفي نيويورك وشيكاغو تدنت إلى 14 و20 تحت الصفر.
وكأنّ موجات الصقيع لا تكفي، فقد شهدت المدن والولايات الساحلية الشرقية في تلك الفترة كذلك فيضانات غمرت محطات مترو وشوارع تجمّدت أسطحها جزئياً. وسجلت الرياح في تلك المناطق سرعة فاقت تسعين كيلومتراً في الساعة، مصحوبة بعواصف ثلجية استمرت في بعض المناطق أسبوعين وخلفت عدداً من الوفيات. ومن العواصف الثلجية المصحوبة بالفيضانات إلى عدد من الأعاصير المصحوبة بالفيضانات التي أغرقت الشوارع وحولتها إلى أنهر في ولايات نورث كارولاينا وساوث كارولاينا وفيرجينيا، وتجاوزت سرعة الرياح هناك 150 كيلومتراً في الساعة. واضطر مليون شخص على الأقل إلى إخلاء بيوتهم في تلك الولايات المتأثرة التي يصل عدد سكانها المتأثرين بالأعاصير، إلى 10 ملايين نسمة. وسجل منسوب المياه ارتفاعاً، فوصل حدّه إلى نحو ثلاثة أمتار.
فقر مدقع
كيف يمكن لأغنى بلد في العالم أن يضم نحو أربعين مليون مواطن يحملون جنسية الولايات المتحدة، يعانون من الجوع وانعدام الأمن الغذائي؟ هذا التساؤل خلصت إليه تقارير ودراسات صدرت في السنوات الأخيرة، من بينها دراسة صادرة عن منظمة تحمل اسم “مركز البحث والعمل الغذائي” تسعى إلى الحد من الجوع في داخل الولايات المتحدة. تفيد الدراسة بأنّ واحدة من كلّ خمس عائلات أميركية تعاني نقصاً في أمنها الغذائي يصل إلى حدّ الجوع.
في المقابل، ينكر ممثلون عن الحكومة الأميركية صحة تقرير صدر هذا العام عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول معدلات الفقر في بلادهم. وكان المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان، فيليب ألستون، قد قدم تقريره حول معدلات الفقر في الولايات المتحدة إلى المجلس، ليحاول من خلاله فحص مدى اتساق سياسات الحكومة مع التزامات الولايات المتحدة في حقوق الإنسان. وقدّم في تقريره التوصيات للحكومة الأميركية التي رفضت نتائج التقرير وقللت من شأنه.
قدّر تقرير ألستون عدد الأميركيين الذين يعيشون تحت خط الفقر بنحو 41 مليون أميركي، من بينهم 18 مليون أميركي يعيشون في فقر مدقع، بينما ثلث الفقراء في الولايات المتحدة هم من الأطفال. كذلك، أشار التقرير إلى أنّ معدل الفقر بين الشباب الأميركيين هو الأعلى بالمقارنة مع دول صناعية أخرى. ورأى التقرير أنّ هدف سياسات إدارة ترامب هو مكافأة الأغنياء وتقليص الضرائب، في الوقت الذي تسحب فيه شبكة الأمان من الفقراء، وتقلص أو تلغي برامج مساعدات تحافظ على تلك الشبكة. وأدى التقرير إلى انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، بعد أيام معدودة من صدوره. وشككت مندوبة الولايات المتحدة – المنتهية ولايتها حالياً – لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، في نتائج التقرير، وبأنّ سياسات ترامب تفاقم المشكلة.
قضايا مختلفة
على الرغم من تصدّر مواضيع كالهجرة والفقر والتغيّر المناخي وتبعاته من كوارث طبيعية العناوين، فإنّ عدداً لا بأس به من القضايا كان له صداه. من ذلك إقدام ثمانية سائقي سيارات أجرة في نيويورك على الانتحار بسبب الديون وانخفاض مداخيلهم الذي يقدّره البعض بنحو خمسين في المائة، بعد اكتساح سيارات تطبيقات مثل “أوبر” و”ليفت” السوق من دون أيّ دراسة أو قواعد ومعايير لدخولها في إلى المدن الأميركية لحماية سائقي سيارات الأجرة العادية.
كذلك، فشلت مؤسسات حماية المستهلك في دورها، فبعض المنتجات الزراعية لولاية كاليفورنيا، على سبيل المثال، تُسقى بمياه عادمة تحوي مخلفات نفط ومواد كيميائية. وفي ظل سياسات ترامب التي تحاول التخلص من عدد لا بأس به من القواعد على مراقبة الأغذية والتلوّث البيئي، علماً أنّ قواعد كثيرة غير كافية أساساً، من المتوقع أن يزيد الانفلات لصالح الشركات الكبيرة وجني الأرباح.
وفي سياق منفصل، شهدت الولايات المتحدة أكثر من موجة، لتفشي أمراض مختلفة بسبب الخسّ الملوّث. ففي الصيف الماضي، أعلن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) عن إصابة نحو 500 شخص بعدوى “سيكلوسبورا” نتيجة تناول سلطة في فروع أحد مطاعم الوجبات السريعة، في 15 ولاية أميركية. ولم تؤدِّ تلك الحالات إلى الوفاة لكنّ العشرات ممن أصيبوا بالمرض اضطروا إلى دخول المستشفيات لتلقي العلاج ومكثوا فيها طوال أيام. وقبل نحو شهر، حذّرت المراكز من تناول الخسّ للاشتباه بأنّه مصدر رئيس لبكتيريا الإشريكية القولونية.