تحت مظلته الحديدية وسط دوار الشارع العام في مدينة صعدة، ينظم علي عيسى حركة السير كعادته كل يوم منذ فبراير/شباط 1990، حتى أضحى علما من أعلام المنطقة.
في المدينة التي اعتادت على أن تعيش على هامش كبير من الفوضى وعدم الانضباط، يكافح رجل المرور علي عيسى بسحنته السمراء ونظارته الشمسية من أجل أن يجعل الحركة أسهل، ويخفف الازدحام المتكرر، متسلحاً بالقواعد المرورية، لكن القانون خذله مرارا، كما يقول.
ودفع الوضع الجديد مدير العلاقات العامة في إدارة المرور بمحافظة صعدة إلى أن ينحو منحى آخر في معاقبة السائقين المخالفين؛ إذ بدأ زجر السائقين المخالفين، لكن ذلك لم يجد مع السائقين «الذين ضربوا بالقانون عرض الحائط».
عقاب مدرسي
يقول “عيسى”: إن عشرات السائقين لا يكترثون بقواعد المرور، ولا يلتزمون بتوجيهات رجل المرور، الذي يمثل وجوده في الشارع النظام العام في أي بلد.
وأضاف “عيسي” أنه يضطر في بعض الأحيان إلى معاقبة السائقين بالضرب على أيديهم وقرص آذانهم، وهي رسالة المراد منها أن يذكرهم -خاصة سائقي حافلات النقل الصغيرة-بأن «القيادة فن وذوق وأخلاق».
ولأن الضرب بالعصا على الأيدي إحدى وسائل التعليم الابتدائي في اليمن، يوضح شرطي المرور «أردت أن أقول لهم إنه من المعيب أن يتكرر منكم هذا الأمر، هل تريدوننا أن نعيدكم إلى صفوف المدرسة الأولى لتتلقوا التعليم الكافي».
وتابع «مرات اضطر إلى قرص آذان السائقين الذين لم يستحوا، ولا يهمهم قطع الطريق أو عرقلة حركة السير أو الإنذارات المتكررة من رجل المرور، فيحتاجون بعد ذلك إلى قرصة أذن حتى تنبههم إلى الذوق والأخلاق».
ولأن سائقي السيارات يكنون تقديراً واحتراماً لعيسى، فإنهم يقبلون طواعية أن يتلقوا العقاب منه دون اعتراض، اعترافاً بكونهم مخالفين لقواعد وأساسيات المرور العام.
ويقول صادق الخولان -أحد سكان مدينة صعدة-إن كفاح الضابط عيسى في سبيل مهنته منذ زمن طويل؛ أجبر سكان المدينة على احترامه وتقديره، «فأنا واحد من الناس الذين يعرفونه متفانياً في عمله في أحلك الظروف، فمنذ أن وعيت وهو موجود في وظيفته».
وأضاف «في بداية الحرب (مطلع عام 2015) أصبحت مدينة صعدة خالية من السكان بسبب القصف المكثف، بينما كان هو الوحيد المتبقي في الشارع رغم انقطاع حركة السيارات، لكنه مصرّ على البقاء في عمله».
تبعات الحرب
لكن “عيسى” يقول إن الحرب التي تشهدها البلاد أدت إلى تدمير مؤسسات الدولة، مما أثر في تطبيق القانون، لذلك يحرص الضابط عيسى على الحفاظ على هيبة الدولة المرتبطة بوظيفته كرجل يوفر السلامة والأمن العام للسكان.
ويعدد “عيسى” بمعاناة بعض ضروب عدم التزام السائقين بالنظام، ومن ذلك قيادة الأطفال للسيارات في مخالفة واضحة للقانون، الذي لا يسمح للطفل بقيادة السيارة ما لم يبلغ 18 عاماً.
ويشرح “عيسى” إنه في إحدى المرات أُجبر على توزيع رَضّاعَات و«لهايات» خاصة بالأطفال للسائقين الذين لم يتعدوا السن القانونية التي تسمح لهم بالقيادة، وهي رسالة احتجاج لآباء الأطفال بأن يحافظوا على أطفالهم، كونهم ما زالوا بعيدين عن تحمل المسؤولية.
وأحدث الأسلوب الطريف الذي يعاقب به عيسى السائقين تفاعلا من نشطاء مواقع التواصل، وكتب الناشط محمد مهيوب إنه بسبب الحرب لم تعد الغرامات المالية مجدية، بل إن العقاب الفوري سيكون أسهل.
أما خالد الحمري فكتب إن «العم علي عيسى له طرقه الجميلة في توعية وتثقيف السائقين دون أي تغريم، وهو من الشرطة المكافحين، الله يحفظه».
ويكابد عيسى فوضى السائقين منذ التحاقه بالعمل في المرور قبل 28 عاماً، ويقول «إنها المهنة التي وجد فيها نفسه، ولذلك لم يترك عمله في تنظيم حركة
السير إلا يوم وفاة والدته فقط»، في حين تخلى آلاف اليمنيين عن وظائفهم.
شغف وحب المهنة جعل عيسى يلحق نجله أيمن بالعمل بجانبه، كجندي مرور.
ورغم أن الاثنين لم يحصلا على رواتبهما منذ عامين ونصف العام، فإنهما لم يتركا العمل، ويقول عن ذلك عيسى «أحمل شيئا عظيما بين جوانحي وفي أعماق قلبي وصميم وجداني يجري في دمائي وبين لحمي وعظامي، إنه حب الوطن، الحب الإيماني العظيم المقدس».
وبجانب عمله في المرور، يعد عيسى من الشخصيات المبادرة التي تنظم أعمالاً خيرية وإنسانية طوعية، كما لديه شغف بالكتابة والمسرح والتمثيل وتأليف الشعر الشعبي.