لا تبدو الآمال منعقدة في جنوب اليمن على مشاورات جنيف، وحجم التفاؤل من نتائجها متواضع للغاية، على الرغم من التغيرات التي تختلف بها هذه الجولة عن سابقاتها من جولات التفاوض، عقب مقتل حليف الحوثيين، الرئيس السابق، علي عبدالله صالح وانقسام حزب المؤتمر الشعبي العام، وتشظيه بين الحكومة الشرعية والحوثيين.
ولم تؤثر تأكيدات المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، عن عدم إمكانية الوصول إلى سلام في اليمن، دون إشراك الجنوبيين في عملية التسوية السياسية، على سقف توقعات الجنوبيين، من المشاورات اليمنية بين طرفي النزاع في اليمن.
تهميش الجنوبيين
ويقول رئيس مركز “عدن للبحوث الإستراتيجية”، حسين حنشي، إن الشارع في الجنوب، اعتاد على عدم الاهتمام أو التعويل على أي فعاليات خارجية أو حتى داخلية يمنية، في تغيير شيء حقيقي حول مستقبله أو مستقبل القضية الجنوبية سياسيًا، “كإنصاف حقيقي أو صنع نهاية للاحتقان في الجنوب، ولو بالسقف الأدنى من المطالب”.
ويشير في حديثه لـ”إرم نيوز”، إلى أن “هذه الذهنية الجنوبية الجمعية غير المهتمة، نتجت عن سلسلة طويلة من فعاليات مشابهة دولية او محلية، كانت على النمط نفسه من (تزوير الإرادة الجنوبية) والاستخفاف بالشعب الجنوبي من خلال اعتباره تحصيلًا حاصلًا لأي مشروع سياسي في اليمن، والاكتفاء بجلب شخصيات جنوبية لا تعبّر عن قضية الجنوب، للتمثيل في تلك الفعاليات للشعب الجنوبي، ثم التوقيع على أيّ مخرجات مهما كانت متصادمة مع تطلعات الشارع والنخب والقيادات الجنوبية ومبادئ ثورة الجنوب”.
ويتابع “في مشاورات جنيف المقبلة، وعلى الرغم من أن الحرب الأخيرة أزاحت نخبًا وقيادات في الجنوب إلى المحيط العربي، وأصبح هناك عداء بين إيران والجنوبيين، الذين كانوا بغالب مكوناتهم أصدقاء لإيران قبل الحرب، إلا أن الفاعلين الإقليميين والمحليين كالعادة لم يقدروا هذا التحول الجنوبي، وأصرّوا على تكرار سيناريوهات سابقة بالاستخفاف بالجنوب، وجعله قضية هامشية، وهو ما زاد من عدم التعويل الشعبي والرسمي الجنوبي واعتبار جنيف ملحقًا بالفعاليات السابقة، ليس إلا”.
وأكد حنشي، أن الجنوبيين باتوا يزدادون قناعة “بعدم قدرة الخيار الدبلوماسي السلمي على إنجاز اهتمام وثقل للجنوب في عقلية القوى اليمنية والإقليمية، لاسيما وهم يَرَوْن أن جماعة انقلابية متمردة في صنعاء يصنع لها وزن ووضع في المفاوضات، بينما الجنوب مرتكز انتصارات الشرعية”.
جنيف الآن مختلفة
من جانبه، يعتقد الكاتب السياسي، صلاح السقلدي، أنه على الرغم من محدودية النقاط التي ستقتصر عليها مشاورات جنيف، إلا أن “أي نجاح فيها سيكون فاتحة لبث عامل الثقة بين الأطراف المتصارعة، والذي من خلاله يمكن التعويل على تحقيق ما هو أبعد من ذلك، والشروع بالحديث عن إيقاف العمليات الحربية كبوابة نحو مفاوضات التسوية السياسية الشاملة”.
وقال في حديثه لـ”إرم نيوز”، إن الأوضاع في اليمن اليوم مهيأة بشكل لا بأس به، قياسًا بالمشاورات السابقة، “فالمجتمع الدولي يدفع هذه المرة بكل الأطراف نحو إبداء تنازلات حقيقية، وما التقرير الأممي الأخير الصادر عن فريق الخبراء الأمميين الذي تم إصداره بالتزامن مع قرب هذه المشاورات إلا مؤشر على جدية وضغوطات المجتمع الدولي على الأطراف نحو التحرك باتجاه حل الأزمة اليمنية؛ خصوصًا بعد أن بلغ الوضع المعيشي مرحلة صعبة من التدهور والسوء بالتوازي مع قناعة شبه كلية لدى جميع الأطراف باستحالة الحسم العسكري بشكل شامل”.
وأعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، في جنوب اليمن، أنه في حلّ من مخرجات أو التزامات يتم الاتفاق عليها في هذه المشاورات أو المفاوضات من قبل أطراف ليست موجودة على الأرض، ولا تمثل تطلعات أهلها، ولن يتم تطبيق أي نتائج على أرض الواقع”، في حال عدم إشراكه طرفاً فيها.
ودعا الجنوبيين “إلى التعبير عن رفضهم ومقاطعتهم لأي مشاورات أو مفاوضات يتم فيها القفز على تطلعاتهم، وتعمّد تغييبهم وتهميش تاريخهم وإلغاؤه، عن طريق الخروج في كل مناطق الجنوب، للتعبير عن ذلك بكل الطرق السلمية”.
الجنوب لا يعوّل على المشاورات
ويشير نائب رئيس الدائرة الإعلامية، في المجلس الانتقالي الجنوبي، منصور صالح، في حديثه لـ”إرم نيوز”، إلى أن كل المؤشرات حتى اللحظة، “تؤكد أن مشاورات جنيف لن تختلف كثيرًا عن مفاوضات الكويت ومفاوضات جنيف الأولى والثانية، ولا أمل في الوصول إلى حل سوى في لعب المجتمع الدولي والدول الكبرى دورًا مؤثرًا، والضغط على الأطراف للوصول إلى حل ووقف الحرب، التي طال أمدها، وبلغت خسائرها البشرية والمادية حدًا بات من المعيب على المجتمع الدولي أن يقف صامتًا إزاءه”.
وقال، إنه لا تعويل في الجنوب على هذه المشاورات في حلّ القضية الجنوبية، “لكونها لن تكرّس لمناقشة قضية الجنوب، وثانيًا: لن تقدم أي حل حقيقي مالم تشرك الطرف الجنوبي المعني فعلًا بتمثيل قضية الجنوب والباحث عن معالجات جذرية لها”.
وفيما يتعلق بالآمال شمالًا، لفت صالح إلى أنه بات “من الواضح جدًا أن ميليشيات الحوثي ذاهبة إلى المشاورات للبحث عن شرعنة لانقلابهم، مستفيدين من دعم دولي لهم، ومستثمرين ضعف وفشل الحكومة الشرعية التي تذهب إلى المفاوضات وهي في أشد حالات ضعفها سياسيًا واقتصاديًا وحتى عسكريًا، حيث يتلاشى حضورها شمالًا لصالح ميليشيا الحوثي، وجنوبًا لصالح المقاومة الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي”.
الوضع أكثر تعقيدًا
على الجانب الآخر، يرى الصحفي، عبدالرحمن أنيس، في حديث لـ”إرم نيوز” أن الوضع اليمني بعد 3 سنوات من الحرب، أصبح أكثر تعقيدًا، لكن الفارق عن المشاورات الثلاث السابقة، هو أن الواقع على الأرض لم يعد في صالح ميليشيا الحوثي، التي قال إنها خسرت مزيدًا من المناطق التي كانت تسيطر عليها في السابق، “وهذا ما يفترض أن يشكل ضغطًا عليها ويدفعها نحو الجنوح للسّلم”.
ويتوقع أنيس، أن يشهد ملف الأسرى والمعتقلين -المطروح كواحد من أهم ملفات المشاورات الأولية- تقدمًا، “بسبب رغبة الطرفين في تحرير أسراهم ومعتقليهم، أما غير هذا الملف، فلا أعتقد أن هناك إحرازًا لأي نجاح” .
ويرى رئيس مركز “مسارات للإستراتيجيات”، باسم الشعبي، أن المشهد اليمني -هذه المرة- بات مغايرًا جدًا، فالحكومة الشرعية “تذهب إلى جنيف مشبعة بانتفاضة الجياع، وتبدو في خندق واحد من الميليشيات”.
وقال في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إن الحوار في جنيف “لا يمثلنا كيمنيين، يسحقنا الفقر والغلاء والتشرد … اليوم أكثر من أي وقت مضى، أصبحت تمثلنا صرخة الناس”.
وتشهد العاصمة المؤقتة عدن، ومدن أخرى في عدد من المحافظات المحررة من الحوثيين، احتجاجات شعبية عارمة، احتجاجًا على تسارع التدهور الاقتصادي والمعيشي، والانهيار غير المسبوق للعملة المحلية، وارتفاع الأسعار، إلى جانب “فساد الحكومة”، بحسب المشاركين في الاحتجاجات المستمرة منذ 5 أيام.
وتدهورت الأوضاع المعيشية للسكان منذ اجتياح المسلحين الحوثيين للعاصمة صنعاء وبعض المدن الرئيسة، بقوة السلاح، فقدت معه الحكومة الشرعية السيطرة على زمام الأمور، وباتت تدير البلاد من الخارج، وسط اتهامات بالفشل ومنع تدهور الاقتصاد والأضاع الأمنية.
وتقود السعودية منذ مارس/ آذار 2015 تحالفًا عسكريًا دعمًا للرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته المعترف بها دوليًا ضد المسلحين الحوثيين المتهمين بتلقي الدعم من إيران.