قال رئيس الوزراء، الدكتور أحمد عبيد بن دغر: “إن حجم التأييد الوطني للدولة الاتحادية ومشروع دستورها الجديد يكفي لتأكيد ملاءمتها لطموحات شعبنا في المضي نحو المستقبل وخروجاً من أسر الدولة المركزية الشديدة التي أورثتنا هذا الكم الهائل من الاحقاد والضغائن والجهل والقتل والتصفيات واستبعاد الآخر والغلو في المواقف ومصادرة الحقوق والحريات وحلاً مناسباً للخروج من حالة الحرب”.
جاء ذلك في كلمته التي القاها في افتتاح مؤتمر “دعم مرجعيات الحل السياسي في اليمن الذي نظمته الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي”، الذي عقد اليوم الإثنين، في العاصمة السعودية الرياض لمناقشة الحلول الممكنة للأزمة اليمنية وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216.
وأضاف رئيس الوزراء “ينعقد هذا اللقاء في ظروف غاية في التعقيد يمر بها اليمن والمنطقة عموماً لكننا في نهاية المطاف سوف ننتصر في معركتنا مع الحوثيين وإيران في هذا الجزء الغالي من الوطن العربي الكبير، سوف ننتصر يمنيين وعرباً في هذه المواجهة التاريخية فنحن ندافع عن وطننا وأرضنا ومصالحنا وأمننا، ندافع عن حقوقنا في العيش في هذه الرقعة من الكون بسلام، بعيداً عن الأطماع والتدخلات، وسوف تتراجع عاجلاً أم آجلاً أطروحات التطرف الديني أو المناطقي أو السياسي في الأيام القادمة والأمر يتوقف علينا نحن صناع عاصفة الحزم عاصفة العرب وعنوان وحدتهم، لا أفق لأي ادعاء بالتفوق والتميز والسلالية، لن تنتصر في نهاية المطاف إلا الأفكار والرؤى العقلانية، كما سينهزم الإرهاب بكل صوره واشكاله، وستجفف منابعه.
وفيما يلي نص الكلمة:
بداية دعوني أنقل إليكم تحيات فخامة الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية، وتمنياته بنجاح أعمال مؤتمر التعريف بالمرجعيات ودعمها الذي رعته وتبنته الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأوجه الشكر الجزيل للأخ العزيز الدكتور عبداللطيف الزياني الأمين العام للمجلس ومساعديه على تفضلهم باستضافة أعمال هذا اللقاء لأهمية، ومحورية الوثائق المقدمة إليه في التعاطي مع الأزمة اليمنية.
وفي ذات الوقت أزجي جزيل الشكر للأشقاء في المملكة العربية السعودية، وأخص بالذكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان، اللذان أتاحا لنا فرصة الحضور والمشاركة في أعمال اللقاء. لكن ثناءنا لا يتوقف عند هذا الحد لهذا البلد العظيم، فالمملكة التي تقود التحالف العربي ومن خلفها معظم الدول والشعوب العربية في مواجهة الحوثيين ومن خلفهم إيران تستوجب منا خالص التقدير وعظيم الإمتنان على مساندتها ووقوفها إلى جانب الشعب اليمني في أزمته الراهنة، كما أن الشكر موصول لقادة مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الاخري الذين وضعوا نصب أعينهم الوضع في بلادنا، ودعموا جهود التصدي للعدوان على الشرعية والدولة والشعب اليمني.
الأخ/الأمين العام
أيها الإخوة أيتها الاخوات:-
لقد مثلت مخرجات الحوار الوطني إجماعاً وطنياً حول مجمل القضايا الوطنية التي كانت محل خلاف حاد وشديد فيما بيننا، دموي في بعض مراحله، إنها مشروع عقد اجتماعي وسياسي جديد يعيد تنظيم الحياة في بلادنا على قواعد وأسس جديدة، تؤسس لدولة ونظام سياسي يقوم على مبدأ اللامركزية في الحياة السياسية وإدارة الشأن العام.
يمكننا القول أيضاً أن مخرجات الحوار مثلت خلاصة دراسة فكرية ومعرفية جمعية لواقع اتسم دائماً بالتناقض والصراع كان المحرك الرئيسي لهذا الصراع الوصول للسلطة، بدعاوي مختلفة، أحياناً يلعب فيها التراث دوراً محركاً وربما أساسياً كما هو حالنا اليوم وبالسلطة كان يجري الاستيلاء على الثروة. وقد جاءت مخرجات الحوار لتضع حداً لاعوجاج هذا المسار في السلطة والثروة، وتصحيحه وتقويمه، ووضعة على طريق العدالة والمساواة والمستقبل.
كما تعرفون أخي الأمين، أيها الإخوة والأخوات، فإن الخلفية السياسية التي انعقد عليها مؤتمر الحوار الوطني تعود إلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي تبنتها دول مجلس التعاون الخليجي أو في المرجعيات الثلاث ومنطلقاتها، وكان لأخي وصديقي الدكتور عبداللطيف الزياني الذي يرعى مؤتمرنا هذا شرف الإصرار على قبولها والحصول على موافقة كافة الأطراف والقوى السياسية عليها، سلطة ومعارضة، لقد كان لي شرف التوقيع عليها في الرياض مع كوكبة من رجال اليمن السياسيين، أمام المرحوم الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمة الله عليه فكانت فتحاً في جدار الأزمة أفضى بنا الى الجلوس على مائدة الحوار، والوصول إلى مخرجات الحوار الوطنية التي ينعقد مؤتمركم اليوم دعماً لها.
إن الأهمية الاستراتيجية للمبادرة الخليجية تكمن في مبادئها الخمسة، وعلى وجه الخصوص المبداء الذهبي الأول الذي نص على أن جميع الحلول لابد أن تفضي إلى الحفاظ على وحدة وأمن واستقرار اليمن. كانت مخاوفنا ومخاوف أشقائنا في المملكة العربية السعودية ودول الخليج حينها أن تؤدي هذه الأزمة المستحكمة والمشحونة بالعواطف والشكوك إلى تفكيك اليمن، وضرب الوحدة الوطنية التي لازال عودها غضاً بعد عشرين سنة فقط من قيامها. وكان أمن اليمن يرتبط دائماً بأمن المنطقة.
علينا أن ندرك أمراً في غاية الأهمية في اللحظات الراهنة من تاريخنا في اليمن، وهو أن ثبات النهج السياسي العروبي للقيادة السعودية وتحديداً لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وقادة مجلس التعاون الخليجي قد منعت انهيار الدولة في اليمن حتى سبتمبر عام ٢٠١٤،كان هناك قلقاً شديداً على مصير اليمن حينها كما هو ماثلاً اليوم. لكنه اليوم أكثر بفعل عوامل مختلفة، زادت من مخاوفنا على وحدة وأمن واستقرار البلاد.
وللتذكير فقط فإن جميع القوى السياسية الفاعلة في الساحة الوطنية حينها قد شاركت في أعمال مؤتمر الحوار الوطني، ووقعت على نتائجه وكان من بينها الحوثيين، والحراك الجنوبي السلمي. كما شاركت المرأة فيه بكثافة لم تعهدها أياً من المؤتمرات الوطنية قبل الوحدة أو بعدها، وكذلك المساهمة الإيجابية الكبيرة من الشباب المطالب بالتغيير آنذاك. للأسف كان الحوثيون الوحيدون الذين شاركوا في المؤتمر دون أن يطلب منهم ترك السلاح، لقد وقع الخطأ حينها.
الأخ/ الأمين العام
أيها الإخوة أيتها الأخوات:-
السادة الكرام:-
تمر بلادنا بمرحلة هامة، منذ الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانياً على الشرعية ممثلة في الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي في سبتمبر ٢٠١٤، لقد استدعى الانقلاب على الشرعية والاستيلاء بالقوة على العاصمة ومدن اليمن من قبل المليشيات الحوثية وحلفائها انذاك تهديداً خطيراً وحقيقياً على اليمن وعلى أشقائها في المملكة والجزيرة العربية، إن عاصفة الحزم وقيام التحالف العربي الواسع بقيادة المملكة العربية السعودية وبطلب من القيادة اليمنية كان هو الرد الحاسم على هذا الانقلاب وعلى التدخل الإيراني السافر في الشئون اليمنية.
لقد أنقذت عاصفة الحزم اليمن من مصير مؤلم، ولولا التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ومساهمة فاعلة من اشقائنا في الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج ومصر والسودان وغيرها من الدول العربية، لتعرضت حالة الأمن العربي لاختلالات جسيمة. إننا نحمد الله اليوم أن في وطننا العربي الكبير من يحمل اليوم الراية نيابة عن الأمة، ويتحمل عبئها، ويتصدى للمخاطر التي تحيق بها من كل حدب وصوب.
ولعدالة قضيتنا، في الشرعية، تفهم المجتمع الدولي الموقف العربي من الأحداث في اليمن، ورفض الانقلاب الحوثي الذي يحاول البعض ان يقنعنا اليوم القبول به كأمر واقع، مشككاً في أصالة الوحدة اليمنية وعمق جذورها التاريخية، وهو تقدير خاطئ لا يميز بين الوحدة كقيمة وطنية كبرى، وبين أخطاء القادة والحكام عندما يتسلمون مقاليد الأمور. وبتفهم المجتمع الدولي لعاصفة الحزم، وخوفاً من مخاطر حقيقية على الأمن العالمي التي تبرز أكثر فاكثر اليوم. صدر القرار ٢٢١٦ ليشكل هو الآخر ثلاثي المرجعيات الوطنية التي لا ينبغي لأحد منا أياً كان القفز عليها.
إن طريق السلام يمر بالقبول والاعتراف والالتزام الصريح بتنفيذ القرارات الدولية، وأن التعاطي بمصداقية مع القرار ٢٢١٦ يبدأ بالانسحاب من العاصمة صنعاء والمدن الأخرى، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، لإفساح الطريق أمام الحلول السياسية اللاحقة، وأنه من الصعب العودة إلى نقطة البداية مع كل مرحلة من مراحل التفاوض، وأن إطلاق سراح جميع المعتقلين دون استثناء واجب وطني وإنساني، وخطوة نحو السلام.
نحن الآن في اليمن، في مفترق الطريق، أمام اختبار صعب، وكأمة ليس لدينا فيه خيارات كثيرة لنلجأ إليها، والاطروحات التقسيمية والتجزيئية في المنطقة بدءاً باليمن علينا رفضها بصراحة ومقاومتها بقوة وعلانية ووحدة في الموقف العربي تحت راية المملكة وقيادتها العروبية الفذة، علينا أن نرفض دعوات الهدنة التي تؤدي إلى القبول بالأمر الواقع، لأن القبول بالأمر الواقع يعني باختصار التقسيم، فإن قبلنا بتقسم اليمن، علينا أن نقبل غداً بتقسيم غيره من البلدان العربية، والدولة الاتحادية وهي التلخيص المكثف لمخرجات الحوار الوطني وللإرادة الوطنية اليمنية هي حبل الإنقاذ والنجاة في بلادنا، وهي حائط الصد أمام الدعوات المناطقية، والمذهبية والتفكيكية.
إن مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن تمثل مرتكزاً ومرجعية للحل السياسي والوطني في بلادنا، إنها تمثل أداة للخروج من حالة الحرب، وتحمي المجتمع اليمني من الانزلاق نحو المجهول، إنهاً حلاً لأزمة الدولة والمجتمع معاً. وسياجاً صلباً لمنع الطموحات الايرانية من التمدد في اليمن، على حساب أمننا ومصالحنا المشتركة.
لقد ضمن مشروع دستور دولة الوحدة الذي استند معدية ومنهم ممثلين عن الحوثيين، وممثلين عن الحراك السلمي الجنوبي، تقسيماً عادلاً للسلطة والثروة. السلطة والثروة التي كانت سبباً في كل الحروب التي مرّ بها اليمن في تاريخه الحديث والمعاصر، بل وفي عصوره المختلفة بدءاً بمملكة سبأ، ومروراً بعصور الخلافة الاسلامية والدويلات وانتهاء بالشطرين. شطري اليمن ومن ثم دولة الوحدة.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن مخرجات الحوار التي يتنكر لها اليوم الحوثيين و بعض الحراك الجنوبي، قد وضعت حلولاً لقضية صعدة وافق عليها الحوثيون، ثم تنكروا لها بدوافع عنصرية سلالية وبدعم إيراني واستشارات من حزب الله. لقد حمل الحوثيون السلاح ضد الدولة منذ عام ٢٠٠٤بدعوى مظلومية لاتذكر اليوم أمام جرائمهم التي يمارسونها على شعبنا، حصلوا منذ ذلك الوقت على دعم إيراني لا محدود، وأيضاً من منطلقات عنصرية وسلالية، وأطماع توسعية.
كما وضعت مخرجات الحوار الوطني حلولاً لقضية الجنوب شارك في صياغتها أبناء الجنوب أنفسهم، ونالت ترحيباً من أوساط جنوبية أحزاب ومنظمات وشخصيات مدنية وعسكرية لا يمكن الاستهانة بها وبمكانتها الاجتماعية والسياسية في هذه المحافظات. إن خطورة الدعوة للانفصال، تتساوى تماماً في خطرها على مستقبل اليمن ومستقبل المنطقة وأمنها كخطورة الحوثيين الذي اسقطوا النظام الجمهوري والوحدة.
وكانت فرق العمل الأخرى في مؤتمر الحوار التي أنجزت أعمالها في أجواء حوارية ديموقراطية قد وضعت أسساً حديثة لاعادة بناء الدولة، لقد حرم فريق بناء الدولة الذي وقع عليه الحوثيون والحراك الجنوبي السلمي حرم هذا الفريق وأقر المؤتمر توصياته تحريم وتجريم تغيير نظام الحكم بأية وسيلة اخرى مخالفة لأحكام الدستور، وقد خرج الحوثيون على هذا الاتفاق الوطني بعدما وقعوا عليه.
لقد قدمت الدولة الاتحادية مخرجاً من أزمة الدولة المركزية وكانت معادلة موضوعية ومنطقية لمعالجة تنازع السلطات وتوزيع الصلاحيات وحفظ الحقوق المادية والمعنوية في مجتمع عاش فترة من الضياع. فهي ترضي الجنوبيين لأنها تتخلص من المركزية الشديدة التي عانى منها الجنوب، ومن نتائجها الإقصائية، وتمنع الحوثيين أتباع إيران من العودة إلى الماضي والعبث بأمن المنطقة،لإطماع قديمة وحديثة، ونزوع عنصري.
وكانت مبادئ الحكم الرشيد التي نصت عليها الوثيقة قد عززت الاتجاه نحو ضمان المزيد من الحريات والحقوق كحق التعليم وحق العلاج وحق العمل وحق التعبير والتفكير والاعتقاد وغيرها من الحقوق الأخرى. كما حسمت أمور أخرى كانت محل خلاف شديد بين المتحاورين، تتعلق بمؤسسات الدولة، ووضعت الضمانات لكل الأطراف للحصول على حقوقها دون نقص ولم يستثنى من ذلك الحوثيون والحراك الجنوبي.
وأرجو أن يدرك الجميع أنه لا يمكن ان ندين ونرفض ونجرم استخدام السلاح من قبل الحوثيين ثم نقبله من آخرين.. يجب أن يكون السلاح واستخدامه حصرياً بيد الدولة ورمزها الشرعية، أمن الناس وحمايتهم من الاغتيالات وترويعهم والعبث بالممتلكات العامة والخاصة أولوية قصوى بالنسبة لنا في الشرعية.
لقد أبدع علماء اليمن ومثقفوها وسياسيوها، رجالها ونساؤها شبابها وشيوخها في استنباط الحلول لمعضلات تحقيق العدالة في السلطة والثروة، وتحقيق التوازن في علاقة المجتمع بعضه ببعض، ورفع الظلم عن بعضه الآخر، وليس شكل الدولة الاتحادية من ستة أقاليم ونقل الكثير من الصلاحيات المالية والإدارية والقضائية والأمنية من المركز إلى المحليات سوى محاولة جادة وموضوعية لتجسيد هذا الحلم في دولة عصفت بها الاحداث والصراعات.
إن حجم التأييد الوطني للدولة الاتحادية ومشروع دستورها الجديد يكفي لتأكيد ملاءمتها لطموحات شعبنا في المضي نحو المستقبل وخروجاً من أسر الدولة المركزية الشديدة التي أورثتنا هذا الكم الهائل من الاحقاد والضغائن والجهل والقتل والتصفيات واستبعاد الآخر والغلو في المواقف ومصادرة الحقوق والحريات. وحلاً مناسباً للخروج من حالة الحرب، لقد انتصرت الشرعية وخلفها الجموع الغفيرة من الشعب اليمني لهذا التحول الكبير في اليمن، ولازالت تكافح بإصرار من أجل جعل الدولة الاتحادية خياراً لا رجعة عنه.
الأخ/ الأمين العام
أيها الإخوة أيتها الأخوات:-
السادة الحضور:-
ينعقد هذا اللقاء في ظروف غاية في التعقيد يمر بها اليمن والمنطقة عموماً. لكننا في نهاية المطاف سوف ننتصر في معركتنا مع الحوثيين وإيران في هذا الجزء الغالي من الوطن العربي الكبير، سوف ننتصر يمنيين وعرباً في هذه المواجهة التاريخية فنحن ندافع عن وطننا وأرضنا ومصالحنا وأمننا، ندافع عن حقوقنا في العيش في هذه الرقعة من الكون بسلام، بعيداً عن الأطماع والتدخلات، وسوف تتراجع عاجلاً أم آجلاً أطروحات التطرف الديني أو المناطقي أو السياسي في الأيام القادمة والأمر يتوقف علينا نحن صناع عاصفة الحزم عاصفة العرب وعنوان وحدتهم. لا أفق لأي إدعاء بالتفوق والتميز والسلالية، لن تنتصر في نهاية المطاف إلا الأفكار والرؤى العقلانية، كما سينهزم الإرهاب بكل صوره وأشكالة، وستجفف منابعه.
إننا ننشد السلام، ونضعه أولوية في سياساتنا، وأن أقصر الطرق للسلام في بلادنا هي في الاعتراف بالشرعية، وتسليم السلاح والإنسحاب من المدن، وبالتطبيق الكامل بالقرار الدولي رقم 2216، والقرارات الأخرى ذات الصلة، وأن السلم الدائم يبدأ بالاعتراف بمخرجات الحوار الوطني والدولة الاتحادية تحديداً كمخرج مشرف لنا جميعاً من حالة الاحتراب والدمار، لن يتمكن الحوثيون *من حكم اليمن الكبير، لم يعد شعبنا يقبل العبودية في أي صورة جاءت حتى وإن تلبست بثوب الدين.
إن على الحوثيين أن يدركوا أن الإستقرار والحياة الآمنة المطئنة لا توفرها التحالفات مغ الغير، إنما يوفرها الرضا الشعبي عن الحاكم والتوافق مع الجوار. وأن إيران لن تتمكن من الهيمنة وبسط النفوذ في اليمن، هذه حقائق التاريخ، وتجربة العلاقة بين شعوب المنطقة، إن لدينا كامل القناعة أن الاطماع الأيرانية في اليمن والمنطقة العربية سوف تسقط كما سقطت واندحرت في كل الأزمنة والعصور السابقة.
ومرة أخرى هناك فرصة حقيقية لتحقيق السلام في بلادنا، وإن مساعدات المجتمع الدولي في الضغط على الحوثيين أمر في غاية الأهمية، والمرجعيات الثلاث توفر أرضية لمصالحة وطنية شاملة، تجب ما قبلها، لا يكون فيها ظالماً أو مظلوماً، ولا غالباً أو مغلوباً، المخرجات توفر لليمن فرصة للتصالح مع نفسه وتحقق لكل فئاته الاجتماعية الاستقرار والعيش بسلام، وتمنحه فرصاً أوسع للتصالح مع محيطة، واليمنيون هنا معنيون بهذه المصالحة والتصالح، على قاعدة المرجعيات الثلاث. ولا شئ غيرها.
وأنني أجدها مناسبة لأذكر بعضاً من أصدقاءنا في المجتمع الدولي أن قرار مجلس الأمن رقم ٢٢١٦ هو في جوهره رفضاً صريحاً للإنقلاب الحوثي في اليمن وما ترتب عليه، وأن القبول اليوم بالواقع في اليمن، كما يحاول البعض تسويقه لنا، هو في جوهره قبولاً بالإنقلاب، هذا الأمر يخالف ماعرف عن هولاء الأصدقاء وعن بعض أطراف المجتمع الدولي رفضهم للإنقلابات من أساسها وسيلة للإستيلاء على السلطة، أصدقاؤنا هؤلاء يرفضون الإنقلابات في أفريقيا وفي أمريكا اللاتينية وفي آسيا، بعدما انقضت مرحلة الحرب الباردة، ونحن نقول لهم أن المنطقة العربية ليست استثناءً حتى نقبل بالأمر الواقع وبالتالي بنتائج الإنقلاب الحوثي في اليمن، أنه انقلاب على الشرعية على شرعية رئيس منتخب بإشراف الأمم المتحدة نفسها، وعبر ممثليها.
أن استقرار المنطقة وعدم المساس بامن شعوبها ونظمها السياسية قضية جوهرية اليوم. هذه المنطقة تتوق شعوبها للإستقرار بعد سنوات من المعاناة، وتتوقع أن يكف الجميع عن التدخل في شئونها الداخلية. أحياناً لا تفهم التدخلات الخارجية عندما تأتي عابرة للقارات إلا في إطار الأخطاء التي يرتكبها السياسيون.
الأخ/الأمين العام
أيها الإخوة إيتها الأخوات:-
لقد مثلت مخرجات المرجعيات الثلاث وفي أساسها الحوار الوطني اتفاقاً وطنياً غير مسبوقاً في تاريخنا، وقد كانت المشاركة في الحوار شاملة كل أطراف الأزمة، ووجهة نظرنا في الحكومة والأحزاب والقوى الوطنية والمنظمات الاجتماعية المؤيدة للشرعية أن الدعوة لحوار جديد لن تقودنا في نهاية المطاف إلا الى متاهات جديدة، ستطيل أمد الحرب، وتضاعف من الآثار الكارثية والإنسانية في اليمن التي تسبب بها الإنقلابيون الحوثيون على الشرعية.
إن الإطار العام لأي حوار قادم لا يلتزم بوضوح تام بالمرجعيات الثلاث لن يحقق السلام المنشود. السلام هدفنا وغايتنا وهذا ما عبر عنه الأخ/ الرئيس مراراً وتكراراً وما نلتزم به نحن في الحكومة، ومن حسن الحظ أن المرجعيات الثلاث قد تكفلت برسم حدوده العامة. وحفظت حقوق الجميع بما فيهم الحوثيين أو المطالبين بالانفصال، إنني أخشى أن يتمادى الحوثيون في رفض السلام لا لشئ إلا لأنهم يسمعون أحياناً كلاماً معسولاً من بعض الأطراف الدولية، وشكراً هنا لأصدقائنا في الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وشكراً لأصدقائنا الذين ساندوا الشرعية ووقفوا مع الشعب في محنته التي صنعها الانقلابيون.
إننا ندعم جهود الأمم المتحدة، ومبعوثها الدولي السيد مارتن، وقد أبلغناه وجهة نظرنا كحكومة من المفاوضات القادمة، وحددنا رؤيتنا التي راعت مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وفي أساسها القرار ٢٢١٦، وأنني أرجو أن يسمع المبعوث الدولي وجهة نظر الاحزاب والقوى السياسية والمنظمات الاجتماعية والفعاليات المؤيدة للشرعية والمؤثرة في الرأي العام. كما سمع وجهة نظر الآخرين.
كما أننا سنواصل جهودنا في ذات الوقت للقضاء على الإنقلاب الحوثي وتحرير ما تبقى من الأرض اليمنية من فلول المتمردين ، مستندين في ذلك إلى الإرادة الوطنية التي ترفض الإستيلاء على السلطة بالقوة، كما سنواصل في ذات الوقت جهودنا في محاربة الإرهاب وعناصره وخلاياه وقواعده أينما كانت، سوف نلاحق جذوره وبيئاته ومنابعه ومصادر وجوده، وفي هذا الشأن نحن شركاء حقيقيون للمجتمع الدولي في القضاء على هذه الآفة الخطيرة.
أيها الإخوة أيتها الأخوات:-
لقد حققنا خلال الفترة الماضية وبإمكانيات محدودة، تقدماً في توفير الخدمات العامة للمواطنين في المحافظات المحررة، لقد أنشأنا بنكاً مركزياً من الصفر، بعد أن نهب الحوثيون كل الإحتياطي النقدي المحلي والاجنبي لليمن، مستخدمينه في المجهود الحربي، لقد أتاح لنا بناء بنك مركزي جديد ورفده بما أتيح من الموارد صرف مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين، كما تمكنا من انجاز بعض المشروعات الخدمية وخاصة في مجال الصحة والتربية والمياة والنظافة والطرقات، وتحسنت ظروف الحياة نسبياً رغم شحة الإمكانيات وانعدام مصادر الدعم الخارجي، في ضل تخريب متعمد للمؤسسات والمرافق العامة مارسته بعض الأطراف المحلية المتطرفة والمسلحة للأسف الشديد.
هنا نكرر شكرنا الجزيل لأشقائنا في المملكة الذين رفدوا الاحتياطي من النقد الأجنبي في البنك المركزي في اليمن، بملياري دولار أمريكي، ثم سارعوا بالإعلان عن دعم المشتقات النفطية، وقد وقعنا اتفاقاً مع المملكة بالأمس في هذا الشأن. بالإضافة إلى المشاريع الأخيرة التي وضع حجر الأساس لها، لكن سعر الريال عاود مرة أخرى في الهبوط إزاء العملات الاخرى.
إن انقاذ الريال اليمني من الانحدار إلى قاع الكارثة، ووقف تدهوره، خاصة وقد بلغ سعره اليوم 560 ريال للدولار. الأمر الذي ينذر بكوارث اجتماعية وسياسية وإنسانية بدت بوادره واضحة في الشارع اليمني.. هذا الانحدار المخيف لقيمة العملة اليمنية، يتطلب القيام بإجراءين عاجلين،
أولهما: أن تُتخذ إجراءات عاجلة من كل المعنيين بإدارة المناطق المحررة لضمان التعامل مع البنك المركزي اليمني بدلاً عن الصرافين وسماسرة العملة، نحن هنا نتكلم عن مئات الملايين من الدولارات الأمريكية، وإن إجراء كهذا سيمنع بالتأكيد المضاربة والتعامل غير المشروع بالعملة المحلية ، ثم سيمنع تهريب هذا العملات الصعبة من الوصول إلى خزائن الحوثيين، وثانياً : الترتيب لتحويل أموال المغتربين اليمنيين عبر البنك المركزي، والبنك الأهلي كما كان معتاداً قبل سنوات. فاستمرار منع المغتربين من التحويل عبر البنك المركزي، كان واحداً من أسباب إنهيار سعر الصرف.
هذين الإجراءين بالإضافة إلى ما سبقها من اجرات قام الاشقاء في المملكة بها لناحية الوديعة والمشتقات النفطية لمحطات الكهرباء كفيلة بوقف تدهور الريال اليمني، وكما تلاحظون هذين الإجرائين لا يتطلبان أية أعباء مالية جديدة على أي ظرف كان.
كما أننا في الحكومة وبعد موافقة الأخ الرئيس سنقوم بإجراءات مصاحبة في مجالات عديدة هي من مسئوليتنا، سوف تشمل إجراءات تجاه الكماليات من السلع غير الضرورية ولو مؤقتاً، كما إننا ندرس القيام بإجراءات أخرى منها تحريك الأجور والمرتبات بنسبة تتوافق مع المتغيرات القيمية في سعر الريال.
أننا في الحكومة ندرك حجم الاحتقان في الشارع ولدى الفئات الاكثر فقراً في المجتمع، وخاصة الموظفين العاملين في قطاع التربية والصحة والنظافة والأشغال العامة والزراعة والأسماك والقطاعات الحكومية الأخرى، إن لهذا الاحتقان أسباب حقيقة وموضوعية، إن بؤس الناس قد تضاعف بفعل انهيار سعر الريال من جديد، وهو أمر يمكن تدارك أسبابة، وعلاج نتائجه ببعض الإجراءات المشتركة الملحة والغير قابلة للتأجيل.
إن من الأهمية بمكان أن تتعاون الأطراف المعنية بإدارة المناطق المحررة تعاوناً يشمل مجالات الأمن والاقتصاد وإدارة الشأن العام وأن يعطى لحياة الناس ومعيشتهم الأولوية فيما يتخذ من اجراءات.
الحكومة في واقع الأمر ليست وحدها من يتخذ القرار ويتحمل المسئولية فيما يحدث، إنها مسئوليتنا المشتركة. وواجبنا الذي لم يعد بالإمكان الهروب من القيام به، إننا نتكلم عن الواقع واقع إدارة المناطق، وليس هروباً من المسؤولية.
أننا لم ندعي الكمال قط في عملنا، وليس لنا أن ننكر بعض القصور في إداء مؤسسات الدولة التي تحكمها ظروف الحرب وشحة الإمكانيات وتعدد السلطات، إلا أن تهمة الفساد الممنهج التي تروج لها بعض وسائل الإعلام كذبة كبرى، واهدافه أخرى، واجنداته سياسية وعسكرية واسترتيجية تتعلق بحاضر اليمن ومستقبله. نحن في الحكومة لازلنا نطالب الأشقاء في المملكة والإمارات والبنك الدولي بإرسال مندوبيهم لوزارة المالية والبنك المركزي للاطلاع على حقائق الامور. ونفوضهم بنشر ما يتوصلون إليه من معلومات للشعب اليمني وللعالم.
أننا هنا نسجل شكرنا وتقديرنا العالي لمركز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وللهلال الأحمر الإماراتي والكويتي، على كل ما قدموه ويقدمونه من مساعدات إنسانية للشعب اليمني، كما نقدر مساعدات الأشقاء والأصدقاء الإغاثية التي خففت من معاناة الشعب اليمني.
وأخيراً فإنه لضمان الوصول الى دولة اتحادية هدفنا المشترك في اليمن تستمد فلسفة قيامها كنظام سياسي غير مسبوق، يرقى بالوعي الوطني في صيغة ومفهوم ودستور جديد فإن أولى الخطوات التي ينبغي تحقيقها الآن هو القيام بتوحيد الوحدات العسكرية والأمنية المناطقية التي نشأت مؤخراً تحت سلطة واحدة هي سلطة الشرعية سلطة الرئيس المنتخب، وفرض القانون في العاصمة المؤقتة عدن، يشمل ذلك نزع سلاح شامل وإخلاء المدينة من الوجود العسكري غير المبرر، وتعزيز دور الأمن العام وأجهزة البحث والتحري وقبل ذلك وبعده تعزيز دور القضاء وفرض أحكامه، إذ لا تتحقق العدالة في غياب القضاء، ولا يحترم القانون في ضياع هيبته. إن تعدد السلطات العسكرية والسياسية التي ترفض الخضوع للشرعية هو أس البلاء في المحافظات المحررة، وسبب الفوضى.
شكراً مرة أخرى اخي عبداللطيف الزياني، كنتم دائماً معنا وإلى جانبنا، كنتم الإخوة والاشقاء والسند، وشكراً لأخي ياسر الرعيني الذي ساهم في التحضير لأعمال اللقاء بجانبكم ، والدكتور عبدالعزيز العويشق وزملائه في الأمانة العامة، وشكراً لكل من عمل على نجاح اللقاء ومن حضر، ومن ساهم أو سيساهم في جلساته اللاحقة، شكراً لكل من أهدانا أو سيهدينا نصيحة تحافظ على بلدنا جمهورياً وموحداً تسوده العدالة والمساواة، وتحكمه المواطنة المتساوية، وينتفي فيه العنف.
الجنة والمغفرة لشهدائنا، والشفاء العاجل لجرحانا، وشكراً لحسن إصغائكم وصبركم على هذا الخطاب الطويل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.