في تطور وصفته وسائل الإعلام بـ”الزلزال السياسي”، تمكن الجمهوري دونالد ترامب من مخالفة جميع التوقعات، والفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
ويشكل انتصار الملياردير، المعروف بتصرفاته وتصريحاته المثيرة للجدل، في السباق إلى البيت الأبيض، ضربة موجعة بالنسبة لقيادة الاتحاد الأوروبي المكونة بشكل شبه كامل من أعضاء المعسكر الليبرالي، واضعا إياها في حالة ذهول تام وخوف كبير من مستقبلها السياسي في المنطقة.
ناخبو ترامب
وجدير بالذكر في هذا السياق أن الأغلبية الساحقة من الخبراء والمحللين المختصين في شؤون الحياة السياسية الداخلية بالولايات المتحدة يشيرون إلى أن ترامب استطاع أن يفوز في الانتخابات بفضل الدعم النشيط من قبل السكان الأمريكيين البيض الذين تجاوزا سن 45 عاما، وهم ذو مستوى متوسط في التعليم والدخل المالي، والذين استحوذ عليهم شعور الخيبة من تداعيات العولمة والخشية من زيادة تدفقات الهجرة إلى البلاد، وكذلك الخوف أمام المنحدرين من البلدان غير الغربية ولا سيما منطقة الشرق الأوسط.
وجذبت الحملة الانتخابية لترامب العديد من الأنصار في المجتمع الأمريكي بسبب تعهداته، التي اعتبرها كثيرون شعبوية، بهدف وضع حد لجميع الظواهر المذكورة، ولا سيما بـ”إعادة القوة القديمة للولايات المتحدة”، وبناء جدار على الحدود مع المكسيك، ومنع دخول المسلمين إلى أراضي الولايات المتحدة وفرض نظام مراقبة خاصة على هؤلاء الذين يقيمون حاليا في البلاد، والتركيز على رفع مستوى المعيشة للمواطنين الأمريكيين من الطبقة الوسطى من خلال التخفيض الحاد للضرائب وخلق فرص العمل الجديدة من أجلهم عبر جعل أكبر الشركات الأمريكية تعيد المصانع والمكاتب من الدول الأجنبية إلى الولايات المتحدة.
“العالم ينهار أمام أعيننا”: نتائج الانتخابات الأمريكية صدمة للقيادة الأوروبية
وفي وقت تحدثت فيه جميع استطلاعات الرأي في البلاد، عشية انطلاق الانتخابات الرئاسية، عن تقدم الديمقراطية هيلاري كلينتون على منافسها الجمهوري، كانت قيادة الاتحاد الأوروبي على يقين بأن التهديد النابع عن شعبوية ترامب القومية تم تصفيتها.
نقلت وسائل إعلام أوروبية عن مصادر مقربة من الرئاسة الفرنسية أن مستشاري الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، استبعدوا تماما فرضية فوز ترامب ولم يحضروا، ليلة الثلاثاء، سوى برقية تهنئة موجهة إلى هيلاري كلينتون، فيما أكد هولاند أنه يثق “بإرادة الشعب الأمريكي في اختيار هيلاري كلينتون رئيسة للولايات المتحدة”، مشددا على أن هذا الاختيار “يتوافق بصورة أفضل مع القيم والمبادئ والحرية” في الاتحاد الأوروبي وكذلك طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة من جهة وفرنسا وأوروبا من جهة أخرى.
وتعليقا على الانحراف غير المتوقع في سير الانتخابات الأمريكية، قال هولاند إنه يهنئ ترامب “لأن هذا تصرف طبيعي بالنسبة للعلاقات بين رئيسي دولتين ديمقراطيين”، مشددا مع ذلك على أن فوز المرشح الجمهوري يفتح “مرحلة الغموض” ومضيفا أن “أفكاره حاليا مركزة أيضا على هيلاري كلينتون”.
بدوره، وصف وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرولت، الانتخابات الأمريكية بأنها “تحد” بالنسبة لفرنسا، مؤكدا أن شخصية دونالد ترامب تثير أسئلة كثيرة لا سيما بشأن سياسة الولايات المتحدة الخارجية، وذلك بينما اعتبر السفير الفرنسي لدى واشنطن، جيرار آرو، أن نتائج السباق الرئاسي الأمريكي “كارثة”، مضيفا: “إن العالم ينهار أمام أعيننا”.
أما في ألمانيا، فقالت وزيرة دفاعها، أورسولا فون دير لاين، في أول رد فعل للبلاد على تقدم ترامب في السباق الرئاسي، إنها أصيبت “بصدمة كبيرة” عندما تعرفت على النتائج الأولية للانتخابات، مؤكدة: “أعتقد أنه يفهم أن هذا التصويت ليست لصالحه لكنه كان على الأرجح ضد واشنطن وضد النخبة السياسية الحاكمة”.
وفي وقت لاحق من الأربعاء، دعت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، دونالد ترامب، مهنئة إياه بانتصار، إلى “احترام القيم الديمقراطية” ومواصلة التعاون بين البلدين “على أساس الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان وكرامته، بغض النظر عن أصوله العرقية ولون بشره ومعتقداته الدينية أو ميوله الجنسية وآرائه السياسية”، معيدة إلى ذهن الرئيس الأمريكي المنتخب، الذي سبق أن اتهم ميركل بأنها تدمر بلادها من خلال سياستها في مجال الهجرة، أن “الولايات المتحدة تتحمل، بدرجة أو بأخرى، المسؤولية عن كل ما يحدث في العالم”.
وقال وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، إن فوز ترامب غير منتظر، لافتا إلى أنه يجب الاستعداد لسياسة أمريكية خارجية لا يمكن التنبؤ بها، ومعتبرا أن واشنطن ستتجه إلى اتخاذ القرارات بمفردها.
من جانبه، أشار رئيس البرلمان الأوروبي، مارتين شولتز، إلى أنه “مندهش” من نتائج الانتخابات، حيث كان يتوقع، “مثل كثير من الآخرين، انتصار كلينتون”، مؤكدا أنه “من البديهي” أن تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة سيعقد العلاقات بين بروكسل وواشنطن، فيما قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك إن الاتحاد الأوروبي يفهم أن نتائج الانتخابات “تضع تحديات جديدة، ومنها عدم القناعة بشأن مستقبل العلاقات” بين أوروبا والولايات المتحدة.
“عالمهم يتهاوى ونحن نبني عالمنا”: فوز ترامب عاملا يعزز اليمني القومي في أوروبا
قلق القيادة الأوروبية الليبرالية ومخاوفها من تداعيات فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية يعززها التهديد الداخلي النابع عن رفع شعبية القوى اليمينية القومية في أكبر دول أوروبا، التي من المتوقع أن تحصل على دعم ملموس من قبل الصاحب الجديد للبيت الأبيض.
وليس من المصادفة في هذا السياق أن رئيسة “حزب الجبهة الوطنية” اليميني المتطرف، مارين لوبان، كانت أول شخصية سياسية فرنسية تتفاعل مع نبأ فوز ترامب، حيث هنأته بحرارة من خلال تغريدة على حسابها في موقع “توتير” جاء فيها: ” تهنئتي إلى الرئيس الجديد للولايات المتحدة دونالد ترامب وإلى الشعب الأميركي”.
وقام نائب رئيسة الحزب، فلوريان فيليبو بتهنئة ترامب في تغريدة أخرى كتب فيها: “عالمهم يتهاوى ونحن نبني عالمنا”.
وتجدر الإشارة إلى أن “حزب الجبهة الوطنية” هو الوحيد الذي ساند ترامب منذ خوضه الانتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري، ولهذا السبب يعتبر انتصار الملياردير بمثابة فأل خير بالنسبة له في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة، التي ستخوضها لوبان في مايو/أيار من العام 2017، بشعارات وخلفية أيديولوجية مشابهة لترامب.
وتشهد فرنسا ازديادا ملموسا لشعبية “حزب الجبهة الوطنية” الذي يقع إلى أقصى يمين للمشهد السياسي، وتتوقع استطلاعات الرأي ارتقاء رئيسته مارين لوبن إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
وتساءلت صحيفة “20 مينوت” المجانية الفرنسية الأربعاء على صفحتها الأولى: “فرنسا على الطريقة الأمريكية؟”.
وأثارت نتائج الانتخابات الأمريكية ببهجة أنصار التيار اليميني القومي الألماني، إذ اعتبرت الرئيسة المشاركة لحزب “البديل من أجل ألمانيا”، فراوكا بيتريه، أنها “تبعث ألمانيا وأوروبا على الأمل، لأن ترامت تتوفر لديه حقيقة أوراق رابحة لتنفيذ انقلاب سياسي تاريخي”، في حين قال يورن مويتن، الرئيس المشارك الثاني للحزب، إن “ترامب حصل على جائزة مستحقة بسبب شجاعته في التمرد ضد النظام والتحدث عن الحقيقة غير المناسبة بالنسبة للبعض”.
ومن الجدير بالذكر أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” يحقق سلسلة من الانتصارات الانتخابية في الأشهر الأخيرة، مستفيدا من الاستياء الشعبي من تدفق المهاجرين إلى البلاد.
كما يسجل الوضع نفسه في وهولندا، التي تمر أيضا بتنامي قوة اليمينيين، الذين قال زعيمهم، وهو رئيس “حزب الحرية”، غيرت فيلديرس، في تغريدة نشر على “تويتر” تعليقا على انتصار ترامب: “إن الشعب الأمريكي بدأ، في نهاية المطاف، بانتزاع أرضه”.
“بريكسيت زائد زائد زائد”
وتعتبر نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في هذا السياق فشلا كبيرا جديدا للمعسكر الليبيرالي في أوروبا، بعد إحباطه في منع انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما أصبح إشارة صارخة أولى على انبعاث القيم المحافظة ومبدأ أولوية المصالح القومية.
وفي هذه الظروف تزداد التوقعات والتنبؤات التي تقول إن التطورات الأخيرة على الساحة السياسية الأمريكية قد تصبح نقطة انطلاق ليست بالنسبة للولايات المتحدة فحسب، وإنما بالنسبة لتاريخ الاتحاد الأوروبي، لا سيما أن ترامب، الذي وصف فوزه بـ”بريكسيت زائد زائد زائد”، أصبح، بعد توليه منصب الرئاسة الأمريكية، زعيما للعالم الغربي برمته.
المصدر: وكالات