تتناول بعض الصحف البريطانية أحيانًا اخبارًا عن الوضع في اليمن، أو تنشر تحليلات مطولة عن مستجدات النزاع ومستقبل الحل السياسي من وجهة نظر الكاتب أو المحلل السياسي الذي قام بالبحث، وهو بهذا لا يعبر إلا عن وجهة نظره، وربما الجهة التي تمول بحثه. وفي كثير من الأحيان نجد أن الصحيفة أو المجلة التي تنشر التقرير لا تلزم نفسها بالنتائج التي يتوصل إليها الكاتب، فقد تنشر في أعداد أخرى تقارير لكتاب أو محللين يحملون وجهات نظر مختلفة. المهم فيما ينشر في الصحف “الجادة” هو سلامة قواعد البحث أو منهج التحليل في صورتهما العلمية أو المهنية.
ينطبق نفس الشيء على ما يقدم من موضوعات ومحاضرات في مراكز الأبحاث من قبل باحثين متخصصين أو شبه متخصصين سواء في شاتم هاوس “المركز الملكي للبحوث” أو مركز ” روسي” أو غيرهما من المراكز التي تعودت أن تطل علينا بين حين وآخر بفعاليات حول الوضع في اليمن.
كما أن هناك لقاءات عابرة ليمنيين من كافة الاتجاهات تتم مع بعض المسئولين البريطانيين أو المختصين منهم بالشأن اليمني لغرض تكوين صورة أوسع عما يجري من أحداث، وهذا تقليد بريطاني عريق في الاستماع إلى كل الأطراف وإلى كل وجهات النظر، وبالتأكيد فإن السياسة البريطانية لا يتم التصريح بها في هذه اللقاءات لأنها في الأساس لقاءات إستماع، كما أن الذين يكلفون بهذه اللقاءات ليسوا مخولين بالحديث عن هذه السياسات.
تتناقل الكثير من مواقع الاخبار اليمنية هذه الفعاليات واللقاءات والتقارير والنتائج findings على أنها تمثل السياسة الرسمية للحكومة البريطانية، وبصورة مثيرة تذهب إلى التأكيد، بالاستناد إلى هذه النشاطات، على أن هناك سياسات رسمية جاهزة تعمل الحكومة البريطانية على تطبيقها لحل الازمة اليمنية.
هناك الكثير من النماذج التي راحت تخلط بين السياسة الرسمية وهذه الأنشطة التي يتكوم بعضها بيد صناع السياسة ولكن من بين مئات التقارير السياسية والعسكرية والاستخباراتية والمالية والتقارير الاستراتيجية التي تفرز في ضوء ما يسمى ب “معاملات الارتباط” الاساسية التي تحدد الموقف السياسي للدولة من قضية ما في نهاية المطاف.
من الطبيعي أن يقوم الباحث اليمني الجاد من متابعة وتتبع كل ما يؤثر في صناعة السياسة البريطانية عندما يتعلق الأمر بمستقبل بلده، غير أنه من المفيد أن يترك لاستنتاجاته مساحة للمراجعة تتناسب مع تعقيدات البحث وعدم صوابية استخلاص نتائج مطلقة.
السياسة البريطانية في اليمن حتى الان منسجمة مع موقفها المعروف من دعمها للعملية السياسية التي عبرت عنها بدعمها المبادرة الخليجية ومساندتها للحوار الوطني ووقوفها إلى جانب قرارات مجلس الأمن الداعمة للحل السياسي ثم بعد ذلك مواجهة الانقلاب الحوثي /صالح ودعم الشرعية، وهي مع خيارات الشعب اليمني على أسس ديمقراطية، ولا يحوز شيطنة الموقف البريطاني بالاستناد إلى ما يكتب أو ينشر من تقارير أو أبحاث أو غير ذلك من الفعاليات التي بتسع لها العقل السياسي الديناميكي دون أن يلزم نفسه بها.
وفي تساوق مع هذا لا يجب أن ننسى المصالح البريطانية في منطقة الخليج وأهمية استقرار هذه المنطقة بعيدًا عن العوامل التي تهدد أمنها، مع ما تمثله اليمن من أهمية على هذا الصعيد.المنطقة بالنسبة لها ميراث كولونيالي، إن كان قد خرج من دائرة الكومنولث، فإنه لا يجوز أن يخرج من دائرة المصالح الحيوية المشتركة.
وفي منطقة حساسة بهذ المستوى الذي تتزاحم فيها مصالح القوى الكبرى فإن رسم السياسة يأخذ أبعادًا دولية إلى جانب الأبعاد الإقليمية والمحلية، وبريطانيا تدرك، وهي تتولى ملف اليمن، أن مهمتها أشمل في صلتها بتحقيق الاستقرار في منطقة تتجاذبها صراعات حادة، دوافعها خارجية وشروطها داخلية.
لا شك أن السياسة البريطانية في اليمن تتعرض لكثير من الضغوط بسبب الوضع الأنساني الذي يجري توظيفه خارج مسار الحل السياسي الذي يضع حدًا لانتهاك الدولة ومصادرتها بقوة السلاح، وهو الأمر الذي تجري مقاومته في سياق المنطق الذي يجمع بين السياسي والانساني لحل المشكلة اليمنية.
هذه الضغوط لا تقتصر على ما تمارسه المعارضة وقوى الضغط البريطانية من استخدام للوضع الانساني على صعيد واسع في سياق تسجيل المواقف السياسية لكسب الشارع ضد حكومة المحافظين، وإنما يتعداها أحيانًا إلى انسداد الوضع بحيث لا يرى منه غير الجانب المأساوي للناس، والذي تغيب وراءه قضية سياسية تتعلق باستقرار هذاالبلد على المدى البعيد، وهي احترام إرادة الشعب بعيدًا عن نزق السلاح والقوة الغبية.