“سبتمبر نت”
يعترف صحفيو تعز الكبار أو أكثرهم بأنهم غادروا المدينة، إما إلى الريف أو إلى محافظات أخرى هرباً من جحيم حرب الحوثيين التي بدأت رحلتها الإجرامية في مستهل العام 2015م، بقي البعض منهم، لكن الحرب هي من صنعت «صحفييها» الجدد وناقلي الصورة، في وقتها، وباحترافية كبيرة قد لا تجدها في محافظات أخرى شهدت مقاومة المليشيا وما تزال.
ليست كتيبة واحدة للصورة في تعز, بل كتائب مدججة بالعدسات تجوب مواقع الأحداث, لا تهاب الموت, أصبح الجلاد هو من يهاب بريقها, لذا يستهدفها بشكل مباشر كل ما سنحت له الفرصة, استطاع أن يغسل بعضها بالدماء, ترتمي بعيداً عن يد حاملها, تلتصق بها الأشلاء, كما هو الحال مع عدسة المصور لقناة اليمن الرسمية محمد اليمني, والذي يعد عميد شهداء الصحافة في اليمن.
اليمني.. الشهيد الأول
ففي مارس من العام 2016م سقطت عدسة اليمني, برصاص قناص, لتبقى شاهدة على الهمجية التي تنال من كل شيء يتحرك في تعز, حينها أراد الحوثيون القضاء على أفضل المصورين والصحفيين بتعز, بضربة واحدة, ولم يكن لهم ذلك على الرغم من الخسارة الكبيرة برحيل دينامو التصوير في المدينة المحاصرة حينها, الذي كان متعطشاً للحرية والحياة تعطشهم للموت, أصيب معه رفقاؤه نائف الوافي وهيكل العريقي وعبدالقوي العزاني وعبدالحكيم مغلس, لم تقعدهم الإصابة, واصلوا مشوار محمد الذي لن ينته إلا بإنهاء الانقلاب والقضاء على أنفاسه اللاهبة, والذي لن يكون إلا بتحرير تعز وكل المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم.
الموت على شكل قذيفة
تقي الدين الحذيفي ووائل العبسي, وسعد النظاري تثبتوا بعدساتهم تماماً, بقيت الصورة ثابتة كما هي إلى اللحظة, لتؤرخ همجية المليشيا الحوثية, وتضحيات شباب تعز وإعلامييها, بل وإبداعاتهم, التي تستعصي على الوصف, وترسم ملامحها على جبين الموت, فـ«تقي» صار مصوراً بارعاً يتقدم الصفوف, يلتقط الصورة رغم حداثة سنه, يسارع إليها لتسارع إليه في النهاية وتأخذه هو ورفيقيه وائل, وسعد وتصيب زميلين لهم آخرين على شكل قذيفة كانت قدرهما المحتوم في أحد المنازل بالقرب من التشريفات في الجبهة الشرقية, في مايو من العام الماضي.
وليد القدسي وثمن الصورة
القصف أدى إلى إصابة المصور صلاح الدين الوهباني وزميله «وليد القدسي»، الذي بترت قدمه لتبقى شاهداً على ثمن الصورة في حضرة مليشيا مشوهة المعالم والأفكار, لا عمل لها سوى تشويه كل ما هو جميل, ومحاولة طمس جرائمها بقتل الحقيقة وناقليها, إنها تريد حصار الصورة أيضاً ومنعها من التداول والانتشار.
الحاجة أم الاختراع
يرى صحفيون تحدثوا لـ«26 سبتمبر» إن تعز صنعت أبطالها في كل المجالات, فالحاجة لنقل صور المعاناة والانتهاكات ولدت صحفيين ومصورين بارعين, كل شيء موثق, وهو ما سعت المليشيا إلى محاربته منذ البداية وبكل الوسائل, ففي الأشهر الأولى ومع شدة الحصار, كانت عين تعز, هي عدسات المصورين التي نقلت الصورة كما هي على وسائل الإعلام, أو على «السوشال ميديا» لذا جندت من أجل التقليل من هذه الأعمال البطولية, وحاولت النيل من قيادات المقاومة ومن صحفييها أيضاً, ولكنها لم تفلح فسعت من أجل قتلهم, والقضاء عليهم ما استطاعت إليه سبيلا.
من أبطال الصورة وشهدائها محمد القدسي مصور قناة بلقيس الفضائية, والذي قضى بصاروخ حوثي استهدف مدنيين الإثنين (22/1/2018م) قتل 7 معه وأصيب 28 جراء تساقط 4 صواريخ على قرى آهلة بالسكان في منطقة الخيامي التابعة لمديرية المعافر جنوب غرب تعز.
شظايا صورة أخيرة
يصف زميله فواز الحمادي لحظة استشهاده بأنهما كانا في مهمة تغطية تخريج دفعة من قوات الأمن الخاصة ليسمعا دوي قذيفة سقطت على أحد المنازل, فهرعا معاً لتغطية الحدث وتصوير الضحايا المدنيين لتسقط قذيفة أخرى فتصيبه الشظايا المتناثرة, فترديه قتيلاً بينما يدخل زميله بشير عقلان حالته الحرجة جراء الإصابة.
القدسي وصفته القناة التي يعمل فيها بأنه كان مخلصاً في عمله, بنقل كافة الأحداث والفعاليات والانتهاكات التي ترتكبها مليشيا الموت في تعز وريفها, لكنه رحل ولم ينقل صورته الأخيرة, صورة موته هو وبيد الإجرام نفسها, لكنه فارق التوقيت فقط.
لقب جديد
غادر القدسي كشهيد للصحافة في اليمن كلقب جديد له سيلازم فترة ما بعد رحيله سيتذكره زملاؤه يقولون بأنه نادر لا يجدي التهرب لأن فكرته كامنة فيه في أدائه لا في كلمات يلوكها, يواصل آدام الحسامي بأنه أي محمد كان أقلنا تنظيراً وأكثرنا إعلاناً بطرق عملية عن جهوزيته وكفاءته للاشتغال على المشروع الوطني دون انتظار.