اقتصرت الجهود الأوروبية في التعامل مع أزمة المهاجرين في ليبيا حتى الآن على اعتراضهم في البحر وإيقافهم من أجل إبقائهم خارج أوروبا، لكن هذا التدخل الأوروبي فشل في إدارة هذه الأزمة ولم يكن مجدياً في وقف الانتهاكات والمعاملة اللاإنسانية التي يتعرض إليها المهاجرون على أرض ليبيا، وهو ما يجعله اليوم أمام مسؤولية مضاعفة لحل هذه المأساة العالقة.
ومنذ بداية أزمة المهاجرين في ليبيا، حاولت الدول الأوروبية تعزيز السيطرة على حدودها البحرية مع ليبيا بهدف تقليل أعداد المهاجرين القادمين إليها عبر البحر المتوسط، كما قامت بتقديم مساعدات لخفر السواحل الليبية لاعتراض قوارب المهاجرين في البحر المتوسط ومنعهم من الوصول إلى أوروبا، ما أدى إلى تعرض المهاجرين إلى الاحتجاز التعسفي والتعذيب والاستغلال في ليبيا، بحسب تقارير منظمات حقوق الإنسان، آخرها تقرير منظمة العفو الدولية الذي اتهمت فيه أوروبا بالتواطؤ في التعذيب الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون في ليبيا.
وقالت العفو الدولية في تقرير، الثلاثاء، إن الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا لمنع المهاجرين غير الشرعيين من الوصول إلى أوروبا عبر البحر، يجعله شريكاً في انتهاكات لحقوق الإنسان، مشيرة إلى أن الآلاف من المهاجرين العالقين في مخيمات ليبية كانوا عرضة لاستغلال شديد من قبل سلطات محلية ومجموعات مسلحة.
وأوضحت المنظمة أن هذه الحكومات تريد الحد من تدفق المهاجرين الأفارقة عبر البحر المتوسط، لذا عمدت عن طريق الاتحاد الأوروبي إلى تقديم الدعم للسلطات المحلية في ليبيا التي تعمل مع مهربين وتعذب مهاجرين، وإنفاق الملايين من الأموال عبر منظمات تابعة للأمم المتحدة لتحسين الأوضاع في مراكز لاحتجاز المهاجرين.
وتتهم بعض الميليشيات المسلحة في ليبيا بإدارة ملف تهريب البشر والاعتداء بدنيا على المهاجرين سواء داخل مراكز التجميع أو الاحتجاز. وتعليقاً على ذلك يقول المهاجر من دولة غمبيا، سليمان سيزاي، الذي نجح في الوصول إلى إيطاليا، في تصريح لـ”العربية.نت”: أشعر بالحزن الشديد عندما أتذكر ما تعرضت إليه في ليبيا، لذلك لن أروي لك قصتي بالتفصيل، لكن سأقول لك بشكل عام، إنهم لا يحترمون الإنسانية على الإطلاق، تجد نفسك تنتقل من شخص إلى آخر ويجبرونك على العمل معهم دون مقابل مادي وأحياناً يتركونك دون طعام”.
وتابع: “لم يقدم أحد أي حل حقيقي من أجل إنهاء معاناة المهاجرين، الكل يريد الذهاب إلى أوروبا، لكن هذه الأخيرة تتهرب منهم ولا تريد استقبالهم لديها”.
وفي هذا السياق، أوضح أحد العاملين بمنظمة خاصة بالهجرة في مصراتة، رفض نشر اسمه، أن إدارة الدول الأوروبية لأزمة المهاجرين في ليبيا كانت غير جدية وغير واضحة، حتى إن بعض المنظمات العاملة في مجال الهجرة بليبيا تورطت مع المهربين وعقدت اتفاقاً معهم من أجل تسليمها المهاجرين لإرجاعهم إلى مراكز الاحتجاز في ليبيا، لافتاً إلى أن بعض المهاجرين بعد إبحارهم وجدوا أنفسهم يسلمون إلى سفن تابعة للمنظمات والتي تتولى بدورها تسليمهم إلى خفر السواحل الليبي الذي يقوم بإعادتهم إلى ليبيا ووضعهم داخل مراز الاحتجاز، وذلك بهدف منعهم للوصول إلى أوروبا.
وقال لـ”العربية.نت” إن الدعم الذي تحدّث عنه المسؤولون الأوروبيون لصالح ليبيا لا يزال أغلبه مجرد وعود لم يقع تنفيذها، مؤكداً أن الحكومة الليبية ومنظمة الهجرة الدولية هما اللتان تديران مراكز المهاجرين، مبيناً في هذا السياق أن مراكز الاحتجاز الرسمية لا يوجد فيها تعذيب قائلاً: “صحيح أن الوضع سيئ لكن لا يتم ضربهم أو تعذيبهم إلا في حالات شاذة، هناك من يعامل المهاجرين بطريقة إنسانية”.
وحسب آخر الإحصائيات الرسمية، يوجد قرابة 500 ألف مهاجر من مختلف الدول الإفريقية في ليبيا، بينهم 20 ألفاً فقط داخل مراكز الاحتجاز الرسمية، وهي أرقام تضاعفت بسبب ما وصف بـ”السياسة الفاشلة لدول الاتحاد الأوروبي تجاه ملف الهجرة في ليبيا”، وفق مدير منظمة حقوق الإنسان في ليبيا، أحمد حمزة.
وذكر في تصريح لـ”العربية.نت” أن “دول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتهم إيطاليا، أسهموا في تعقيد ملف الهجرة غير الشرعية وفاقموا من حجم الجرائم والانتهاكات التي ترتكب بحق المهاجرين واللاجئين الأفارقة على يد عصابات تهريب البشر والمهاجرين وكذلك في بعض مراكز الاحتجاز والإيواء للمهاجرين واللاجئين في ليبيا التي تسيطر عليها جماعات وتشكيلات مسلحة، وذلك من خلال صد المهاجرين الراغبين في الذهاب إلى أوروبا”.
وتتهم إيطاليا، الدولة المكلفة من الاتحاد الأوروبي بملف الهجرة، برشوة عصابات تهريب المهاجرين من أجل إيقاف الهجرة نحوها وإبقاء المهاجرين داخل مراكز التجميع في ظروف إنسانية سيئة، بحسب ما أكده النائب بالبرلمان، علي التكبالي، الذي أشار لـ”العربية.نت”، إلى أن “إيطاليا متورطة كذلك في حجب المساعدات التي منحها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إلى ليبيا للمساعدة في مكافحة الهجرة”، موضحاً أن “البرلمان يحتفظ بملف قوي يثبت تورطها”.
وانخفضت الهجرة غير الشرعية في الفترة الأخيرة نحو أوروبا نتيجة التحصينات التي قامت الدول الأوروبية بتركيزها على حدودها البحرية مع ليبيا، إلا أنها عمقت مآسي المهاجرين داخل ليبيا، ولذلك تحتاج أوروبا اليوم إلى التخلي عن أنانيتها وتغيير سياستها تجاه هذا الملف بتقديم خطة واقعية من أجل التخفيف من حدة بؤس المهاجرين سواء في ليبيا أو داخل بلدانهم الأصلية.
الدعم الاقتصادي والسياسي إلى جانب الأمني هو أبرز ما يطلبه الليبيون اليوم من الاتحاد الأوروبي، حيث أكد رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، على ضرورة أن لا تقتصر جهود الدول الأوروبية في معالجة أزمة المهاجرين على الجانب الأمني، وأن تتجه الجهود وبنفس القدر لمعالجة السبب الرئيسي للمشكلة، وذلك بتقديم الدعم لدول المهاجرين لحل مشاكلها الاقتصادية، وبما يوفر فرص العمل والحياة الكريمة حتى لا يضطر مواطنوها للمجازفة بحياتهم هرباً من أوضاع معيشية سيئة.
واعتبر السراج في عدة مناسبات أن “أوروبا تتحمل جزءاً من المسؤولية، ولديها القدرة على استقبال مزيد من المهاجرين، كما لديها القدرة على دعم الهجرة القانونية”، معبراً عن استغرابه “من رفض بعض الدول الأوروبية قبول المهاجرين، ثم يقومون بلوم ليبيا بسبب الأوضاع التي يعيشها المهاجرون داخل ليبيا”.
ولفت السراج إلى أن “المواطن الليبي يجب أن يشعر بالأثر الإيجابي للشراكة مع الاتحاد الأوروبي وأن لا يكون موضوع الهجرة وحده هو ما يشغل الأصدقاء الأوروبيين دون الالتفات إلى معاناة المواطن الليبي القاسية اليومية”.
في المقابل، ثمن الناشط الليبي، فرج فركاش، قرار الدول الأوروبية الأخير بترحيل المهاجرين غير الشرعيين من ليبيا إلى بلدانهم الأصلية، معتبراً أنه “خطوة في الطريق الصحيح، لكنها غير كافية وتحتاج إلى أفعال ودعم على الأرض”، وذلك عبر مساعدة ليبيا في تأمين حدودها الجنوبية وإنهاء الانقسام السياسي، فضلاً عن إحداث مشاريع تنموية في الدول الإفريقية المصدرة للمهاجرين توفر موارد شغل لشبابها وتمنعهم من التفكير في الهجرة.