سبتمبر نت
في مشهد أخر من فصول الجرع المتوالية التي تواصل من خلالها مليشيا التمرد والانقلاب، تجريع اليمنيين أصناف العذاب والتجويع، تشهد المدن اليمنية الخاضعة لسيطرة المليشيا الانقلابية، ارتفاعا جنونيا لأسعار مشتقات النفط التي احتكرت المليشيا تواجدها في أسواقها السوداء فقط.
هناك في شوارع العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة الانقلابيين، باتت وبطريقة فاضحة، تصطف وتتزاحم بها ناقلات وشاحنات نفط كبيرة، وسيارات مكشوفة محملة ببراميل مليئة بالبنزين والديزل، تبيع أنواعا مختلفة من المحروقات، بأسعار خيالية تقصم ظهر المواطن الذي أضحى فريسة لوضع اقتصادي ومعيشي صعب فرضته مليشيا حولت البلاد بأكملها إلى سوق سوداء تغذي منها حروبها العبثية.
في ظل هذا الوضع الذي أضحى فيه قرابة الـ9مليون مواطن يعانون المجاعة، ونحو22مليون أخرين لم يعد باستطاعتهم تأمين وجبة غذاء كافية، عمدت المليشيا للمتاجرة بأحلامهم ودموعهم ومعاناتهم واستغلالها بطرق بشعة، لتبني بذلك امبراطورية كبيرة من الثراء على حساب أقوات اليمنيين وأموال الدولة التي نهبتها.
اسواق سوداء مزدهرة
المواطن “ق.ص” والذي يعمل سائقا لتاكسي أجرة، في العاصمة صنعاء، يقول أن السوق السوداء لمشتقات النفط ازدهرت تجارتها على يد المليشيا الانقلابية التي نهبت مخزونات النفط، وأجبرت المواطن على الذهاب إلى السوق السوداء لشراء احتياجاته بالسعر الذي تفرضه.
ويضيف: لم يكن أمامنا خيار الإ الذهاب إلى هذه الأسواق لشراء ما نحتاج من بترول وديزل وغاز وبأسعار باهضة تفوق قدراتنا بأضعاف مضاعفة.
أسعار باهضة
بعد قرار قوات التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن بقيادة السعودية، إغلاق المنافذ اليمنية، وذلك للحد من تهريب إيران الأسلحة للمليشيا، عقب استهدافها العاصمة السعودية الرياض، بصاروخ باليستي، عمدت المليشيا الى اخفاء المشتقات النفطية واقفال محطات النفط، لتجبر بذلك المواطن الذهاب الى السوق السوداء الذي تديرها.
ويؤكد “ق.ص” انه بعد اختفاء المشتقات النفطية من المحطات، وصل سعر دبة البترول سعة الـ20لترا في سوق المليشيا السوداء إلى أكثر من11ألف ريال، فيما وصل سعر دبة الديزل إلى مبلغ يتراوح ما بين الـ15ألف ريال و20ألف ريال، في حين أرتفع سعر إسطوانة الغاز إلى أكثر من6500ألف.
صنعاء مركز السوق السوداء
منذ مطلع الاسبوع الماضي اغلقت معظم محطات بيع النفط في العاصمة صنعاء، والتي تستولي عليها المليشيا أبوابها في وجوه المواطنين، لإجبارهم على اللجوء إلى السوق السوداء المنتشرة في أرجاء العاصمة والتي تقدر بحوالي689سوقا سوداء، تديرها قيادات حوثية، وذلك لإنعاش هذه السوق وجني الأرباح الطائلة، من خلال استغلالها لحاجة المواطنين.
هناك في شارع خولان، غربي صنعاء، تنتشر المئات من أسواق المليشيا السوداء لبيع مشتقات النفط، فتمتد هذه الأسواق من جانب مستشفى الثورة العام، وحتى جولة45، فيما الأسواق الأخرى تتركز في جولة عمران، ومذبح، وشميلة، وغيرها هناك المئات.
ويقول “ق.ص” أن العديد من مسلحي المليشيا يشرفون على هذه التجارة بشكل علني وان أطقما تابعة لها تتواجد بجانب هذه الأسواق لحمايتها.
منظمة هيومن رايتس ووتش كانت ذكرت في تقرير لها، في سبتمبر الماضي، من العام الجاري، أن فريق خبراء تابعاً للأمم المتحدة أكد أن المليشيا الانقلابية تجني أموالاً طائلة من السوق السوداء، قدرتها بأكثر من 1.14 مليار دولار، واعتبرتها أحد المصادر الرئيسية لإيراداتهم.
من حقول القات إلى حقول النفط
يقول “م.س” احد العاملين في احدى المحطات في صنعاء ان قيادات كبيرة في جماعة المليشيا الانقلابية إلى ما قبل العام2014، أي قبل الانقلاب، كانت تعمل في حقول قطف وبيع شجرة القات، وتحولت فجأة إلى مالكة لأكبر شركات واسواق النفط في البلاد.
وهنا يؤكد “م.س” وثائق ومعلومات للصحفي محمد عبد العبسي، الذي قُتل مسموماً أثناء إجرائه تحقيقات تتعلق بهوامير الفساد النفطي منذ اجتياح الحوثيين صنعاء، حيث كان قبل قتله حصل على معلومات ووثائق تفيد بأن ثلاث شركات نفطية يملكها الحوثيين تدير القطاع النفطي بكامله (استيراد – تصدير- سوق سوداء).
وكشفت وثائق العبسي أن الشركة الأولى والأكبر هي لمحمد عبدالسلام الناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي، واسمها “يمن لايف” ويديرها شقيقه، والشركة الثانية لتاجر السلاح الحوثي المعروف دغسان محمد دغسان واسمها “أويل برايمر”.
الوثائق ذاتها ذكرت ان الشركة الثالثة والتي تحمل أسم “الذهب الأسود” تعود للقيادي للحوثي علي قرشة، الذي كان عضواً في لجنة الوساطة أثناء الحرب الخامسة، مشيراً إلى أنه تم إنشاء شركة في إحدى الدول من قبل الحوثيين كواجهة تقوم بشراء النفط باسمها صورياً حتى لا تواجههم مشاكل في الحصول على تراخيص من قبل دول التحالف.
وتفيد المعلومات ان المليشيا الانقلابية تدير أكثر من21شركة اخرى، تعمل في استيراد وبيع المشتقات النفطية، علاوة على المشتقات التي تنهبها من الشركة اليمنية للمشتقات النفطية.
فساد كبير تمارسه المليشيا
تكشف كشوفات حركة الإستيراد الرسمية للمشتقات النفطية، خلال الفترة من يناير- وحتى_ سبتمبر 2017م، عن فساد كبير تمارسه هذه الشركات التابعة للمليشيا الانقلابية من خلال عدم دفعها للرسوم الجمركية والضرائب، الأمر الذي تسبب في خسارة الخزينة العامة للدولة بأكثر من27مليار ريال يمني.
وكانت لجنة الطوارئ في شركة النفط اليمنية أقرت في الثامن من شهر نوفمبر الجاري بيع النفط بسعر5500ريالا للدبة سعة الـ20لترا، ومحاسبة تجار النفط المستوردين، ما أثار حفيظة هوامير الفساد وتجار المليشيا الذين يديرون السوق السوداء بعد ما كانوا رفعوا السعر وقتها إلى8الأف ريال، الإ ان رئيس ما يسمى بـ”المجلس السياسي الأعلى” للانقلابيين صالح الصماد، في اليوم التالي وجه حكومة الانقلاب الغير معترف بها بعدم السماح للشركة في استخدام المخزون في خزانتها، وبيعها لتجار الشركات التي تديرها المليشيا بحجة ملكيتها لهم.
اللافت في الأمر انه في يوم الجمعة الماضية10نوفمبر، احتجزت قيادات المليشيا الانقلابية ناقلات النفط في الحديدة، ومنعتها من التوجه إلى المحافظات المخصصة لها، لتقوم في بيعه بالسوق السوداء، بالرغم من احتياطي شركة النفط المتوفر وتأكيد مصادر ان مخزون الاحتياطي يكفي لأكثر من50يوما في ظل الاستهلاك اليومي المقدر بـ5الأف طن للأسبوع الأول من شهر نوفمبر الجاري.
إيران تدعم المليشيا بالنفط لتمويل الحرب
تعمل إيران على تزويد الانقلابيين بحوالي50ألف طن شهريا من النفط بدون أي مقابل عبر شركات النفط التي تديرها المليشيا منها الثلاث الشركات المذكورة التي تقوم ببيعها في السوق السوداء للمواطنين وبأسعار خيالية.
وتسخر المليشيا عائدات هذه الكميات من النفط لدعم حربها، الأمر الذي يضاعف دخل المليشيا بمبالغ تفوق الـ10مليار شهريا.
وكشفت مصادر متطابقة ان المليشيا الانقلابية منعت شركة النفط من استيراد المشتقات النفطية من الخارج، وفرضت عليها الشراء عبرها، حيث ان المسؤول عن ميناء النفط في الحديدة نبيل المطهر هو من يتولى عملية تفريغ السفن لصالح المليشيا، والعمل على تسهيل دخول النفط الإيراني المجاني.