عكف المجتمع الدولي نحو 3 أشهر من أجل الإعداد لخارطة سلام تنهي النزاع المتصاعد في اليمن منذ أكثر من عام ونصف، غير أن تلك المبادرة يبدو أنها لن تجدي نفعا لحل الأزمة بعد رفضها من قبل الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته باعتبارها تحمل “بذور حرب وليس سلام”.
وأصيب الشارع اليمني، بخيبة أمل جديدة، بعد فشل الأمم المتحدة مجددا في إيصال بلدهم المنهك جراء الحرب إلى شاطئ السلام، وبقاء حالة القتال هي سيدة الموقف، مع انعدام كل مؤشرات الحل على المدى القريب.
وفي تقرير لوكالة الاناضول التركيه تم رصد مبادرات السلام التي طرحت ويقول الرتقرير انه منذ اندلاع الحرب، في 26 مارس/أذار من العام الماضي، رعت الأمم المتحدة ثلاث جولات من مشاورات السلام؛ الأولى في جنيف منتصف يوليو/تموز 2015، والثانية في مدينة بيال السويسرية منتصف ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، والثالثة على مرحلتين في دولة الكويت لأكثر من 90 يوما ( منذ 21 إبريل/نيسان وحتى السادس من أغسطس/ أب الجاري)، لكن المشاورات كانت دائما ما تتوّج بالفشل.
وبدلا عن المشاورات العقيمة التي أثمرت عنها مشاورات الكويت، لجأت الأمم المتحدة، إلى طرح خارطات سلام ومبادرات حل بعد التشاور مع دول كبرى وإقليمية، لكنها هي الأخرى، كانت ما تقابل بـ”تعنت” من أحد الطرفين، وهو ما يجعل طريق السلام شاقا، وفقا لمراقبين.
ومنذ مشاورات الكويت، تم طرح نحو 4 مبادرات سلام، آخرها الخطة الأممية التي رفض الرئيس هادي تسلمها، أول أمس السبت، بسبب تضمنها بنودا تقضي بتهميش دوره المستقبلي، ومنح صلاحيات الرئاسة إلى نائب رئيس جمهورية توافقي يكون هو المخوّل باختيار رئيس حكومة وحدة وطنية.
كما تقضي الخارطة الأخيرة، التي كشف عدد من المصادر، للأناضول ، بعض من مضامينها، على إقصاء نائب الرئيس الحالي، الفريق علي محسن الأحمر، الخصم التقليدي لجماعة “أنصار الله” (الحوثيين) والرئيس السابق علي عبدالله صالح من منصبه بشكل تام، وهي بنود تتوافق بشكل كبير مع مطالب “الحوثيين” منذ بدء مشاورات الكويت.
واعتبر مراقبون أن الخارطة الأممية الأخيرة، كانت بعيدة عن المنطق، وتكشف أن الحرب التي دارت منذ أكثر من عام ونصف للدفاع عن “الشرعية الدستورية” ضد تحالف الحوثي وصالح المتهم بالانقلاب على السلطة، “كانت عبثية ولا معنى لها”.
أستاذ علم إدارة الأزمات في جامعة الحديدة الحكومية، نبيل الشرجبي، قال، للأناضول، إن “الخارطة فاجأت الحوثيين أنفسهم، وطرح (المبعوث الأممي لليمن إسماعيل) ولد الشيخ أحمد، لا يستقيم مع مختلف الطروحات والمبادرات السابقة التي طرحت في الكويت”.
ورأى الشرجبي أن المبعوث الأممي “أصبح يمارس تجارب مختلفة مع الأطراف اليمنية بين كل حين وآخر؛ حيث يقدّم مبادرة تختلف كليا عن سابقاتها، وكأنه يريد أن يضطر المجتمع الدولي لفرض الأمر جبرا على الأطراف”.
ولا يُعرف ما هي الخطوات التالية لرفض حكومة الرئيس هادي خارطة ولد الشيخ الأخيرة، لكن الباحث “الشرجبي” توقع أن تقوم الحكومة بعملية عسكرية نوعية تهدف إلى كسر أي حديث حول هذه المبادرة أو فرضها على “الشرعية” لتجنب المزيد من الضغط الدولي، والتعامل فيما بعد بشكل مختلف.
أيضا، توقع “الشرجبي” أن “يعيش المجتمع الدولي في مرحلة سكون في الفترة القادمة؛ بسبب دخول الإدارة الأمريكية في غيبوبة الانتخابات الرئاسية” المقررة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
غير أنه لفت إلى أنه “إذا حصل ضغط سيكون لفظيا فقط على الأطراف اليمنية، حتى ظهور رئيس جديد للولايات المتحدة”.
وظهرت الحكومة اليمنية في خطاب شديد اللهجة عقب رفض الخارطة الخاصة بالمبعوث الأممي، وقالت إن الرفض هو “خيار شعبي وسياسي وعسكري، وصادر من جميع الأحزاب الموالية للشرعية، وليس من شخص الرئيس هادي فقط”.
وعلى الرغم من الثقة التي بدت فيها الحكومة في التمسك برفضها، رأى المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية (غير حكومي)، ماجد المذحجي، أن “الحكومة سترضخ يوما ما”.
وقال المذحجي، في حديث مع الأناضول إن “أي مسار حل سياسي، لن يغادر هذا المربع: حكومة شراكة، وانسحاب للمسلحين من المدن، ونقل صلاحيات الرئيس لنائب توافقي حتى اجراء انتخابات رئاسية جديدة، والحكومة إذا قامت بتأجيل جولة الحل الآن، ستأتي إليه لاحقا”.
وأضاف أنه “لا يوجد أي خيارات أخرى، ولابد من حسم عسكري في حال فشل الحل السياسي، وهذا غير ممكن”.
** مبادرات سابقة
وسبق أن طرحت الأمم المتحدة عددا من المبادرات لحل الأزمة اليمنية منذ انطلاق مشاورات الكويت:
– ففي 22 يونيو/حزيران الماضي، اقترح “ولد الشيخ” في جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي بمناسبة مرور 60 يوما على المشاورات، خارطة طريق، تضمنت “إجراء الترتيبات الأمنية التي ينص عليها قرار مجلس الأمن رقم 2216 (وقف العنف وانسحاب الحوثيين وحظر السلاح) وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على إعادة تأمين الخدمات الأساسية وإنعاش الاقتصاد اليمني”.
وقال المبعوث الأممي، آنذاك، إن حكومة الوحدة الوطنية ستتولى بموجب هذه الخارطة، مسؤولية الإعداد لحوار سياسي يحدد الخطوات الضرورية للتوصل إلى حل شامل ومنها قانون الانتخابات، وتحديد مهام المؤسسات التي ستدير المرحلة الانتقالية، وإنهاء مسودة الدستور.
وأبلغ المجتمع الدولي أن هناك” توافقا” حول الخارطة، لكن الوفد الحكومي، الذي يتمسك بانسحاب الحوثيين وحلفائهم من المدن أولا، سارع لنفي وجود أي توافقات أو نقاشات حول الخارطة، ورفضها.
– قبيل رفع مشاورات الكويت في 6 أغسطس/آب الماضي، أعلن “ولد الشيخ” عن “رؤية جديدة” للحل، اقتصرت على حلول للملف الأمني والعسكري، مع إسقاط الملف السياسي وترحيله إلى جولة مشاورات قادمة لم يتم تحديد زمانها ومكانها، وهو ما رفضه وفد الحوثي ـ صالح المشترك.
وكانت الرؤية الثانية تقضي بـ”انسحاب الميليشيات من العاصمة صنعاء ونطاقها الأمني وكذا الانسحاب من محافظتي تعز (جنوب غرب ) والحديدة (غرب)؛ تمهيدًا لحوار سياسي بشأن تشكيل الحكومة، يبدأ بعد 45 يومًا من التوقيع على هذا الاتفاق الأمني”.
وخلافا للخارطة الأولى، وافقت الرئاسة اليمنية على الخارطة الثانية، لكن وفد الحوثي ـ صالح أعلن رفضه التام للحل الجزئ، واشترط الحل الشامل؛ ما جعل المبعوث الأممي يعلن رفع المشاورات في السادس من أغسطس/أب الجاري، بعد انعقادها لأكثر من 90 يوما دون تحقيق أي نتائج.
– أواخر أغسطس/أب الماضي، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، عن خطة دولية تمت الموافقة عليها من وزراء خارجية دول الخليج العربي والولايات المتحدة وبريطانيا، لحل النزاع اليمني، وإعادة إطلاق مشاورات السلام التي تضاءلت فرصها بسبب تصاعد غير مسبوق للأعمال القتالية.
وذكر كيري حينها أن الخطة تتضمن “منهج شامل” سيتضمن في مرحلته الأولى تشكيل سريع لحكومة وحدة وطنية، وانسحاب “الحوثيين” من صنعاء والأماكن الأخرى، وتحويل الأسلحة الثقيلة من أيديهم إلى طرف ثالث (لم يفصح عنه)، على أن تحترم حكومة الوحدة الوطنية الحدود وعدم تهديد دول الجوار.
والتزم طرفا النزاع اليمني الصمت حيال ما بات يعرف بـ”خطة كيري” ثم أبديا موافقة أولية عليها، لكن اللجنة الرباعية أدخلت تعديلات جديدة عليها، ظهرت في الخارطة الأخيرة التي بدأ ولد الشيخ بتسويقها منذ الأسبوع الماضي.
ويوما بعد آخر، يبدو اليمن بحاجة ماسة للسلام؛ فالحرب التي أسفرت عن مقتل 6 آلاف و700 شخص ونزوح 3 ملايين نسمة، وفقا لآخر احصائيات أممية، بدأت بتفجير كوارث صحية وتفشي وباء الكوليرا، كما تزايدت معدلات الجوع بشكل غير مسبوق، وخصوصا لدى الأطفال.