تخلى الحوثيين عن تحالفهم مع صالح، مؤشر هام على أن قراءتهم لترتيبات الحل السلمي تسير بخطى جادة هذه المرة.
إنتهت الحاجة إليه في جبهات القتال، وانتهت الحاجة إليه سياسيًا، وأصبح بامكانهم عرض مشروعهم الخاص على طاولة المفاوضات من دون أن يكدرهم أي صوت من داخل التحالف القديم.
هكذا تتبدل الأحوال .. علي صالح يشرب من نفس الكأس الذي جرعه لكل الذين شاركوه أو تحالفوا معه في مراحل ماضية، وهؤلاء بطبيعة الحال لم يخرجوا عن نفس الموروث الذي يحول التحالف في اليمن إلى مجرد مهنة شريرة يحترفها المخادعون لينهي بعد ذلك القوي الضعيف .. ويمضي ساخراً ومحلقاً في فضائه الخاص.
لم تخل حياة علي صالح من مثل هذا التحليق الساخر لمرات كثيرة، وربما بقي لديه شيء من الذاكرة تعيد إليه قدرًا من التوازن النفسي من منطلق أنه قد سبقهم إلى ذلك، وأنه لو كان قد تمكن من هؤلاء الحلفاء الجدد لما أخذ فيهم إلاً ولا ذمة.. عمومًا، لا يجب المبالغة كثيرًا فيما سيرتبه هذا الانشقاق من تبدلات في المشهد العسكري والسياسي على السواء .. لأن الانشقاقات تضرب أطنابها في باطن المشهد كله من أقصاه إلى أقصاه، حتى بدا الأمر وكأننا أمام مشهد أشبه بذلك الكائن الخرافي ذو الرؤوس العديدة التي تتحرك في كل إتجاه وتخبط في كل ناحية.
كل ما في الأمر هو أن الحوثيين ربما أدركوا أن الحرب قد استنفذ أوراها، ولم يعد أحد يحسب حساب استمرارها لتغيير المعادلة تغييرًا جذريًا على الأرض، فقرروا التخلص من عبء التحالف مع صالح الذي قد يكلفهم نصف المكسب فيما لو بقي إلى جانبهم. هم الان يريدون أن يتفاوضوا كطرف كامل لا كنصف طرف كما كان الامر من سابق.
هكذا تدار التحالفات في بلد مثل اليمن .. غير أن الحسابات الناشئة عنها لا تنتهي كلها دائمًا إلى خير.