نشر سبتمبر نت، تقرير بعنوان “عظماء خالدون.. الشهيد الفريق الركن عبدالرب الشدادي”، وسرد فيه حياة الابطال خلال مسيرتهم الصلبة والحديدة
عاش الشهيد الفريق الركن عبدالرب الشدادي بطلاً صلبا وفارسا مغواراً تهابه الجبال ولا يهابها، وتخافه المواقف الصعبة ولا يخافها، وكان سارية العلم الجمهوري التي لم تسقط ولم تنتكس رايتها حين سقطت كل الرايات، حتى أرتقى شهيدا وهو في ميادين العزة والشرف والكرامة.
الفريق الركن عبد الرب قاسم أحمد عبدربه الشدادي استقبلته الشجاعة ليكن لها أبا ومعلما في عام 1963م، في قرية الغول بمديرية العبدية في محافظة مأرب، حيث أناخ فارسنا البطل لتستقبله شوامخها الشماء مفاخرة به البقاع بأنها قد تشرفت بمروره على ظهرها وتربى في رياضها.
استشهد والده قاسم أحمد عبدربه الشدادي وعددٍ من إخوته، وهو في الخامسة من عمره في حرب بين الجمهورية والملكية إثر اجتياح قريته، وتم على إثرها تهجير أهل قرية الغول جميعاً ليتولى رعايته وتربيته أخوه الأكبر عبد ربه قاسم أحمد الشدادي، وأسهم خاله الشيخ سعيد الصوفي وأمه في رعايته بعد انتقال أمه إلى قرية خليلة، بينما كان يساعدهم في أعمال الزراعة والرعي ليعود وهو في سن التاسعة طالبا للعلم تحت كنف أخيه الذي أحبه فتلقى تعليمه الأولي في المعلامة (الكتاب) بقريته متتلمذا على يد عمه شقيق والده محمد أحمد عبدربه الشدادي حيث استطاع حينها تعلم القراءة والكتابة وختم القرآن الكريم.
ولأن الشهيد القائد عبدالرب الشدادي كان نشيطا نجيبا يحمل بين جوانحه همة تطاول السحب، فقد تولى إدارة شؤون أسرته عند ذهاب إخوانه للغربة، فكان قائماً على الزراعة مشرفا على سير أمور أسرته بهمة ورجولة، وما إن أحس بالمسؤولية حتى أخذ على عاتقه هم مساعدة إخوانه في تحسين دخل الأسرة، فكان يذهب كلما سنحت له الفرصة إلى منطقة حريب للعمل هناك، حيث كان لأخيه الشهيد سالم قاسم أحمد الشدادي رحمه الله دور كبير في توجيهه لطريق العلم والمعرفة، وكان قائدنا يعد نفسه ثمرة من ثمار أخيه سالم.
التحق البطل الشدادي بالسلك العسكري بتاريخ 1/1/1981م جندياً في معسكر خالد بن الوليد بمحافظة تعز، وتخرج عام 1982م من دورة في سلاح المدرعات، ثم أخذ دورة في سلاح المشاة عام 1983م، رقي على إثرها إلى صف ضابط في منتصف عام 1983م.
في عام 1983م تزوج عبدالرب الشدادي من أم أولاده وأنجبت له تسعة من الأبناء أربعة من الذكور وخمس من الإناث.
وعقب زواجه بعام واحد تم سجنه لمدة شهرين، ثم فصله من معسكر خالد عام 1984م على إثرِ حادثة مشهورة، تصدى خلالها للضباط الفاسدين الذين تعاونوا مع مهربي الخمور، ليسافر بعدها إلى السعودية للعمل.
عاد إلى السلك العسكري بالالتحاق بالفرقة الأولى مدرع بطلب من الفريق الركن على محسن صالح، بواسطة تعريف الدكتور عبد الولي الشميري الذي سمع عنه وعن بطولاته ورجولته وصدق ضميره وأمانته.
واصل الشدادي تعليمه الابتدائي في معسكر خالد بن الوليد ثم في الفرقة الأولى مدرع حتى أنهى تعليمه الابتدائي والإعدادي.
في 1990م التحق بمدرسة المشاة وأخذ دورة في تأهيل الضباط وتخرج بتقدير ممتاز برتبة ملازم ثاني وتم ضم الضباط الخريجين من مدرسة المشاة على الدفعة السابعة والعشرين من خريجي الكلية الحربية.
عين ركن تسليح الكتيبة الثالثة باللواء الأول مدرع حتى عام 1992م.
وفي مطلع 1993م رقي إلى رتبة نقيب وعين كاتباً مالياً للواء 310 مدرع من قوات الفرقة.
شارك في عام 1994م في الدفاع عن الوحدة وسجلت له العديد من المواقف البطولية التي برزت فيها شجاعته وسمو أخلاقه وحكمته.
عاد بعد الحرب لممارسة عمله كاتباً مالياً في اللواء 310 في محافظة عمران.
خلال الفترة من عام 1995م إلى 1997م اشترك في حروب ضد متمردين في قفلة عذر في محافظة عمران وأصيب فيها وكان له مواقف شجاعة مع الشهيد حميد القشيبي.
أكمل دراسته العلمية وحصل على شهادة الثانوية العامة في 1998م.
في 1/9/1998م التحق بمعهد الثلايا في عدن لدراسة دورة قيادة الوية وتخرج من المعهد في العام التالي بدرجة امتياز.
بعد التخرج من معهد الثلايا رقي إلى رتبة رائد وعاد إلى عمله في اللواء 310 مدرع بمدينة عمران، وواصل خلال هذه الفترة دراسته الجامعية في كلية التربية بجامعة صنعاء فرع عمران قسم تاريخ وحصل على درجة البكالوريوس في عام 2004م.
كان له العديد من الأنشطة الخدمية والإسهامات المميزة في خدمة المجتمع، حيث أسس جمعية النهضة السكنية في عام 1995م، وكانت نموذجا باهرا في خدمة العديد من أبناء القوات المسلحة وذوي الدخل المحدود وتأمين مدن سكنية لهم، كما أسس مع مجموعة من أبناء مديريته مؤسسة جسور الخير للتنمية في عام 2008م، والتي تمكن من خلالها من تنفيذ العديد من المشاريع التنموية في مجال التعليم والمساعدات الإنسانية في مديرية العبدية.
لم يكن رغم انشغاله بعمله العسكري وتحصيله العلمي بمنأى عن مجتمعه الذي أحبه، فكان مفتاحا للخير مغلاقا للشر مبادرا لحل كثير من القضايا والمشاكل العويصة والمعقدة باذلا في سبيل حلها كل ما بوسعه من وقت وجهد ومال، مشاركا ما استطاع كل من يعرف في أفراحهم ومواسيا لهم في اتراحهم.
التحق بكلية القيادة والأركان في عام 2004م وحصل على شهادة الماجستير علوم عسكرية في 12/10/2005م بدرجة جيد جداً، رقي بعدها إلى رتبة مقدم مع حمل هيئة الركن.
عين قائداً للكتيبة الثالثة من اللواء 310 مدرع فور تخرجه من كلية القيادة والأركان، وظل في هذا المنصب من عام 2005م إلى عام 2008م شارك خلالها في الحرب الثالثة مع كتيبته في صعدة حتى أصيب في عام 2007م، انتقل على إثرها للعلاج في جمهورية مصر العربية.
في عام 2008م تم تعيينه رئيس عمليات لواء المجد ليتم بعد ذلك ترقيته إلى رتبة عقيد وتعيينه أركان حرب اللواء 72 حرس جمهوري بمنطقة حرف سفيان بمحافظة عمران.
في نهاية العام 2010م التحق بكلية الحرب، فتم استدعائه من قيادة الحرس الجمهوري على إثر اندلاع الثورة الشبابية الشعبية السلمية 2011م حيث كلف بنقل كتيبتين من اللواء 72حرس جمهوري إلى العاصمة صنعاء.
قام مع كتيبته بحراسة ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء، أصيب فيها بعدة إصابات في مواجهتين مختلفتين.
تمكن خلال ثورة 2011م في ساحة التغيير بصنعاء من نيل محبة واحترام جميع المكونات الثورية ونفذ مهمته في حماية الساحة والمعتصمين وسجلت له مواقف بطولية أثناء الدفاع عن المتظاهرين في العديد من المواقع والأحداث أبرزها مواجهات جولة كنتاكي التي أصيب فيها.
حرص طيلة فترة عمله في ساحة التغيير على حقن الدماء وتجنب الصدامات بين قوى الثورة والقوى المعادية لها.
في 2012م رقي إلى رتبة عميد وعين قائداُ للواء 312مدرع بمديرية صرواح محافظة مأرب، وعند تسلمه منصبه عمل على رفع معنويات وكفاءة منتسبي اللواء وفرض هيبة الدولة في المديرية بأكملها.
بعد سقوط العاصمة صنعاء في أيدي القوى الظلامية الكهنوتية في 21سبتمبر كان له الدور الأكبر في الدفاع عن البوابة الشرقية للوطن ممثلة بمحافظة مأرب ابتداءً من تأسيس ما يعرف بالمطارح والتنسيق مع جميع الشرفاء والأبطال من أبناء ومشايخ وعقال ووجهاء محافظة مأرب وقيادة السلطة المحلية والمقاومة.
في 7/4/2015م صدر قرار جمهوري بتعيينه قائداً للمنطقة العسكرية الثالثة، وتمكن بحنكته وحكمته من إدارة دفة القيادة بكفاءة عالية، وبدأ منذ الوهلة الأولى العمل على تأسيس وبناء القوات المسلحة والأمن من جديد، وكان حريصاً دوما على ضرورة بناء جيش وطني بعيدا عن الولاءات الشخصية والحزبية والمذهبية والمناطقية، وكان تحقيق هذا الهدف أهم أولوياته.
قاد بنفسه العديد من المعارك البطولية في الدفاع عن محافظة مأرب، وشارك في الصفوف الأولى مع العديد من الرجال الأوفياء من جميع أبناء اليمن الذين استشهدوا وهم يدافعون عن الثورة والجمهورية، وكان من بينهم العديد من أقاربه ومرافقيه، حتى تم طرد المليشيا الظلامية من تخوم مدينة مأرب في 5 أكتوبر 2015م.
برزت شجاعته النادرة وأخلاقه الرفيعة وإدارته الحكيمة طوال فترة توليه قيادة المنطقة العسكرية الثالثة حيث استطاع توحيد جميع الفئات والمكونات القبلية والاجتماعية والسياسية واستنهاض الهمم وتوحيد الصفوف، وعرف بكرمه وزهده وسعة صدره وحنكته العسكرية، وسطر اسمه في أنصع صفحات التاريخ.
أصيب خلال مسيرة حياته البطولية بأكثر من 20 إصابة في محافظة صعدة وعمران وصنعاء ومأرب.
في يوم الجمعة 7 اكتوبر 2016م ترجل الفارس المغوار الشهيد القائد اللواء الركن عبدالرب قاسم أحمد عبدربه الشدادي عن جواده لتتحقق له أمنيته التي طالما تمناها وعمل من أجلها تاركا خلفه رصيداً مشرفاً ملهماً للأجيال في شتى مجالات الحياة، وليروي بدمه الطاهر تراب وطنه.