قبل عام من الآن وحين اقتربت قوات الجيش الوطني من تحرير مدينة الحديدة ومينائها تمهيدا لتحرير مينائي الصليف ورأس عيسى، وهو ما كان سيشكل ضربة قاصمة للمليشيا بقطع الشرايين التي تزودها بالبقاء، هرولت دول كبرى في المجتمع الدولي لمنع حدوث ذلك حرصا منها على بقاء المليشيا وإنقاذها من هلاك محتوم تحت ذرائع العمل الإنساني والاستجابة العاجلة للأزمة الإنسانية وبغطاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن، في مسرحية هزلية ولعبة مكشوفة مارسها المجتمع الدولي حينها مستخدما تلك الشعارات الزائفة التي اعتاد استخدامها في كثير من البلدان لتمرير أجندته وتنفيذ مخططاته ومطامعه وحماية أدواته وأذرعه.
وإذا كان ذلك هو ما دفع المجتمع الدولي لإيجاد الاتفاق وفرضه والضغط على توقيعه، فإنه وبالتأكيد لن يمثل حلا حقيقيا وشاملا لليمن مادام هدفه مقتصرا على إنقاذ المليشيا من نهاية محققة، وهو هدف قد تم تحقيقه بالنسبة لهم ولم يعد يعنيهم أكثر من ذلك، وخير دليل على ذلك مظاهر العبث الذي مارسته الأمم المتحدة ولا تزال تمارسه على الأرض منذ الاتفاق من إسناد وتمكين للمليشيا زاعمة أنها تقوم بدور المراقب، علاوة على تجنب مبعوثها إلى اليمن تحديد المتسبب في عرقلة الاتفاق من خلال احاطاته التي قدمها لجلسات مجلس الأمن المنعقدة بشأن اليمن، وهو ما أسهم أكثر في تشجيع المليشيا الحوثية على ممارسة الكثير من الخروقات العسكرية دون أن تجد من يدين ذلك أو يستنكر أو يبلغ أو يحدد موقفا في أقل الأحوال.
اتفاق ستوكهولم
في 13 ديسمبر 2018م التقى وفد من الحكومة اليمنية ووفد من المليشيا الحوثية المتمردة في العاصمة السويدية بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وبعد جلسات عديدة من المفاوضات تمخض الاتفاق عن وقف كامل لإطلاق النار وانسحاب عسكري من مدينة الحديدة، كما قضى الاتفاق بانسحاب المليشيا المتمردة من المدينة والميناء خلال 14 يوما، مع إزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها، ونص أيضا على انسحاب المليشيا المتمردة من مواني الحديدة والصليف ورأس عيسى إلى شمال طريق صنعاء كمرحلة أولى خلال أسبوعين، وتشكيل لجنة للإشراف على إعادة انتشار القوات اليمنية في الحديدة بإشراف الأمم المتحدة، وإيداع جميع إيرادات موانئ الصليف ورأس عيسى والحديدة في البنك المركزي اليمني من خلال فرعه الموجود في الحديدة للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية بمحافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن، بالإضافة إلى بنود أخرى متعلقة بتبادل الأسرى وغيرها من الإجراءات الممهدة لتنفيذ الاتفاق.
إخفاق كلي
للأسف الشديد لم يتحقق بنداً واحداً وفق ما هو مرسوم ومخطط، لا في الجوانب العسكرية ولا الإنسانية ولا المدنية، وذلك عائد إلى عدم جدية الأمم المتحدة ومبعوثها في تحويل الاتفاق إلى خطوات عملية مشهودة وملموسة بحسب الإجراءات التنفيذية المحددة سلفا، ويعود أيضا إلى أن المليشيا المتمردة أبدت موافقتها على بنود الاتفاق بهدف اللعب على عامل الوقت لإعادة ترتيب صفوفها فقط بعد انهيار عسكري شامل منيت به، وهو ما حدث بالفعل وفقا للمراقبين في ظل تأييد ضمني لخطواتها من قبل الأمم المتحدة تمثل في الصمت المريب حيال تصرفاتها العسكرية المناقضة للاتفاق والمجهضة لجوهره ومضامينه وموجهاته الأساسية.
فشل أم عبث
من غير الواقعي أن نصف دور الأمم المتحدة في ما يتعلق بتطبيق الاتفاق بالفاشل، كونها لم تبذل جهودا حقيقية في إعادة ترتيب الوضع العسكري وإلزام كل طرف بما يخصه من بنود وواجبات وإجراءات بل تركت الحبل على الغارب وتركت للمليشيا حرية التصعيد والالتفاف على بنود الاتفاق العسكرية ليصل بها الحال أحيانا إلى تأييد إجراءات التفاف المليشيا على البنود العسكرية في الاتفاق كما حدث في مسرحية الانسحاب من ميناء الحديدة التي قامت بها المليشيا المتمردة ليقوم المبعوث الأممي بمباركة هذا الانسحاب رغم علمه بأنها ممارسة خادعة من قبل المليشيا عملت من خلالها على تزييف عملية الانسحاب من خلال التعميم على أفرادها المتواجدين بالميناء بارتداء الزي العسكري الرسمي دون أي انسحاب حقيقي، ولمعرفة مجريات هذا العبث الأممي والإدراك الكامل بتفاصيله ووقائعه، يتوجب النظر مليا في الوقائع التالية:
في منتصف يناير من العام 2019م منعت المليشيا الحوثية المتمردة الجنرال الدنماركي كاميرت رئيس لجنة الانتشار التابعة لبعثة الأمم المتحدة في اليمن من المرور من مقر إقامته بمدينة الحديدة إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وأجبرته على الانتظار 5 ساعات قبل أن يتمكن من الوصول إليها لإجراء لقاءات مع ممثلي الحكومة، وحين عودته مجددا إلى مقر إقامته مع موكبه الذي كان يستقل سيارات مدرعة استهدفت الموكب بأسلحة رشاشة، وهي خطوة جريئة وناسفة للاتفاق وللقوانين والأعراف الدولية المنظمة لعملية التفاوض وسلامة وأمن المراقبين والمفاوضين لكن الأمم المتحدة ومبعوثها لم يحتسبوا هذا اختراقا أو ممارسة خطرة بحق القوانين الدولية وهيبة الأمم المتحدة، وتهديدا سافرا للشرعية الدولية، فتم تجاهل هذه الواقعة وكأن شيئا لم يكن لتكتفي الأمم المتحدة عبر موقعها الرسمي على التأكيد بسلامة وفدها.
في شهر 5 من العام الجاري أعلنت المليشيا بدء انسحابها من ثلاثة موانئ في محافظة الحديدة من خلال إجراءات هزلية وصفتها الحكومة الشرعية حينها بالمسرحية، لكن الأمم المتحدة كان لها رأيا مساندا للمليشيا من خلال بيان البعثة الصادر بشأن هذه الواقعة، والذي أكد على أن العملية جرت بحسب ما هو مخطط لها، وأن البعثة قامت بمراقبة الموانئ الثلاثة في وقت واحد، ولاحظت انسحاب فعلي لعناصر المليشيا واستبدالها بقوات خفر السواحل، وهو بيان مليء بالتزوير وقلب الحقائق وبعيد كل البعد عما جرى فعليا، لكنه أثبت تورط الأمم المتحدة في التغطية على خروقات المليشيا الحوثية المتمردة.
الكثير من الوقائع المرصودة منذ اتفاق السويد وحتى اللحظة أبرزت تواطؤ أممي مع المليشيا أثبت عدم جديتها في تنفيذ الاتفاق، بل وأسهمت في تقويضه والانقلاب عليه بشكل قصدي متعمد.
نقاط المراقبة
تعلن بعثة الأمم المتحدة من وقت لآخر أنها تمكنت من تثبيت نقطة للمراقبة في مدينة الحديدة، والهدف من هذه الإعلانات يتمثل في تسجيل إنجاز وهمي فقط وإلا فما فائدة نقاط للمراقبة لا تحدد الطرف المتسبب بخرق الاتفاق وترفع مقترحاتها وتوصياتها لاتخاذ التدابير المناسبة حيال الخروقات ومرتكبيها، وإذا كانت هذه النقاط لم تستطع تهيئة مكان آمن لاجتماعات الوفدين ما اضطرهم إلى عقد اجتماعاتهم في سفينة راسية عرض البحر، فما القيمة إذا لنشر وتثبيت هذه النقاط.
خروقات عسكرية
لم تتوقف مليشيا الحوثي من ممارسة الخروقات العسكرية منذ الاتفاق وحتى اليوم، ففي صبيحة يوم الاتفاق 14 ديسمبر أطلقت المليشيا الانقلابية صواريخ وأسلحة رشاشة من مكان تمركزهم في منطقة السابع من يوليو شرق مدينة الحديدة على مواقع الجيش الوطني، كما استمرت الأعمال العسكرية وإطلاق الصواريخ والمقذوفات والهجمات والقصف الكثيف والتسللات على مواقع الجيش في مدينة الحديدة وعلى امتداد الساحل الغربي بشكل كثيف من حينها إلى يومنا هذا ليصل الأمر إلى استهداف مقر الفريق الحكومي في لجنة إعادة الانتشار بالحديدة بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة، وهو مؤشر واضح ورسالة لا لبس فيها على رفض المليشيا للسلام، وأبرز الخروقات العسكرية لاتفاق السويد تمثلت في:
استمرار استهداف مواقع الجيش ومقراته شرق مدينة الحديدة وفي مديريات التحيتا وحيس والجراحي والمخا من خلال القصف العشوائي والصواريخ البالستية ومحاولات الالتفاف المتكررة وحفر الخنادق وزرع الألغام وتسيير التعزيزات.
استحداث 19 خندقا وسط مدينة الحديدة على بعد أمتار من نقاط المراقبة المشتركة.
في أواخر أكتوبر الماضي ضبطت قوات خفر السواحل اليمنية زورقا تابعا للحوثيين على متنه الكثير من المواد المتفجرة كانوا ينوون استخدامها لتفجير مواقع الجيش الوطني، وفي منتصف سبتمبر أيضا اعترض التحالف قاربا مفخخا كانت المليشيا تهدف إلى استخدامه في عمل إرهابي جنوب البحر الأحمر، ويضاف إلى هذا قيامهم بزراعة المئات من الألغام البحرية.
وهنالك الكثير من الخروقات العسكرية التي لا يمكن حصرها في هذه التناولة البسيطة، وما تم إيراده يعد قليلا من آلاف الخروقات لوقف إطلاق النار، والتي بلغت بحسب المراقبين إلى ثلاثة عشر ألف خرق كحد أدنى.