الإجابة المختصرة عن مثل هذا السؤال هي نعم، قد يكون ذلك ممكنا بشكل ما، فالجماعات الجهادية مثل الدولة الإسلامية والقاعدة، تنتعش حين تسود الفوضى والاضطرابات. هذا التوغل التركي داخل الأراضي السورية يهدد بعودة هذه الأجواء إلى منطقة يسودها التوتر بالفعل.
لكن النتيجة ستعتمد جزئيا على عمق ومدة وكثافة العملية التركية داخل سوريا.
لقد فقد جهاديو تنظيم الدولة الإسلامية الجزء الأخير المتبقي من الأرض التي أعلنوها مقرا لخلافتهم، بعد معركة باغوز في سوريا، في مارس/ آذار 2019.
لكن آلاف من مقاتلي التنظيم لا يزالون على قيد الحياة، وليسوا جميعا في السجون، وقد أقسموا على مواصلة القتال من خلال ما وصفوه بـ “حرب استنزاف”، آملين بذلك أن يدحروا أعداءهم من خلال سلسلة من الهجمات التي يخطط لها في الخفاء، مثل التفجيرات التي وقعت في الرقة قبل أيام.
تخضع مناطق شمال شرقي سوريا حيث كان يوجد معقل تنظيم الدولة الإسلامية، لمراقبة متواصلة تهدف إلى رصد أي عودة لمقاتلي التنظيم في هذه المناطق، وتقوم بهذه المهمة أعداد كبيرة من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، ومعظمهم من الأكراد المدعومين من قبل القوات الخاصة الأمريكية، بالإضافة إلى الدعم القتالي الذي كان متوفرا لهم طوال الوقت.
لم يكن للأكراد وجود عسكري على الأرض في تلك المناطق وعلى حدود تركيا فحسب، بل قاموا أيضا بمهمة لم يرغب أحد آخر في القيام بها، وهي حراسة آلاف من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وذويهم في سجون مكتظة بأعداد كبيرة منهم وفي المخيمات التي يسيطرون عليها.
ولكن مع دخول الجيش التركي القوي إلى المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، تغيرت الأولويات الكردية وأصبح الدفاع عن النفس أهم من حماية سجناء لم توجه إليهم تهم أو يحاكموا بعد، كما أن الدول التي قدم منها هؤلاء السجناء لا ترغب في عودتهم إليها.
مخاطر الهروب من السجن
هناك خطران أساسيان هنا. أولهما وأهمهما في الوقت الحالي هو الفرار من السجن، فهناك ما يقدر بنحو 12,000 من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في سجون قوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى 70,000 من ذويهم في مخيمات تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية أيضا، مثل مخيم الهول.
ويضم تنظيم الدولة الإسلامية محاربين متمرسين متشددين، من المحتمل أن يكونوا قد نفذوا أو شاهدوا بأنفسهم عمليات قطع رؤوس، وصلب، وبتر أعضاء لبعض الأشخاص، بالإضافة إلى من لديهم الخبرة في التخطيط لهجمات عسكرية.
هناك مخاوف متزايدة داخل أجهزة الاستخبارات الغربية بأنه في حال نجح مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في الفرار من سجون قوات سوريا الديمقراطية، فإن بعض المتشددين منهم سيعودون إلى أوروبا بطريقة ما، ويخططون لهجمات أخرى مثلما حدث في لندن وباريس وبرشلونة وأماكن أخرى.
وهنا لا ينبغي للغرب أن يلقي اللوم إلا على نفسه، فبين عامي 2014 و2019، شن تحالف بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركة نحو 70 دولة، حملة عسكرية ناجحة ضد تنظيم الدولة الإسلامية وأنزل به الهزيمة، وتمكن في النهاية من تدمير خلافة التنظيم الذي كان يبث الرعب في منطقة بحجم بلجيكا.
لكن التحالف الغربي فشل في التخطيط لتبعات هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية بشكل كاف، فليس هناك آلية مقبولة دوليا، لتوجيه التهم ومحاكمة المتبقين من أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية الذين اعتقلوا في المعارك، وبدلا من وجود تلك الآلية، وُضع هؤلاءفي سجون مكتظة، وفي ظروف أدانتها منظمات حقوق الإنسان، مع غياب أي احتمالية لمحاكمتهم.
وتزدحم مخيمات النساء بمجموعات من مؤيدي تنظيم الدولة الإسلامية وأعضاء سابقين في جماعة “الحسبة” الذين يفرضون المعايير الأخلاقية وينفذون عقوبات متشددة داخل تلك المخيمات، من بينها الجلد، وحرق خيم من له رأي مخالف.
معظم هذه المخميات توجد جنوب الشريط الحدودي الذي تنوي تركيا احتلاله، لكن هناك تصريحات بأن الأكراد سوف يتوجب عليهم تحريك بعض ممن كانوا يحرسون هذه المخيمات إلى الشمال، لمنع القوات التركية من التقدم.
هناك اثنان من أكثر المطلوبين بين أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية، وهما الشافعي الشيخ، والكساندر كوتاي، ويعرفان بلقب (بيتلز)، وقد جاءا من العاصمة البريطانية لندن، وكانت تحرسهما قوات سوريا الديمقراطية منذ القبض عليهما بالقرب من الحدود، لكن في وقت متأخر من يوم الأربعاء، أُعلن أنهما انتقلا إلى الحراسة العسكرية الأمريكية انتظارا لمحاكمتهما في أمريكا، وهذا دليل على مدى قلق الغرب من خطر هروب السجناء.
خطرعودة “تنظيم الدولة“
لقد نفذ المقاتلون الأكراد من قوات سوريا الديمقراطية جزءا كبيرا من الحرب الشرسة لدحر تنظيم الدولة. وكان أيضا للضربات الجوية الأمريكية والقوات الخاصة التابعة للدول الغربية، وحتى الميلشيات الإسلامية الشيعية المدعومة من إيران، دور في تفكيك الخلافة التي استمرت خمس سنوات، وامتدت إلى شمالي سوريا والعراق.
لكن إذا انشغل الأكراد تماما بقتال الجيش التركي والتهرب من القصف الجوي، فلن يصبحوا قوة مؤثرة ضد تنظيم الدولة، كما أن الغرب غير راغب في القيام بالمهمة نفسها.
كل هذا يناسب تنظيم الدولة الإسلامية بشكل جيد، فقيادته الهاربة تعلن من آن إلى آخر عن عودة التنظيم إلى القتال، وفي العراق، وقبل الهجوم التركي بكثير، كانت هناك دلائل بالفعل على إمكانية إعادة تجمع التنظيم، وشن هجمات على نطاق صغير على مراكز للحكومة العراقية.
مع هذا فإن التوقعات المخيفة قد لا تتحقق، فالرسائل المختلطة والمربكة التي تصدر من واشنطن قد تكون كافية لردع تركيا عن التوغل أكثر داخل سوريا.
قد يكون الهجوم التركي داخل سوريا محدودا وعندما تهدأ الأمور، قد يفرض نظام جديد نفسه في نهاية المطاف، في هذا الركن في منطقة الشرق الأوسط.
والنتيجة النهائية رغم ذلك هي أنه من المحتمل أن يكون وضع هذه المنطقة في المستقبل غير مستقر بشكل متزايد، حتى تتوقف القوى المتناحرة عن التنافس، تاركة للشعوب الفرصة للحصول على شئ هي في أمس الحاجة إليه، وهو الحكم الرشيد.
إن الجماعات الجهادية تترعرع وتزدهر في المناطق التي يسودها الحكم السيء، أو في غياب الحكم من الأساس، سواء كان هذا في مناطق نائية من الصومال واليمن وغرب أفريقيا، أو داخل المناطق القبلية في العراق وسوريا.
ليس هناك ثمة دليل على أن هذا الوضع على وشك التحسن.