مثل الـ26 من سبتمبر 1962، تحولاً مهماً في تاريخ اليمن الحديث، حيث أطاح بالنظام الكهنوتي الذي عمل على تكريس التخلف وتجهيل الشعب وتقسيمه إلى طبقات، ومارس بحقه الظلم وعزله عن محيطه العربي والعالم، وحرمه لعقود طويلة من مواكبة التقدم في مختلف المجالات.
وتحل الذكرى الـ57 للثورة المجيدة في ظل مخاض صعب وظروف عصيبة تواجه اليمن، فرضتها متغيرات السنوات الخمس الأخيرة بما مثلتها من انتكاسة للجمهورية وقيم وأهداف الثورة السبتمبرية بعد عودة مخلفات الإمامة واجتياح صنعاء في 21 سبتمبر 2014م وإدخال البلد في حرب لا تزال مشتعلة حتى اللحظة، تسببت بتدمير المؤسسات وانهيار العملة المحلية، وبات خلالها ملايين اليمنيين على وشك الموت جوعاً وفاقة.
ونعيد في “صحيفة 26 سبتمبر”، قراءة مشهد الانقلاب على ثورة 26 سبتمبر، ونقف على الأسباب والتداعيات التي قادت لعودة الإماميين بنسختهم الحوثية لإسقاط العاصمة صنعاء، وتدمير مكتسبات أكثر من خمسين عاماً من الجمهورية والقيم الوطنية، محاولةً إعادة تكريس فكرة الولاية السلالية الكهنوتية.
خلافات اليمنيين
يرى الصحفي همدان العليي، إن الإمامة تستمد قوتها من ثلاثة عناصر أساسية، وهي خلافات المكونات اليمنية (السياسية والقبلية والمناطقية)، والفقر، والجهل المنتشر بين الناس.
ويقول العليي في تصريح خاص لـ”26 سبتمبر”: عادت الإمامة بقبحها الذي سمعنا عنه من آبائنا وقرأنا عنه في كتب وتدوينات أحرار ثورة 26 سبتمبر. عاد معها الفقر والجهل والخوف والأوبئة وهو واقع مثبت بالأرقام والإحصائيات والشهادات الدولية.
مشيراً إلى أن خطورة الإمامة تكمن في إنها تسببت في تمزيق النسيج المجتمعي، ونسفت قيم التعايش الذي ساد واستمر بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 حتى ظهرت مليشيا الحوثي الإمامية في محافظة صعدة 2004م.
لافتاً الى أن القائمين على حكم اليمن فشلوا في القضاء على الجهل والفقر خلال العقود الماضية، وهو ما أسهم في توفير فرص للسلالة الإمامية كي تعود من جديد بدعم من إيران كدولة محورية تدعم الجماعات المسلحة في أكثر من دولة.
وحمل الصحفي همدان العليي الأحزاب السياسية جزءاً من المسؤولية عن عودة الإمامة، التي قال: إنها كانت وما تزال أحد أسباب تمكين الإمامة من حكم اليمن مجددا، بسبب خلافاتها المستمرة وتجاهلها للخطر الإمامي الذي كان واضحا منذ اليوم الأول الذي رفع فيه السلاح في وجه الدولة بصعدة.
ودعا العليي إلى وحدة الصف الجمهوري ضد الإمامة وإنها، الخلافات بين الأحزاب اليمنية، موضحاً إن تلك الخلافات بمثابة طوق النجاة أو اكسير الحياة الذي يسهم بشكل كبير في إطالة عمر الإمامة العنصرية.
وتابع : المعركة التي نخوضها اليوم ضد الإمامة، ليست سياسية، فالحوثيون ليسوا حزبا سياسيا سيطر على الحكم بقوة السلاح، وليسوا مجموعة من الضباط في الجيش انقلبوا على النظام، وإنما عصابة تمارس الجرائم والانتهاكات بدوافع دينية متطرفة ونوازع عرقية عنصرية لتنتج خليطا مختلفا من الإرهاب الذي يسعى للسيطرة على كل شيء باسم الدين والعرق.
وأكد إن المعركة التي نخوضها اليوم ضد الإمامة، ليست ترفا، ولا من أجل سلطة، بل هي معركة وجودية تهم كل يمني يسعى لحماية المستقبل اليمني، هي معركة من أجل الكرامة لا غيرها.
البُعد السلالي والطائفي
من جانبه، يقول الصحفي مصطفي الجبزي في تصريح خاص لـ”26 سبتمبر”: إن محاولة مليشيا الحوثي المدعومة من ايران إعادة الإمامة مستفيدة من تجربة الثورة الايرانية، ومعتمدة على البعد الطائفي المذهبي والسلالي.
وأوضح أن الأسباب بالإضافة إلى ذلك تعود لطبيعة المشروع الجمهوري بعد الثورة والذي كان غير مكتمل، أو من تولى الجمهورية لم ينفذ أهدافها كاملة، وتم تحويل الجمهورية لاحقاً الى شكل من الحكم الوراثي وهو ما أثار أطماعاً قديمة جديدة للإماميين.
ما قبل النكبة
مهدت مليشيا الحوثي لاجتياح صنعاء بحصارها لمدينة عمران (شمالي صنعاء)، لمدة شهرين، وتلقت حينها دعماً من القوات العسكرية الموالية للرئيس السابق علي صالح، وخاضت معارك شرسة ضد قوات اللواء 310 مدرع بقيادة اللواء حميد القشيبي، الذي وضع حداً لتقدمها نحو المدينة، إلا أن لجنة وساطة من الدولة تدخلت حينها، وبعملية غادرة استشهد القشيبي وسقطت عمران في 8 يوليو 2014م.
وخلال أحداث مدينة عمران، وبعدها الأحداث التي جرت على مداخل العاصمة صنعاء، كانت صحف ووسائل إعلام مختلفة، تعتبر ما يجري حربًا بين مليشيا الحوثي وحزب الإصلاح، بينما كان الإعلام الرسمي يتجاهل تناول الأحداث وفق سياسة عامة.
وجاء ذلك بالرغم من تحذيرات أطلقها اللواء القشيبي قبل استشهاده من تبعات دخول مليشيا الحوثي إلى مدينة عمران، وأن هدفها ليس عمران بل الوصول إلى صنعاء، وما بعدها، وهو ما تم لاحقاً.
نقض الاتفاقيات
وما بين أحداث عمران، واجتياح العاصمة صنعاء، نقضت مليشيات الحوثي 23 اتفاقاً وقعتها مع القوات الحكومية في كل منطقة تتلقى فيها هزيمة على يد قوات الجيش والقبائل المساندة لها، سواءً في محافظة عمران أو في مديرية أرحب التابعة لمحافظة صنعاء، أو في مديرية همدان المدخل الشمالي للعاصمة صنعاء، وصولاً إلى منطقة بني الحارث فصنعاء.
وتأكد لأبناء الشعب اليمني والعالم أجمع أن الاتفاقيات والهدن التي تطلبها مليشيا الحوثي وتوقعها مع القوات الحكومية أصبحت عديمة الفائدة، فالمليشيا الحوثية كانت تختلق ذرائع لا حصر لها في سبيل نقض الاتفاقيات والمضي في معركتها نحو السيطرة على العاصمة صنعاء، وهذا الاندفاع الجنوني والصمت الدولي والاقليمي كانا يثيران تساؤلات كثيرة.
تفجير المساجد والمنازل
وفي خضم التحرك العنيف للمليشيا الحوثية في الطريق نحو العاصمة صنعاء أقدمت على تفجير 750 مسجداً وداراً لتحفيظ القرآن الكريم، ونسفت مئات المنازل لكل الشخصيات السياسية والقبلية المعارضة للمليشيا والذين صنفتهم الجماعة خصوماً لها، دون أن تصدر أي إدانة من الجهات المعنية المحلية والإقليمية والدولية.
كما أقدمت المليشيا خلال مدة زحفها صوب صنعاء على تحويل عشرات المدارس إلى ثكنات عسكرية لحشد عناصرها وتسليحهم، يرافقه تجريف فكري وثقافي للهوية الوطنية، من خلال الأنشطة الثقافية التعبوية الطائفية والدخيلة على المجتمع اليمني.
تطويق العاصمة
نجحت مليشيا الحوثي بإسناد حليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح (رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام) ، في إسقاط مدينة عمران، وإخضاع القبائل التي تقع على الطريق المؤدي إلى العاصمة صنعاء، لتقوم بإنشاء مخيمات على مداخل العاصمة صنعاء، لحشد مقاتليها قبل اجتياح العاصمة صنعاء وإخضاعها لسيطرتها عسكرياً.
وبعد وصول مسلحي مليشيا الحوثي وحلفائها إلى تخوم صنعاء دشنت المرحلة الأخيرة من مشروعها إسقاط الحكومة الشرعية، حيث قامت بتدشين مخيمات واعتصامات مسلحة على جميع مداخل العاصمة صنعاء، وقامت بوضع التجهيزات واللمسات الأخيرة لاجتياح العاصمة.
الجرعة
ورفعت المليشيا طيلة مدة الحصار التي فرضتها على العاصمة صنعاء شعارات رنانة تتعلق بمعيشة الناس وتلامس احتياجاتهم، ونجحت بمساعدة حلفائها من ضخ دعاية كبيرة عبر وسائل الاعلام المختلفة لتأليب الحشود لصفوفها، ورفعت مطالب ثلاثة من إسقاط الجرعة والحكومة التوافقية وتنفيذ مخرجات الحوار، وهي المطالب التي انقلبت عليها لاحقاً.
وكانت “الجرعة” التي تبناها الخطاب التعبوي لمليشيا الحوثي وحلفاءها، حينذاك، تتمثل في زيادة 500 ريال يمني على أسعار الوقود، حيث كان سعر البنزين 20 لتراً بـ3500 ريال وهو سعر الكمية نفسها من الديزل، ومقارنة الوضع الحالي بعد 4 سنوات من الانقلاب فإن البنزين يباع 20 لتراً بـ 20000 ريال، أي بزيادة 700% عن ما كان عليه قبل 2014م.
وفي أغسطس 2014م، قرر الرئيس هادي إقالة الحكومة والتراجع عن قرارات رفع أسعار الوقود سداً لذرائع المليشيا الحوثية، بعد أسبوعين من نصب مخيمات وتدشين تصعيد مسلح على مداخل العاصمة صنعاء.
وبالرغم من تجاوب الرئيس هادي مع المطالب التي رفعتها المليشيا الحوثية، إلا أن الجماعة أثبتت أنها لا تكترث للأسعار ولا لإلغاء الجرعة وإقالة الحكومة وتطبيق مخرجات الحوار، فلديها أهدافها الخاصة وهي إسقاط صنعاء الذي بات وشيكاً بمساعدة الرئيس السابق علي صالح.
سقوط العاصمة
وعشية 21 سبتمبر، نجح الحوثيون وحلفاؤهم في إسقاط العاصمة صنعاء، بعد ثلاثة أيام من المعارك مع وحدات عسكرية تابعة للمنطقة العسكرية السادسة (الفرقة سابقاً)، والذي تعرضت لقصف من معسكرات الحرس الجمهوري، وخذلان من قيادة وزارة الدفاع حينها.
وتمكنت مليشيا الحوثي بمساعدة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، من القضاء على الوحدات العسكرية التي اعترضت طريقها على أبواب صنعاء، وسيطرت الجماعة على جميع مؤسسات الدولة بما فيها التلفزيون الرسمي ومقرات عسكرية وأمنية والرئاسة اليمنية، ونهب جميع المؤسسات الحكومية، وقامت بنقل الأسلحة والأموال إلى محافظة صعدة معقل الحوثيين.
وفي هذا السياق، أكد مراقبون أن يوم 21 سبتمبر 2014م، ما كان إلا عبارة عن تحصيل حاصل لسلسلة الأحداث التي سبقته من أحداث تورطت فيها قيادات في الجيش اليمني ومسؤولين حكوميين رافقت تسلم معسكرات ومؤسسات الدولة للمليشيا الحوثي ابتداءً من عمران وصولاً إلى عدن، إضافة إلى دعم من قيادات حزبية ومجتمعية ومباركة خارجية.