يحل، اليوم السبت، الذكرى الـ54 لإنطلاق الشرارة الأولى لثورة 14 أكتوبر 1963 ضد الاستعمار البريطاني، في رحلة كفاح طويلة توقفت بجلاء آخر جندي بريطاني عن البلاد في 29 نوفمبر عام 1967، وإعلان “جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية”.
وعلى الرغم من زوال الدولة الجنوبية، عام 1990 عقب توحدها مع الجمهورية العربية اليمنية، في دولة واحدة هي “الجمهورية اليمنية”، إلا أن أحلام العودة لها لا تزال تراود الجماعات المطالبة بالانفصال، كما أن أعلامها هي من باتت ترفرف بشكل أكبر فوق مدن الجنوب في الوقت الحاضر.
وبسبب اتهامات بالإقصاء والتهميش من قبل نظام المخلوع علي عبد الله صالح، وما أعقبها من حرب أهلية عام 1994 بين شمال اليمن وجنوبه، بعد محاولة فاشلة للانفصال، شكّلت قيادات جنوبية ما بات يُعرف بـ”الحراك الجنوبي”.
نادى الحراك بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، لكن الخليط الذي يتكون منه، جعله يُنهي 10 سنوات من تأسيسه دون امتلاك أي تصور لمشروع دولة.
وأسهمت الحرب الحالية باليمن، في تغيير خارطة القوى داخل مدن الجنوب.
وبرزت أصوات سياسية جديدة، كما أن انخراط الناس في المقاومة الشعبية المناهضة لجماعة الحوثي وصالح الانقلابية، عند اجتياحهم عدن لعدة أشهر، جعلهم يمتلكون السلاح الثقيل بعد تحريرها.
ومع تزايد حدة الانقسامات والاستقطابات، خفت الصوت الوحدوي المتمسك بالوحدة مع الشمال ولو بصيغة مطورة عبارة عن أقاليم.
وبدت الحكومة الشرعية التي أعلنت “عدن” عاصمة مؤقتة للبلاد، هي الحلقة الأضعف، وسط جماعات وتيارات مسلحة وفصائل ترى أحقيتها في تسلم دفة قيادة الجنوب.
وينقسم الحراك الجنوبي إلى عدة فصائل بعد استقطاب الرئيس، عبدربه منصور هادي لعدد من قياداته ضمن الحكومة الشرعية.
ولجأ نائب رئيس الجمهورية الأسبق، علي سالم البيض، الذي أعلن الانفصال 1994، إلى تأييد الحراك الذي يقوده محافظ عدن المقال، عيدروس الزبيدي، الذي أسس ما يسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، كحكومة ظل.
وطيلة الأيام الماضية، حشد المجلس الانتقالي الذي تم تأسيسه في مايو المنصرم، أنصاره من مدن الجنوب لإحياء ثورة أكتوبر، اليوم، مع ارتفاع النبرة المطالبة بالانفصال وقمع الأصوات الوحدودية التي كانت تنوي الاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام الوحدوية.
وقبيل أيام من الاحتفال، شنت السلطات الأمنية الموالية للحراك والتي تتهم بأنها “أذرع لدولة الإمارات” بشكل مطلق، حملة اعتقالات طالت 8 من قيادات وكوادر حزب الإصلاح الإخواني بمدينة عدن.
ويتهم ناشطون يمنيون، الإمارات، “التي تجاهر بالعداء لجماعة الاخوان المسلمين”، ويعد الإصلاح امتدادًا لها في اليمن، أنها “المحرك الرئيسي لحملة اجتثات وقمع قيادات الحزب”.
وأعتبر الكاتب الصحفي، جمال حسن، في حديث للأناضول، اعتقال قيادات الإصلاح “انتهاكًا سياسيًا معلنًا” و”جزءًا من أجندة غير مشروعة تتغلغل في الواقع تحت ذريعة حرب، وإعادة الرئيس الشرعي “.
ولا يخفي الحراك الانفصالي، الرغبة في القتال من أجل استعادة الجنوب، ولا يتوانى عن وصف كافة الخصوم بـ”المستعمرين”.
وفجر أمس الجمعة، أعلن نائب رئيس ما يسمى بـ”المجلس الانتقالي”، هاني بن بريك، على موقع تويتر، أنه “لا خيار لنا غير عودة دولة الجنوب مستقلة”.
كما أعلن “بن بريك” القيادي السلفي، استعداده لدفع الأرواح ثمنا لذلك، لأن البديل، حسب تعبيره، هو “الإرهاب الحزبي الطائفي القادم من الشمال”، في إشارة إلى حزب الإصلاح.
وأضاف وبن بريك، أن الشر الأكبر الذي يواجه الجنوبيين الآن ليس من المتنفذين في الشمال، بقدر ماهو من قلة جنوبية تستغل المال والسلطة لتنتقم لنفسها من ضياع حلم الحكم، في إشارة للقيادات الجنوبية التي تعمل تحت لواء الحكومة الشرعية وعلى رأسهم، أحمد عبيد بن دغر.
وبعد أشهر من التواري عن المشهد، قدم رئيس الحكومة السابق، خالد بحاح، نفسه بقوة خلال الفترة الماضية، باعتباره اللاعب السياسي الأبرز في الساحة الجنوبية.
كما شن هجومًا على الحكومة الشرعية، لكنه عاد، الخميس، للحديث عن ضرورة التمسك بالوحدة، في تصريحات مريبة، أثارت غضب الأصوات المتطرفة المنادية بالانفصال.
وتكرس تصريحات بحاح التي نشرها على صفحته الرسمية في فيسبوك، مستوى الانقسام الكبير الذي يشهد جنوب اليمن، ما يجعل “الفوضى” سيدة الموقف هناك لأجل غير مسمى.
من جهته يرى “نبيل الشرجبي”، وهو استاذ علم إدارة الأزمات الدولية في جامعة الحديدة اليمنية، أن الانقسام الحاصل في الجنوب ” آمر طبيعي لأن الحال هناك ما زال يبحث عن نفسه”.
وتابع الشرجبي، للأناضول “هناك جماعات تعتقد أنها أحق بقيادة الجنوب وجماعات أخرى تعتقد أن لها موروثًا تاريخيًا بحكمه، وكلاهما يحاول أن يقدم نفسه باعتباره الأقدر على تحقيق مطالب الجنوبيين، لكن ذلك يصب في خدمة الحكومة الشرعية فقط، حتى وإن كان متأخرا”.
وأضاف الباحث اليمني “يقدم بحاح نفسه كشخصية تدافع عن حقوق الجنوبيين، خاصة وأن سجلة أنظف قليلا من باقي رؤساء المكونات الجنوبية الداعية للانفصال”.
ويعتقد الباحث الشرجبي، أن “كل الانقسامات في الجنوب، لن تؤدي إلى حرب أو انفصال، بل إلى فوضى، وعدم القدرة على تحقيق أي شيء”.
ووفقًا لمراقبين، فإن الهجوم المسلح الذي تعرض له، الخميس الماضي، موكب رئيس الحكومة، أحمد بن دغر، في محافظة لحج، جنوبي البلاد، يكشف حالة الشتات التي تعيشها الجماعات المطالبة بالانفصال.
وعلى الرغم من البيئة المضطربة، حاول رئيس الحكومة الشرعية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، التحرك في مدن الجنوب وتطبيع الحياة، وسحب البساط من تحت أقدام مكونات الحراك الانفصالي التي أعلنت أنها الممثل الوحيد للجنوب، وهو ما جعلهم يبعثون له برسالة لا تهدف إلى اغتياله، حسب مراقبين، بل “فرمتله” وفي أحسن الأحوال، إجباره على ترك عدن والعودة إلى الرياض حيث يقيم الرئيس هادي.
وتزيد من صعوبة اليمن، الحرب الدائرة في البلاد، منذ خريف 2014، بين القوات الحكومية والمقاومة الشعبية مدعومة بتحالف عربي، من جهة أخرى، وتحالف الحوثي وقوات المخلوع علي عبد الله صالح، الذي يسيطر بقوة السلاح على عدد من المحافظات، من جهة أخرى، مخلفة أوضاعًا إنسانية صعبة، فضلًا عن تدهور حاد في اقتصاد البلد الفقير.