لا يزال الصمت مخيمًا على الموقف العالمي تجاه الأزمة الإنسانية في إقليم “أراكان” غربي ميانمار، إذ تشير بعض التقارير إلى وصول أعداد “الروهينغا” الفارين من بلادهم إلى 400 ألف مواطن بعد المجازر التي يرتكبها الجيش البوذي تجاه الأقلية المسلمة في بورما.
ووفقًا لصحيفة “تايمز أوف إينديا” الهندية، تقف نساء “الروهينغا” المسلمات في موقف لا يحسدن عليه، إذ يتعرضن لعمليات اغتصاب ممنهجة على يد جنود الجيش البورمي الذين يحرقون المنازل ويقتلون الرجال والأطفال المنتمين لقبيلة الروهينغا”.
في قلب الجحيم
أمضت السيدة البورمية بيجوم بهر، 3 أيام كاملة تسير على قدميها بين الغابات وهي تحمل طفلها الرضيع البالغ من العمر 8 أشهر على ظهرها من خلال قطعة قماش فيما قطعة قماش أخرى تغطى بها رأسها في مشهد يعكس مدى التمسك بتعاليم الدين الإسلامي حتي في أحلك الظروف.
واضطرت بيجوم لتناول نباتات الغابات والديدان الموجودة بالأرض وشرب المياه النتنة التي تسير من خلالها لكي لا تسقط جثة هامدة نتيجة لعدم امتلاكها أي نوع من أنواع الطعام خلال رحلة الفرار إلى بنغلاديش.
وعند وصول بيجوم للقوارب التي تحمل مسلمي “الروهينغا” إلى شواطئ بنغلاديش سقطت على الأرض من شدة البكاء والسعادة بعد نجاحها في التوصل إلى بارقة أمل لإنقاذ طفلها الرضيع من المجازر القائمة في بورما.
ولكن هذا المشهد لم يستمر طويلا، إذ لم تستطع التحكم في الألم المتزايد الذي أصاب قدميها التي تنزف الدماء بعد صعودها إلى القارب.
وأثناء عبورها نهر “ناف”، الذي يربط بين بنغلاديش وإقليم “أراكان” شعرت بيجيوم بمشاعر متباينة بين السعادة لمغادرتها البلاد التي أصبحت تعد بمثابة الجحيم، ومشاعر الحزن التي لم تفارقها هي الأخرى لمغادرة موطنها وبلادها التي رفضتها وأساءت لإنسانيتها وكرامتها.
وتروي بيجوم تفاصيل المشاهد المأساوية التي شهدتها عائلتها في بورما قائلة: “اقتحم الجيش البوذي قريتنا في حين كنت أجلس أنا وأسرتي في خيمة استطاع زوجى أن يقيمها لنستخدمها كمأوى، حيث تعرض العديد من السكان للقتل والاغتصاب والذبح بشكل يومي”.
وتقدر أعداد قبيلة “الروهينغا” المقمين داخل حدود دولة بورما بما يقرب من مليون و300 ألف شخص، ويقدر العدد الكلي لمسلمي “الروهينغا” المقيمين في جنوب وجنوب شرق آسيا حوالي مليون ونصف المليون شخص.
وذكرت الأمم المتحدة، في بيان لها، في العام 2013، بشأن الأقليات الدينية حول العالم أن طائفة “الروهينغا” تعد الطائفة الأكثر اضطهاداً في العالم.
ومن الجدير بالذكر أن بنغلاديش قامت باستضافة مايزيد عن 300000 مواطن من قبيلة “الروهينغا” المسلمين في الأسابيع القليلة الماضية، مع وجود بعض التقارير التي تؤكد أن الأعداد قابلة للزيادة في الفترة المقبلة، إذ اضطر المسلمون لمغادرة بلدهم وترك ذكرياتهم خلفهم في مشهد غاية في الألم، مع عدم وجود خيارات للقيام بغير ذلك في ظل صمت إسلامي ودولي مخيّب للأمال .
الاعتداء الجنسي
وقالت السيدة حميدة خاتون، التي تعيش في بنغلاديش بمخيم “كوتوبالانغ” بولاية “كوكس بازار” الحدودية: “نجحت في الفرار إلى بنغلاديش ضمن عشرات الآلاف الذين لم يجدوا ملجأ للبقاء على قيد الحياة”.
وتروي حميدة تفاصيل ليال من الرعب غير المسبوق التي تعيشها المرأة المسلمة في بورما، خلال ثلاثة الأشهر الآخيرة قائلة: “يقتحم جنود الجيش منازل القرية ليلُا بحثًا عن فتيات فاتنات من أجل اغتصابهن، وعند العثور على فتاة يتم القبض عليها والذهاب بها إلى الغابة من أجل اغتصابها”.
وتضيف: “لكن إذا كنت تعتقد أن الأمور ستنتهي عند هذا الحد فستكون مخطئا فالقادم هو الأسوأ، إذ إنه بعد الانتهاء من اغتصاب الفتيات تكون أسعدهن حظًا هي من يتم إعادتها إلى طرق القرية مثل الجثة الهامدة التي لا يزال بجسدها قلب ينبض، ولكن البعض الآخر من الفتيات ينتهي بهن الأمر بالذبح بعد اغتصابهن على أيدي الجنود البوذيين.
ومضت قائلة: “قد نضطر في بعض الأحيان للمكوث دون طعام لفترات طويلة في مخيم كوتوبالانغ الذي نعيش به في الوقت الراهن، ولكن على الرغم من الجوع ونقص الغذاء إلا أننا نستطيع النوم في سلام والشعور بالأمان في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى، وهذا هو الأهم”.
وتصف حميدة عملية هروبها من بورما قائلة: “في أحد الأيام كان زوجي أمينولا في طريقه للعودة للمنزل بعد الانتهاء من العمل، وسمع صوت الرصاص الذى يطلقة الجيش تجاه المواطنين العزل، وشعر بألم شديد في يده اليسري من شدة خوفه”.
وتضيف: “تمكن أمينولا من الفرار من الجنود والرجوع إلى بيته سالمًا، وعند العودة إلى المنزل قرر الزوجان مغادرة البلاد والذهاب إلى بنغلاديش في الليلة نفسها، ولكن أمينولا لم يستطع تفادي رصاصة أصابت قدمه أثناء رحلة الهروب من بورما إذ تم إزالة تلك الرصاصة بواسطة طبيب قبل الدخول إلى الغابات”.
وفي صراع من أجل البقاء قام عشرات الآلاف من طائفة “الروهينغا” بالسعي للهروب من بلادهم بسبب العمليات القمعية التي يقودها الجيش البورمي في حقهم، سواء من حرق للمنازل أو عمليات قتل و ذبح ممنهجة أو عمليات اغتصاب متكررة للسيدات المسلمات.
الهرب من بورما
وعند دخول الغابات وجد الزوجان الآلاف من مسلمي “الروهينغا” يسيرون بجانبهم متوجهين نحو نهر “ناف”، ولم يكن أحد يعرف الطريق الصحيح إلى النهر، ولكن كل ما عليهم كان تجنب السير في الطرق الرئيسة بالمدينة لعدم اكتشاف أمرهم من قبل جنود الجيش، ولمدة 3 أيام كان المهاجرون يتغذون على أوراق الشجر والديدان والمياه المالحة حتى تمكنوا في النهاية من الوصول إلى “نهر ناف”.
وعند الوصول إلى النهر صعد المهاجرون على متن سفن بنغلاديشية من أجل الخروج من بورما، وبينما لا يمتلك المهاجرون العملة السارية في بنغلادش، يستغل قادة المراكب المهاجرين من خلال مقايضة سفرهم في مقابل أي ممتلكات ثمينة يمتلكونها.
وبعد ما يقرب من 17 ساعة في المركب وصلت حميدة وزوجها أمينولا إلى الحدود البحرية لدولة بنغلادش، إذ رفض قائد المركب الدخول إلى الشواطئ البنغلاديشية.
وقال مسؤلون في حكومة بنغلاديش إن العديد من المهاجرين لقوا مصرعهم بسبب عدم قدرتهم على السباحة لمسافات طويلة.